في حُكمِ حَلقِ شَعرِ الرَّأسِ | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٣٢٦

الصنف: فتاوى اللِّباس والزِّينة

في حُكمِ حَلقِ شَعرِ الرَّأسِ

السؤال:

إذا كان حلقُ الرَّأسِ مِنْ صفةِ الخوارجِ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «سِيمَاهم التَّحليقُ»(١)، فما حكمُ مَنْ حلَّق رأسَه بالمُوسى أو غيرِه في غير الحجِّ والعُمرة مِنْ غيرِ قصدِ تشبُّهٍ بهم؟ وهل مجرَّدُ الإكثارِ مِنْ ذلك يُعَدُّ مِنْ خصائص الخوارج؟ أفيدونا جزاكُم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمسألةُ حَلقِ شَعرِ الرَّأسِ واستِئصالهِ بالمُوسى أو بغيرهِ يَختلِفُ حُكمُها باختلافِ البواعثِ الدَّافعةِ على الحَلقِ، وهي تدورُ بين: النُّسُكِ (أي: الحجِّ والعُمرة)، والتَّديُّن (أي: اتِّخاذه شِعارًا على إظهار النُّسْك والعبادة والزُّهدِ، وتمامًا للتَّديُّن والتوبة)، والحاجَةِ، والعادةِ؛ وقد أجابَ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ عن هذه المسألة، وسأُحاوِلُ اختصارَ كلامِه مع إبقاءِ أهمِّ أدلَّتِهِ، حيث قال ـ رحمه الله ـ:

«حَلْقُ الرَّأْسِ على أربعةِ أنواعٍ:

ـ أَحَدُهَا: حَلْقُهُ في الحجِّ والعُمرةِ: فهذا مِمَّا أَمَرَ اللهُ به ورسولُه، وهو مشروعٌ ثابتٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الْأُمَّة؛ قال تعالى: ﴿لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ[الفتح: ٢٧]، وقد تَوَاتَرَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أنَّه حَلَقَ رأسَه في حَجِّه وفي عُمَرِه وكذلك أصحابُه: منهم مَنْ حَلَقَ ومنهم مَنْ قَصَّرَ، والحَلْقُ أَفْضَلُ مِنَ التَّقصير؛ ولِهَذا قال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ؟» قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ؟» قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ وَالْمُقَصِّرِينَ؟» قَالَ: «وَالْمُقَصِّرِينَ»(٢)...

ـ والنَّوعُ الثَّاني: حَلْقُ الرَّأسِ للحاجةِ: مِثل أَنْ يَحْلِقَه لِلتَّداوي، فهذا ـ أيضًا ـ جائزٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماع؛ فإنَّ اللهَ رَخَّصَ للمُحرِمِ الَّذي لا يجوز له حَلْقُ رأسِه أَنْ يَحْلِقَه إذا كان به أذًى، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖ[البقرة: ١٩٦]، وقد ثَبَتَ باتِّفاقِ المسلمين حديثُ كعبِ بنِ عُجْرَةَ «لَمَّا مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ ـ وَالْقُمَّلُ يَنْهَالُ مِنْ رَأْسِهِ ـ فَقَالَ: «أَيُؤْذِيك هَوَامُّك؟» قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «احْلِقْ رَأْسَك وَانْسُكْ شَاةً؛ أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا(٣) بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ»»(٤)...

