في تعريف العقيقة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٣٢٩

الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - العقيقة

في تعريف العقيقة

السؤال:

ما هو التعريفُ الصحيحُ للعقيقة؟ وهل يُكْرَهُ تسميتُها بالعقيقة؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالعقيقةُ أو النسيكةُ: اسْمٌ لِما يُذْبَح عن المولود، أو هي: الذبيحةُ التي تُذْبَح عن المولودِ يومَ سابِعِه. وهذا التعريفُ إنَّما هو جارٍ على مَن يُجيزُ النسيكةَ بغيرِ الشاة مِن الأصناف الثمانية كالبقر والجَزور، عملًا بالإجماع الذي نَقَله ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله تعالى ـ عن العلماء أنَّه لا يجوز في العقيقةِ إلَّا ما يجوز في الضحايا مِن الأزواج الثمانية، إلَّا مَن شذَّ مِمَّن لا يُعْتَدُّ بخلافه.

أمَّا قولُ مالكٍ ـ رحمه الله ـ: «تُسْتحَبُّ العقيقةُ ولو بعصفورٍ» فإنَّه خَرَجَ مَخْرَجَ التقليلِ والمبالَغةِ لقوله ـ رحمه الله ـ: «العقيقةُ بمنزلةِ النُّسُك والضحايا»، ولا يخفى أنَّه لا يجوز في النُّسُك والضحايا إلَّا الأنعامُ وهي الأصنافُ الثمانية(١).

أمَّا مَن قَصَرَ إجزاءَ العقيقةِ في الشاة(٢) دون غيرِها، فقَدْ عرَّف العقيقةَ بأنَّها: «الشاةُ التي تُذْبَح عن المولودِ يومَ سابِعِه».

هذا، والأصلُ في معناها اللغويِّ هو الشَّعرُ الذي يُولَدُ عليه كُلُّ مولودٍ مِن الناس والبهائم، ثمَّ أَسْمَتِ العربُ الذبيحةَ عند حَلْقِ شعرِ المولود عقيقةً على عادتهم في تسميةِ الشيء بسببه أو ما يُجاوِره.

أمَّا الجزئية الثانية مِن السؤال وهي: هل يُكْرَه تسميتُها بالعقيقة؟ ففيه مَن يرى كراهةَ تسميتها بالعقيقة لكراهةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للعُقوق(٣)، وإنَّما تُسمَّى عندهم بالنسيكة، وذَهَبَ آخَرون إلى أنه يُباح تسميتُها بذلك مِن غيرِ كراهةٍ لورودِ لفظِ العقيقة في أحاديثَ متعدِّدةٍ منها: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم مِن حديثِ سلمانَ بنِ عامرٍ الضبِّيِّ رضي الله عنه: «مَعَ الغُلَامِ عَقِيقَةٌ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى»(٤)، وعن سَمُرَةَ رضي الله عنه ـ أيضًا ـ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسَمَّى»(٥)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَعُقَّ عَنِ الجَارِيَةِ شَاةً وَعَنِ الغُلَامِ شَاتَيْنِ»(٦).

كما ورَدَتْ لفظةُ النسيكة في مَواضِعَ أخرى مِن الأحاديث منها: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ»(٧). ونظيرُ ذلك تسميةُ العشاء بالعَتَمة.

والراجحُ الصحيحُ في هذه المسألةِ أنَّ الأَوْلَى تسميتُها بالنسيكة خَشْيَةَ هَجْرِ هذا الاسْمِ، ولِمَا في العقيقة مِن الإشعار بالعقوق؛ فالتسميةُ بها خلافُ الأَوْلَى، بمعنى أنَّه يجوز تسميتُها بالعقيقة، لكِنْ شريطةَ أَنْ لا يُهْجَرَ الاسْمُ الشرعيُّ لها وهو النسيكة، وإنْ أُطْلِق عليها اسْمُ العقيقةِ كما هو الشأنُ في تسميةِ العشاء بالعَتَمةِ فلا يضرُّ ذلك، وإنَّما الكراهةُ في هَجْرِ الاسْمِ الشرعيِّ لها.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 


(١) «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٣٢٠، ٣٢١).

(٢) ويدخل فيها الضأنُ والمعز دون البقر والإبل، قال الأصمعيُّ في «الشاء» (٥٣): «باب أسماءِ أولادها:فإذا وَلَدَتْ فوَلَدُها سَخْلَةٌ، والجميع سِخَالٌ؛ فإِنْ كان ولَدُ الشاةِ مِن المعز ذَكَرًا فهو جَدْيٌ، وإِنْ كانَتْ أنثى فهي عَنَاقٌ؛ فإن كانَتْ ضائنةً وكان ولَدُها ذَكَرًا فهو حَمَلٌ، وإِنْ كانَتْ أنثى فهي رخلٌ». وانظر الفتوى رقم: (٥٨١) الموسومة ﺑ: «في حكم العقيقة بغير الشاة» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.

(٣)     كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا أُحِبُّ العُقُوقَ»: أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابٌ في العقيقة (٢٨٤٢)، والنسائيُّ في «العقيقة» (٤٢١٢)، وأحمد (٦٨٢٢)، مِن حديث عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه. والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١١/ ٦٥)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ٢١٣) رقم: (١٦٥٥) و«صحيح الجامع الصغير» (١٨٤٩) و«مشكاة المصابيح» (٢/ ١٢٠٨) رقم: (٤١٥٦).

(٤) أخرجه البخاريُّ في «العقيقة» بابُ إماطة الأذى عن الصبيِّ في العقيقة (٥٤٧١) مِن حديث سلمانَ بنِ عامرٍ الضبِّيِّ رضي الله عنه.

(٥) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابٌ في العقيقة (٢٨٣٨)، والترمذيُّ في «الأضاحي» بابٌ مِن العقيقة (١٥٢٢)، والنسائيُّ في «العقيقة» باب: متى يُعَقُّ؟ (٤٢٢٠)، وابنُ ماجه في «الذبائح» بابُ العقيقة (٣١٦٥)، مِن حديث سَمُرَة ابنِ جندبٍ رضي الله عنه. والحديث قال عنه ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٩/ ٥٩٣): «رجالُه ثِقاتٌ»، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٣٣٣)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٤١٨٤).

(٦) أخرجه الترمذيُّ في «الأضاحي» بابُ ما جاء في العقيقة (١٥١٣)، وابنُ ماجه في «الذبائح» بابُ العقيقة (٣١٦٣)، وأحمد في «المسند» (٢٥٢٥٠)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٣٣٣)، والألبانيُّ في «الإرواء» (١١٦٦) و«السلسلة الصحيحة» (٦/ ٤٨٩) رقم: (٢٧٢٠).

(٧) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابٌ في العقيقة (٢٨٤٢)، والنسائيُّ في «العقيقة» (٤٢١٢)، مِن حديث عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه. والحديث قوَّاه ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٩/ ٥٨٨)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع الصغير» (٧٦٣٠) وفي «المشكاة» (٢/ ٤١٥٦)، وحسَّنه في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ٢١٣).