في حكم البيع بقيمة النظير في السوق | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٠٥٢

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - البيوع

في حكم البيع بقيمة النظير في السوق

السـؤال:

في تجارة الموز –عندنا- يأخذ المشتري من البائع الكميَّات التي يريدها من غير اتّفاق على ثمنها وقت البيع، وإنما يتحدّد ثمنُها في السّوق بسعر أشباهها، فهل تجوز هذه المعاملة؟

الجـواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على منْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فالمقرَّر –فقهًا- أنَّ معلوميةَ قدرِ الثمن للطَّرفين في وقت العقد شرطٌ مُتَّفقٌ عليه، غيرَ أنَّ الفقهاء يختلفون في الغرر الحاصل في صورة البيع المذكور أعلاه، أهو غررٌ يُفْسِد البَيْعَ لاحتمال الوقوعِ في الغبن أم أنّه غررٌ معلَّق بما يُزِيل الجهالة؟ ومذهب جمهور العلماء: أنّهم يقرِّرون عدمَ صحّة البيع بثمنٍ مجهولٍ للطّرفين لعدم علمهما بما يرسُو عليه السّعر في المستقبل، ذلك لأنَّ البائع قد يقدّر ثمنًا، ويكون الثّمَنُ الذي بَذَلَه المشتري دون تقديره فيحصل له الغبن، وكذلك المشتري قد يقدّر ثمنًا، ويكون الثّمَنُ الذي يريدُه البائع أزْيدَ مما قدّره، فالجهالةُ في قدر الثّمن تُفْضي إلى الغرر والنّزاع، ذلك لأنّ العلمَ بما يَثْبُتُ به السّعرُ مجهولٌ وقتَ العقدِ، وقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وآله وسلم أنّه نهى عن الغرر(١).

ويذهب الإمامُ أحمدُ -رحمه الله- في روايةٍ عنه إلى جوازِ البيع بما ينقطع به السّعرُ، وهي روايةٌ رجَّحها ابنُ تيميّةَ وابنُ القيّم -رحمهما الله-، لأنَّ البيع بقيمةِ النّظير في السّوق بَيْعٌ بثمن المثل، فيجوز قياسًا على ثمن المثل في النّكاح أو الإجارة بأجرة المثل كالمُكاري وقيّم الحمّام ونحو ذلك، ولو كان الثّمنُ عند العقد مجهولاً، إلاَّ أنّه معلَّقٌ بشيءٍ يزيلُ الجهالة، وينتفي الغبنُ إذا علم المشتري بأنَّه اشتراها بسعرِ أشباهها، علمًا أنّ هذه المعاملةَ تدفع المشقّة عن النّاس وتُحَقِّق مصالِحَهم مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، قال ابنُ القيم –رحمه الله-: «والصّوابُ المقطوعُ به –وهو عملُ النّاس في كلِّ عصرٍ ومصرٍ- جوازُ البيعِ بما ينقطعُ به السّعرُ، وهو منصوصُ الإمام أحمدَ، واختاره شيخُنا، وسمعتُه يقول: «هو أطْيبُ لقلبِ المشتري من المساومة، يقول: «لي أسوةٌ بالنّاس، آخُذُ بما يأخذُ به غيري»، قال: والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تَرْكُه، بل هم واقعون فيه، وليس في كتابِ الله ولا سنّةِ رسوله ولا إجماعِ الأمَّة ولا قولِ صاحبٍ ولا قياسٍ صحيحٍ ما يحرّمه. وقد أجمعت الأمَّة على صحّة النّكاح بمهر المثل، وأكثرُهم يجوّزون عقْدَ الإجارة بأجرة المثل كالنّكاح والغسَّال والخبَّاز والملاَّح وقيِّم الحمَّامِ والمُكاري والبيعِ بثمن المثلِ كبيعِ ماء الحمَّام، فغايةُ البيعِ بالسعرِ أن يكونَ بيعُه بثمنِ المثل فيجوز كما تجوزُ المعاوضةُ بثمنِ المثلِ في هذه الصّورة وغيرِها، فهذا هو القياسُ الصّحيح، ولا تقوم مَصالِحُ النّاس إلاَّ بهِ»(٢).

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٤ من جمادى الأولى ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٨ مـــــايو ٢٠١٠م


(١) أخرجه مسلم في «البيوع» (١٥١٣)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) «أعلام الموقعين» لابن القيم: (٤/ ٦).