ـ النَّوعُ الثَّالثُ: حَلْقُه على وجهِ التَّعبُّدِ والتَّديُّنِ والزُّهْدِ مِنْ غيرِ حَجٍّ ولا عُمرةٍ، مِثلَ ما يأمر بعضُ النَّاسِ التَّائبَ إذا تَابَ بِحَلْقِ رأسِه، ومِثلَ أَنْ يُجعَلَ حَلْقُ الرَّأسِ شِعارَ أهلِ النُّسُك والدِّينِ أو مِنْ تمامِ الزُّهد والعبادة، أو يُجعَلَ مَنْ يَحْلِقُ رأسَه أفضلَ ممَّنْ لم يَحْلِقْه أو أَدْيَنَ أو أَزْهَدَ، أو أَنْ يُقَصَّرَ مِنْ شَعرِ التَّائبِ كما يفعل بعضُ المُنتسِبِينَ إلى المَشْيَخةِ إذا توَّب أَحَدًا: أَنْ يقصَّ بعضَ شعرِه، ويعيِّن الشيخُ صاحِبَ مِقَصٍّ وسجَّادةٍ؛ فيجعل صلاتَه على السجادة، وقصَّه رءوسَ النَّاسِ مِنْ تمام المشيخة التي يصلح بها أَنْ يكون قدوةً يتوِّب التائبين؛ فهذا بدعةٌ لم يَأْمُرِ اللهُ بها ولا رسولُه؛ ولَيْسَتْ واجبةً ولا مُستحَبَّةً عند أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ؛ ولا فَعَلَها أَحَدٌ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعِين لهم بإحسانٍ ولا شُيُوخِ المُسلِمِين المشهورِين بالزُّهدِ والعبادةِ لا مِنَ الصَّحابة ولا مِنَ التَّابعِينَ ولا تابِعِيهِم ومَنْ بعدَهم...

ـ والنَّوْعُ الرَّابعُ: أَنْ يَحْلِقَ رأسَه في غيرِ النُّسُكِ لغيرِ حاجةٍ ولا على وجهِ التَّقرُّبِ والتَّديُّنِ: فهذا فيه قولانِ للعُلَماءِ هما رِوايتانِ عن أحمد: أَحَدُهُما: أنَّه مكروهٌ؛ وهو مذهبُ مالكٍ وغيرِه، والثَّاني: أنَّه مُباحٌ؛ وهو المعروفُ عند أصحابِ أبي حَنِيفةَ والشَّافعيِّ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى غُلَامًا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ رَأْسِهِ فَقَالَ: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوْ دَعُوهُ كُلَّهُ»(٥)، وَأُتِيَ بِأَوْلَادٍ صِغَارٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَحَلَقَ رُءُوسَهُمْ(٦)؛ وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ القَزَعِ(٧)، وَالْقَزَعُ: حَلْقُ البَعْضِ(٨)؛ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ حَلْقِ الْجَمِيعِ؛ والأوَّلونَ يقولون: حَلْقُ الرَّأسِ شِعارُ أهلِ البِدَعِ، فإنَّ الخوارجَ كانوا يَحْلِقون رُءُوسَهم، وبعضُ الخوارجِ يَعُدُّون حَلْقَ الرَّأْسِ مِنْ تمامِ التَّوبة والنُّسُك، وقد ثَبَتَ في الصَّحيحَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لَمَّا كَانَ يَقْسِمُ جَاءَهُ رَجُلٌ عَامَ الْفَتْحِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ»(٩)»(١٠).

قلتُ: وما كَرِهَه مالكٌ وأحمدُ في روايةٍ وغيرُهما مِنْ أنَّ حَلْقَ الرَّأسِ شِعَارُ الْخَوَارِجِ وأَهلِ البِدَعِ إذْ كان الخوارجُ يَعُدُّونَ حَلْقَ الرَّأسِ مِنْ تمامِ التَّوْبَةِ والنُّسُكِ، فهذا الحلقُ ـ في الحقيقةِ ـ معدودٌ مِنَ النَّوعِ الثَّالثِ المُتقدِّمِ وهو: [حَلقُهُ عَلَى وَجهِ التَّعبُّدِ والتَّديُّنِ والزُّهدِ]، فلا يجوزُ ـ شرعًا ـ موافقةُ مُعتقَدِ الخوارجِ أو التَّشبُّهُ بهم فيما أحدثوه في الدِّين مِنْ تخصيصِ فِعلِه بذلك القصد، بل لا يجوزُ موافقةُ أهلِ البِدَعِ كافَّةً في ضلالهِم وبِدَعِهم ولا التَّشبُّهُ بهم.

ومِنْ هذا القبيلِ ـ أيضًا ـ فقَدْ يدخلُ حلقُ شعرِ الرَّأسِ فيما يُضادُّ النُّسْكَ والعبادةَ الشَّرعيَّةَ لكنَّه داخلٌ في تعبُّدٍ وتنسُّكٍ شركيٍّ، كما هو صنيعُ أهلِ القُبورِ والأضرِحَةِ؛ حيث إنَّهم يطوفونَ بالضَّريحِ أو بالقَبرِ، وبعدما ينتهي الطَّائفُ يُحَلِّق شعرَ رأسِه؛ ولا يخفى أنَّ الحلقَ ـ بهذه الصُّورةِ ـ حرامٌ، وهو داخلٌ في عمومِ الشِّركِ باللهِ.

