في الإثراء السريع بالاحتكار | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ١١٢٢

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - البيوع

في الإثراء السريع بالاحتكار

السؤال:

من المعلوم أنَّ الدولة نظَّمت معرض الكتاب ليستفيد منه عمومُ الناس، لكنَّ بعض المكتبات تستغلُّ هذه المناسبةَ لشراء الكتب جملةً لبيعها بعد ذلك بثمنٍ أغلى، مع الإشارة إلى أنَّ تنظيم المعرض يمنع ذلك ولا يسمح به.

فهل يجوز لهم فعلُ ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا يجوز لمسلمٍ أن يبيع ما اشتراه إلاَّ بعد أن يقبضه ويحوزه إلى رحله لما ثبت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه: «نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ»(١).

فإن تمَّ له القبضُ والحيازة فله أن يبيع كيف شاء بالشروط الشرعية ولو جاوز السعرَ الذي اشتراه بزيادةٍ معتادةٍ، سواءٌ نقدًا في الحال أو مؤجَّلاً فيما يقبل التأجيل.

ولا يجوز للتاجر أو لغيره -من جهةٍ أخرى- استغلالُ ما يحتاج الناس إليه بالاحتكار والتخزين تقصُّدًا للربح الفاحش أو طمعًا في الكسب السريع على حساب إرهاق المشتري بسعرٍ مرتفعٍ يُثقل كاهله، خاصَّةً إن كان من ذوي القدرة الشرائية المحدودة؛ لتحريم الاحتكار في قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ يَحْتَكِرُ(٢) إِلاَّ خَاطِئٌ(٣)»(٤). وعلَّة تحريمه الحرج والضرر الواقع على الناس بالاحتيال والحبس والتخزين، والحديث يدلُّ على تحريم الاحتكار ويتناول كلَّ سلعةٍ أو بضاعةٍ مطلقًا، سواءٌ كانت من قوتٍ أو من غيره عملاً بقاعدة أنَّ «المُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إِطْلاَقِهِ».

لذلك ينبغي للتاجر الأمين أن يترك عوامل الجشع والطمع التي تدفعه إلى الاحتكار واستغلال أموال الناس بفرض أسعارٍ مرتفعةٍ تخرج عن المعتاد، إغلاءً لما يحتاجه الناس في معاشهم ومعادهم.

وجديرٌ بالتنبيه أنَّ للتاجر أن يشتريَ ما شاء من السِّلَع والبضائع، وله أن يحبسها أو يخزِّنها إذا كانت الناسُ في غنًى عنها، بالنظر إلى انتفاء الضرر عنهم وهو علَّة المنع، وله أن يبذل لهم من الموادِّ والبضائع عند قيام الحاجة بما تتعارف عليه العادةُ في المكاسب، دفعًا للحرج والضرر عن المسلمين.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٧ من ذي القعدة ١٤٣٢ﻫ
المـوافق ﻟ: ٠٥ أكتــوبر ٢٠١١م


(١) أخرجه أبو داود في «الإجارة»، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفي (٣٤٩٩)، من حديث زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٦/ ٥٥٩).

(٢) الاحتكار هو حبس السلعة لتقلَّ فتغلو [انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ٤١٧)].

(٣) خاطئٌ: هو العاصي الآثم المذنب [«النهاية» لابن الأثير (٢/ ٤٤)].

فهو من الثلاثي: «خَطِئَ، يَخْطَأُ» فهو خاطئٌ من الخطيئة، فمنه قوله تعالى: ﴿لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ﴾ [الحاقة: ٣٧]، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٩١]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٢٩]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨].

بخلاف الخطإ الذي يقابل الصواب أو العمد فهو من الرباعي: «أخطأ، يُخطئ» وفاعله يُسمَّى مخطئًا من الخطإ، فمنه قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ [الأحزاب: ٥]، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].

(٤) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١٦٠٥) من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه.