في الجمع بين الصلاتين للمشقة المعتبرة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٢٤٠

الصنف: فتاوى الصلاة

في الجمع بين الصلاتين للمشقة المعتبرة

السؤال:

عندنا في الدنمارك(١) يدخل وقت صلاة المغرب على الساعة العاشرة مساءً، ويدخل وقت صلاة العشاء في منتصف الليل إلَّا ربعًا، وهكذا يستمرُّ وقت الصلاتين لمدَّة ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ.

فهل يجوز للمنفرد أن يجمع جمعَ تقديمٍ في بيته كلَّ يومٍ طيلةَ هذه المدَّة؟ لأنَّه يشقُّ عليه انتظار دخول وقت صلاة العشاء؟

وهل يجوز الجمع إذا جُمعت الصلاتان في المسجد لمدَّة ثلاثة أشهر؟

وهل يجوز لمن يستطيع انتظار دخول وقت صلاة العشاء الجمع في المسجد مع الجماعة؟

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالمعلوم أنَّ أداءَ الصلاةِ في وَقتها المقرَّر شرعًا لهو من أهمِّ شروط الصلاة، وَأوْكدِ فرائضِها؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا[النساء: ١٠٣]، أي: أجلًا محدَّدًا، فلا يجوزُ تقديمُ الصلاة عن وقتها المختارِ لها لغير عُذرٍ، ولا تأخيرُها عنه، بل المحافظة على وقتها المشروع من أفضلِ الأعمال وأحبِّها إلى الله تعالى، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»» الحديث(٢).

هذا الأصلُ المقرَّر لغير أهلِ الأعذارِ(٣)، وقَدْ يسَّر الله هذهِ العبادةَ العظيمةَ، ورخَّص لأهلِ الأعذارِ والحرَجِ مِن هذه الأُمَّة أنْ يَجْمَعُوا بينَ الصَّلاتَيْن جمعَ تقْديمٍ أَوْ تأخيرٍ بحَسَبِ حَالهمْ دفْعًا للمَشقَّةِ والحرَجِ لقَوْلِه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ[الحج: ٧٨]، وقولِه تعالى: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ[البقرة: ١٨٥].

ولا شكَّ أنَّ مثلَ هذه البلدان الأوروبية يتأخَّر فيها مغيبُ الشَّفَق الأحمرِ ـ وهو أوَّل وقت صلاة العشاء ـ تأخُّرًا كبيرًا حتى يَشقّ ـ على الكثير ـ انتظارُه، وخاصَّةً في فترةِ الصَّيف، بل قد تنعدم علامةُ وقتِ صلاة العشاء، وهي: الشفقُ الأحمرُ التي تميِّزه(٤)؛ لذلك كان الحرجُ فيها معتبرًا يشرع ـ والحال هذه ـ الجمعُ بين الصلاتين جمعَ تقديم عملًا بما ثبت من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ» قيل: لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ»(٥).

واللَّافتُ للنَّظر أنَّ الجمعَ بين الصلاتينِ في وقت إحداهما للمعذورِ ليس هو ـ في واقع الأمرِ ـ تقديمًا أو تأخيرًا عنها إلَّا في صورة الفعلِ، ولكن وقتهما ـ في الحقيقة ـ هو وقتٌ واحدٌ موافقٌ للهدي النَّبوي، على ما دلَّت عليه النصوص الحديثية. لذلك كان الأخذُ برخصة الجمع بين الصلاتين عندَ حصولِ الحاجةِ أمرًا مرغَّبًا فيه للمنفرد أو الجماعة، وإن طالت مدَّتُه، ما دامت المشقَّة حاصلة؛ لأنَّ «المشقَّة تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ»، ولقوله صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ»(٦).

وإن جَمَع المعذور بين صلاتي الظهر والعصر أو بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير فإنه يجمع بينهما بأذانٍ واحدٍ وإقامتين؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَإِقَامَتَيْنِ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ(٧) بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا»(٨).

غير أنَّه متى انتفى الحرجُ أو زالتِ المشقَّة امتنعَ الجمعُ وعاد الحكمُ إلى عادتِه وهو الصَّلاة على وقتها ـ كما تقدَّم ـ.

وإذا جمعَ أهلُ الحرج بين الصلاتين جماعةً في المسجد، فله أن يُصليَ معهم العشاءَ نفلًا إنْ شاءَ، وإن لم يكن مُحرَجًا، ثمَّ يُعيدُ صلاةَ العِشَاء عندَ دخولِ وقتِها فرضًا مِنْ غيرِ أن يتَّخِذَ هذَا التصرُّفَ عادةً لهُ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في:  ١٣ من ذي الحجة ١٤٤١هـ
الموافق ﻟ: ٠٣ أوت ٢٠٢٠م



(١) للفائدة: تقع دانمارك بين خطَيْ عرض ٥٧.٤٤ و ٥٤.٤٨ شمالًا، أي: هي ضمن المنطقة «الثانية»، حَسَب تقسيم المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.

(٢) أخرجه البخاري في «مواقيت الصلاة» (٥٢٧) باب فضل الصلاة لوقتها، ومسلم في «الإيمان» (٨٥) باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(٣) ومخالفة وقت الصلاة بالتأخير عنه أو تقديمه أو بالجمع ونحو ذلك مِنْ غير عُذر يُعدُّ مِنَ الكبائر، فقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «وَاعْلَمْ أَنَّ جَمْعًا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ» [أخرجه عبد الرزاق في «مصنَّفه» (٢/ ٤٢) رقم: (٢٠٥٢)].

(٤) تقسَّم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:

-  المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (٤٥) درجة و(٤٨) درجة شمالًا وجنوبًا، وتتميَّز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة طالت الأوقات أو قصرت.

-  المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (٤٨) درجة و(٦٦) درجة شمالًا وجنوبًا، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السَّنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.

-  المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (٦٦) درجة شمالًا وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السَّنة نهارًا أو ليلًا.

[انظر: «قرارات المجمع الفقهي بمكة المكرمة، الدورات: من الأولى إلى السابعة عشر» ـ القرار السادس: مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية، الدورة التاسعة: ١٤٠٦ هجري، (ص ٢٠١ ـ ٢٠٢)].

(٥) أخرجه مسلم في «صلاة المسافرين وقصرها» (٧٠٥) باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، وأبو داود في «الصلاة» (١٢١١) باب الجمع بين الصلاتين، والترمذي في «أبواب الصلاة» (١٨٧) باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، وأحمد (١٩٥٣)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(٦) أخرجه ابن حبان (٣٥٤) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني في «إرواء الغليل» (٥٦٤).

(٧) جمع: علم للمزدلفة. [«النهاية» لابن الأثير (١/ ٢٩٦)، وانظر: «غريب الحديث» لابن الجوزي (١/ ١٧٢)].

(٨) أخرجه أبو داود في «المناسك» (١٩٠٦) باب صفة حجة النبي صَلَّى الله عليه وسَلَّم، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٨٩٧)، وأخرجه مسلم مطوَّلًا في «الحج» (١٢١٨) باب حجة النبي صَلَّى الله عليه وسَلَّم.