هذا، والصحيحُ أنَّ مسألةَ حلقِ شعرِ الرَّأسِ تعودُ ـ أساسًا ـ إلى نيَّةِ الفاعل، إذِ النِّيَّةُ تُميِّز بين العباداتِ والعادات بالنَّظر إلى وجودِ تداخُلٍ وشراكةٍ بينهما، وتُميِّز بين مراتبِ العبادات، عملًا بحديثِ عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ [كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ] كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»(١١).

وعليه، فإِنْ وافقَت نِيَّتُه عملًا صالحًا كما هو الشَّأنُ في الحجِّ والعُمرةِ أو جائزًا كالتَّداوي أو عمومِ الحلق دون تقصُّدِ إظهارِ زيادةِ التنسُّك به أو التشبُّهِ بأهل الأهواء كالخوارج أو المشركين كالهندوس والبوذيِّين، فيُجازى على نِيَّته الصَّالحةِ، وإِنْ طابَقَتْ عملًا فاسدًا مهما كانت نيَّتُهُ صالحةً أو فاسدةً فلا تشفعُ له النِّيَّةُ الصَّالحةُ في العملِ غيرِ المشروعِ: كالشِّركِ والبدعةِ وسائر الأعمالِ الباطلةِ أو المُخالِفةِ للشرع.

أمَّا إِنْ كان العملُ ـ في ذاته ـ مشروعًا أو مُباحًا، لا يُرادُ به التَّعبُّدُ واتِّخاذُه شعارًا على التَّنسُّكِ أو التَّشبُّهُ فيه بأهل الأهواء أو المشركين، وإنَّما قام بهِ على وجهِ العادةِ أو الحاجةِ فلا حرَجَ عليه ولا إِثمَ.

وأمَّا حديثُ الخوارجِ أنَّ «سِيمَاهم التَّحليقُ»(١٢) الَّذي استَدلَّ بهِ بَعْضُ النّاسِ عَلى كَراهَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ فقد أجاب عنه النوويُّ ـ رحمه الله ـ بقوله: «ولا دَلالَةَ فِيهِ [أي على كراهة حلق الرأس] وإنَّما هُوَ عَلامَةٌ لَهُمْ، والعَلامَةُ قَدْ تَكُونُ بِحِرامٍ وقَدْ تَكُونُ بِمُباحٍ كَما قالَ صلى الله عليه وسلم: «آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ»(١٣)، ومعلومٌ أنَّ هذا ليس بحرامٍ، وقد ثبَتَ في «سنن أبي داود» بإسنادٍ على شرط البخاريِّ ومسلمٍ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى صبيًّا قد حُلِقَ بعضُ رأسِه فَقالَ: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ أوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ»(١٤)؛ قال: وهذا صريحٌ في إباحةِ حَلْقِ الرأس لا يحتمل تأويلًا»(١٥).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ جمادى الآخرة ١٤٤٤هـ
المُــــوافـق ﻟ: ١٢جــانــفـي ٢٠٢٣م



(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الحلق والتقصيرِ عند الإحلال (١٧٢٨)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وبنحوه عن ابنِ عمر رضي الله عنهما لكِنْ بذِكر الرحمة بدلَ المغفرة: مُتَّفَقٌ عليه: البخاريُّ (١٧٢٧)، ومسلمٌ (١٣٠١).

(٣) قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٣/ ٤٣٧): «الفَرَق بالتَّحريك: مكيالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رطلًا، وهي اثنا عَشَرَ مُدًّا، أو ثلاثةُ آصُعٍ عند أهل الحجاز؛ وقِيلَ: الفَرَقُ: خمسةُ أقساطٍ، والقِسطُ: نصفُ صاعٍ؛ فأمَّا الفَرْقُ بالسكون فمائةٌ وعشرون رِطلًا».

