في حُكمِ فَرْشِ المسجِدِ بسجَّادٍ أحمرِ اللَّونِ | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٣٢٤

الصنف: فتاوى الصلاة ـ المساجد

في حُكمِ فَرْشِ المسجِدِ بسجَّادٍ أحمرِ اللَّونِ

السؤال:

اشترَيْتُ سجَّادًا أحمرَ لِمَسجدٍ، فأَنكرَ عليَّ بعضُ الإخوة، مُستدِلِّين بقولِ عمرَ رضي الله عنه: «أَكِنَّ(١) النَّاسَ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ(٢)، وَلَا تُحَمِّرْ وَلَا تُصَفِّرْ»؛ فماذا ترَوْن في ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالَمِين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالَمِين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ أَثرَ عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه فيما أمَرَ به البنَّاءَ لَمَّا احتاج إلى توسيع المسجدِ النَّبويِّ وتجديدِه في زمانه؛ فقد أَوردَهُ البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم مع جملةٍ مِنَ الآثار فقال: «وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «كَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ»(٣)، وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ وَقَالَ: «أَكِنَّ(٤) النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ»(٥)، وَقَالَ أَنَسٌ: «يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا»(٦)، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى»(٧)».

فذكَرَ عمرُ رضي الله عنه في الأَثرِ المسؤولِ عنه أنَّ الغايةَ مِنَ العِمارة البُنيانيَّة للمساجد متمثِّلةٌ في وقاية النَّاس بالاستتار فيه مِنَ الحرِّ والقُرِّ والمطرِ، ثمَّ حذَّر مِنْ هذه الألوانِ المُزَخْرَفة الَّتي تَشغَلُ قلوبَ النَّاس؛ قال المُناويُّ ـ رحمه الله ـ: «فزخرفة المساجد، وتحليةُ المصاحفِ منهيٌّ عنها؛ لأنَّ ذلك يَشغَلُ القلبَ، ويُلهِي عن الخشوع والتَّدبُّر والحضور مع الله تعالى»(٨)، ولا شكَّ أنَّ بيوتَ اللهِ يجب أَنْ تكون مُنَزَّهةً عن مشاغل الدُّنيا وزخارِفِها، لذلك ينبغي اختيارُ اللَّونِ السَّاذَج الذي يكونُ بلونٍ واحدٍ لا يخالِطُه غيرُه ولا نَقْشَ فيه ولا تزويقَ ولا بريقَ، بعيدًا عن الزَّخرفة والبهرجة، لئلَّا يكون ذلك لافتًا لنظرِ المُصلِّين، ولا مُلهِيًا عمَّا هم مُقبِلون عليه مِنْ عبادة ربِّهم.

هذا، وما دام أنَّ السَّجَّادَ أحمرُ اللَّونِ فإِنْ كان لا يخالطه لونٌ غيرُه، وهو مجرَّدٌ عن كُلِّ ما يَشغَل القلبَ مِنْ: تزويقٍ وبَريقٍ وزَركشةٍ؛ فيجوز وقفُه للمسجد كغيره مِنَ الألوانِ، لانتفاءِ ما يُلهي عن أمر الصَّلاة، غيرَ أنَّ أحسنَ لونٍ للسَّجَّادٍ وأفضلَه أَنْ يكون بُنِّيًّا فاتحًا يُشبِه لونَ التُّرابِ لأنَّه أبعدُ عن شغلِ القلب ولَفتِه وأجمعُ لقلبِ المُصلِّي.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالَمِين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٨ مِنْ ربيعٍ الآخِر ١٤٤٤هـ
المُــوافق ﻟ: ٢٢ نوفمبـر ٢٠٢٢م



(١) الكِنُّ: السُّترةُ والجمعُ أكنانٌ؛ قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا[النحل: ٨١]، والأَكِنَّةُ: الأغطية، قال اللهُ تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً[الأنعام: ٢٥؛ الإسراء: ٤٦] والواحدُ: كِنانٌ. الكسائيُّ: كَنَّ الشيءَ: سَتَره وصانه مِنَ الشمس، وبابُه ردَّ، وأَكنَّه في نفسه: أَسرَّه؛ وقال أبو زيدٍ: كَنَّه وأَكَنَّه بمعنًى واحدٍ في الكِنِّ وفي النفس جميعًا؛ والكَنَّة ـ بالفتح ـ: امرأةُ الابنِ وجمعُها كنائنُ؛ والكِنانةُ: التي تُجعَل فيها السهامُ؛ واكتنَّ واستكنَّ: استتر؛ والكانون والكانونة: المَوقِد؛ [انظر: «مختار الصِّحاح» للرازي (٢٧٤)].

(٢) القُرُّ ـ بالضمِّ ـ والقِرَّة ـ بالكسر ـ: البرد، يقال: قَرَّ يومُنا يَقُرُّ قُرَّةً، ويومٌ قارٌّ وقَرٌّ بالفتح أي: باردٌ، وليلةٌ قارَّةٌ وقَرَّةٌ أي: باردةٌ، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٤/ ٣٨)، «مختار الصِّحاح» للرازي (٢٥٠)].

(٣) وصَلَه البخاريُّ في «الأذان» باب السجود على الأنف والسجودِ على الطِّين (٨١٣) وفي «فضلِ ليلة القَدْر» بابُ الْتِماس ليلةِ القدر في السبع الأواخر (٢٠١٦)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٦٧)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الأنصاريِّ الخُدريِّ رضي الله عنه.

(٤) في ضبطه مِنْ روايات البخاريِّ ثلاثةُ أَوجُهٍ: أُكِنُّ ـ إخبارًا عن المتكلِّم نفسِه ـ، وأَكِنَّ ـ أمرًا للمُخاطَب البنَّاء مِنَ الفعل الرُّباعيِّ ـ، وكِنَّ ـ بحذف الألف وكسرِ الكاف أمرًا مِنَ الثلاثيِّ ـ.

(٥) أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم في «الصَّلاة» (١/ ٥٣٩) باب بُنيَان المسجِد، ولم يَصِلْه ابنُ حجرٍ لا في «الفتح» (١/ ٥٣٩) ولا في «التغليق» (٢/ ٢٣٥) ولا غيرُه، وصحَّحه زكريَّا بنُ غلام الباكستانيُّ في «ما صحَّ مِنْ آثار الصحابة في الفقه» (١/ ١٦٣) بناءً على أنَّ البخاريَّ علَّقه بصيغة الجزم.

(٦) وصَلَه أحمد في «مُسنَده» (١٢٣٧٩)، وأبو داود (٤٤٩)، والنسائيُّ (٦٨٩)، وابنُ ماجه (٧٣٩)، بلفظ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ»، وابنُ خزيمة في «صحيحه» (١٣٢١) بلفظ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا ـأَوْ قَالَ:ـ يَعْمُرُونَهَا قَلِيلًا»، مِنْ حديث أنسٍ رضي الله عنه مرفوعًا؛ وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٥٨٩٥، ٧٤٢١).

(٧) وصَلَه أبو داود في «الصلاة» بابٌ في بناء المساجد (٤٤٨) مِنْ قولِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في تحقيق «المشكاة» للخطيب التبريزي (٧١٨).

(٨) «فيض القدير» للمُناوي (١/ ٣٦٦).