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ: أبواب المُحصَر» بابُ قولِ الله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖ[البقرة: ١٩٦] (١٨١٤)، وباب قول الله تعالى: ﴿أَوۡ صَدَقَةٍ[البقرة: ١٩٦] وهي إطعامُ سِتَّةِ مساكينَ (١٨١٥)، وباب: الإطعامُ في الفِدية نصفُ صاعٍ (١٨١٦)، وباب: النُّسُكُ شاةٌ (١٨١٧، ١٨١٨)، وفي «المغازي» بابُ غزوةِ الحُدَيْبِيَة (٤١٥٩، ٤١٩٠، ٤١٩١)، وفي «تفسير القرآن» بابُ قولِه: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ[البقرة: ١٩٦] (٤٥١٧)، وفي «المرضى» بابُ قولِ المريض: إنِّي وَجِعٌ، أو: وا رأساهُ، أو: اشتدَّ بي الوجعُ (٥٦٦٥)، وفي «كفَّارات الأيمان» بابُ قولِ الله تعالى: ﴿فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ[المائدة: ٨٩] وما أمَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين نزلت: ﴿فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖ[البقرة: ١٩٦] (٦٧٠٨).

ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٠١)، مِنْ حديثِ كعب بنِ عُجرةَ القُضاعيِّ البَلَويِّ رضي الله عنه حليفِ الأنصار.

(٥) أخرجه بنحوه أبو داود في «التَّرجُّل» بابٌ في الذُّؤابة (٤١٩٥)، والنسائيُّ في «الزِّينة» بابُ الرُّخصة في حلقِ الرأس (٥٠٤٨)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١١٢٣) و«صحيح الجامع» (٢١٢). وهو في معنَى حديثِ النهي عن القَزَع الآتي.

(٦) وذلك بعد استشهادِ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ وصاحبَيْه (زيدِ بنِ حارثةَ وعبدِ الله بنِ رَوَاحةَ) رضي الله عنهم في غزوةِ مُؤتة، فعَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ [مولى الحسن بنِ عليٍّ رضي الله عنهما]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: «لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ»، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي بَنِي أَخِي»، فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ: «ادْعُوا لِي الْحَلَّاقَ»، فَأَمَرَهُ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا [أخرجه أبو داود في «الترجُّل» بابٌ في حلقِ الرأس (٤١٩٢)، والنسائيُّ في «الزِّينة» بابُ حلقِ رءوس الصبيان (٥٢٢٧)، وأحمد في «مُسنَده» (١٧٥٠)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ جعفرٍ رضي الله عنهما. صحَّحه الألبانيُّ في تحقيقِ «مشكاة المصابيح» (٤٤٦٣)؛ وقال محقِّقُو طبعةِ الرسالة مِنَ «المُسنَد» (٣/ ٢٧٩): «إسنادُه صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، رجالُه ثِقَاتٌ رجالُ الشيخين، غير الحسن بنِ سعدٍ فمِنْ رجال مسلم»].

(٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «اللِّباس» بابُ القَزَع (٥٩٢٠، ٥٩٢١)، ومسلمٌ في «اللِّباس والزِّينة» (٢١٢٠)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وجاء تفسيرُه عن نافعٍ واللفظُ لمسلمٍ: قَالَ الراوي: قُلْتُ لِنَافِعٍ: «وَمَا الْقَزَعُ؟» قَالَ: «يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ».

(٨) قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٤/ ٥٩): «في حديث الاستسقاء: «وما في السماء قَزَعةٌ» أي: قطعةٌ مِنَ الغيم، وجمعُها: قَزَعٌ (هـ)، ومنه حديثُ عليٍّ: «فيجتمعون إليه كما يجتمع قَزَعُ الخريف» أي: قِطَعُ السَّحابِ المتفرِّقةُ؛ وإنما خَصَّ الخريفَ لأنه أوَّلُ الشِّتاء، والسَّحابُ يكون فيه متفرِّقًا غيرَ متراكمٍ ولا مُطبِقٍ، ثمَّ يجتمع بعضُه إلى بعضٍ بعد ذلك (هـ)، ومنه الحديث: «أنه نهى عن القَزَع» هو أَنْ يُحلَق رأسُ الصبيِّ ويُترَك منه مواضعُ متفرِّقةٌ غيرُ محلوقةٍ، تشبيهًا بقَزَعِ السَّحاب. وقد تَكرَّر ذِكرُ الجميع في الحديث مُفرَدًا ومجموعًا».

(٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «أحاديث الأنبياء» بابُ قولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ﴾: شديدةٍ، ﴿عَاتِيَةٖ ٦[الحاقَّة] (٣٣٤٤) وفي مَواضِعَ أخرى، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٦٤)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه. وهذا الرَّجلُ هو ذو الخُوَيْصِرة التَّميميُّ الذي قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اعْدِلْ فإنَّك لم تَعدِل»، وهو سلفُ الخوارج كما يظهر مِنْ مجموع الروايات، قِيلَ: اسمُه حُرقوصُ بنُ زُهيرٍ وقِيلَ: هو ذو الثُّدَيَّة، وكان ممَّنْ قُتِل في النَّهروان؛ فاللهُ أَعلَمُ؛ وكما أنَّ كَثاثةَ اللِّحية ليست بمجرَّدِها مِنْ خصائص الخوارج فلا يَلْزَمُ مِنْ مجرَّدِ كونه محلوقًا أنه مِنْ خصائص الخوارج، فهي مِنْ صفاتهم وسِيمَاهم وليست مِنْ خصائصهم؛ كيف وهو مِنْ أعمال الحجِّ؛ والتحليقُ: المبالغةُ في الحلق والإكثارُ منه.

(١٠) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢١/ ١١٦ ـ ١١٩).

(١١) مُتَّفَقٌ عليه: مِنْ حديثِ عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه:

بلفظ: الأعمال بالنِّيَّات: أخرجه البخاريُّ في «بدء الوحي» (١/ ٩) باب: كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم؟ (١). وبلفظ: الأعمال بالنِّيَّة: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (١/ ١٣٥) بابُ ما جاء: إنَّ الأعمال بالنِّيَّة والحِسبة، ولكُلِّ امرئٍ ما نوى (٥٤) وفي «العتق» (٥/ ١٦٠) باب الخطإ والنسيان في العَتاقة والطلاق ونحوِه، ولا عَتاقةَ إلَّا لوجه الله (٢٥٢٩). وفي «مناقب الأنصار» (٧/ ٢٢٦) بابُ هجرة النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وأصحابِه إلى المدينة (٣٨٩٨). وفي «الأيمان والنذور» (١١/ ٥٧٢) باب النِّيَّة في الأيمان (٦٦٨٩). وفي «الحِيَل» (١٢/ ٣٢٧) بابٌ في تركِ الحِيَل، وأنَّ لكُلِّ امرئٍ ما نوى في الأيمان وغيرِها (٦٩٥٣).ومسلمٌ في «الإمارة» (١٣/ ٥٣) بابُ قولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّة» وأنه يدخل فيه الغزوُ وغيرُه مِنَ الأعمال (١٩٠٧).وبلفظ: العمل بالنِّيَّة: أخرجه البخاريُّ في «النكاح» (٩/ ١١٥) باب: مَنْ هاجر أو عَمِل خيرًا لتزويجِ امرأةٍ فله ما نوى (٥٠٧٠).

(١٢) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ»، قِيلَ: «مَا سِيمَاهُمْ؟» قَالَ: «سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ أَوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ»: أخرجه البخاريُّ في «التوحيد» بابُ قراءةِ الفاجر والمنافق، وأصواتُهم وتِلاوتُهم لا تُجاوِزُ حناجرَهم (٧٥٦٢). والتسبيد هو الحلق واستئصال الشَّعر؛ وقِيلَ: هو تركُ التَّدهُّن وغَسلِ الرأس؛ (هـ) ومنه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما «أنه قَدِم مكَّةَ مُسبِّدًا رأسَه» يريد ترْكَ التَّدهُّنِ والغَسل؛ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٢/ ٣٣٣)].

(١٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ علاماتِ النُّبوَّة في الإسلام (٣٦١٠)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٦٤)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه.

(١٤) انظر: تخريجه في (الهامش رقم: ٥).

(١٥) «شرح النووي على مسلم» (٧/ ١٦٧)، وانظر: «عون المعبود» للعظيم آبادي (١١/ ٢٤٨ ـ ٢٤٩) ومعه «حاشيةُ ابنِ القيِّم» الموسومةُ ﺑ «تهذيب سنن أبي داود».