في حكم إعادة بيع وصل الإسمنت | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٨٦٥

الصنـف: فتاوى المعاملات المالية - البيوع

في حكم إعادة بيع وصل الإسمنت

السـؤال:

ما حكمُ إعادةِ بيعِ وشراءِ وصلِ الإسمنت. ومثله وصلُ شراءِ أجهزةٍ كهرومَنْزِليةٍ مِن محلاَّتٍ معيَّنةٍ مُتعاقِدةٍ مع الشركة تعطيه هذه الشركةُ هديةً، في كُلِّ هذه الحالات يُباعُ الوصل بزيادةٍ أو نقصانٍ عن القيمة الحقيقية.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فوصلُ الإسمنت لا تجري فيه أحكامُ التعامل الصرفيِّ؛ لأنَّه لا يُعَدُّ صَكًّا بالنقود، وإنما هو وثيقةٌ معبِّرةٌ عن مقدارٍ مُعيَّنٍ مِن الإسمنت تكون سَنَدًا لحامِلِها.

- فإن كان حاملُ الوصلِ أخَذَه بعقدِ بيعٍ دَفَعَ ثمنَه عِوضًا، فإنَّ للمشتري الحقَّ المادِّيَّ في مِلكية الكمِّيَّة المتضمَّنة في الوثيقة الإثباتية التي يتمُّ بها وفاءُ المنتوج الإسمنتيِّ مِن قبل المَصانِعِ أو الشركة المُنْتِجةِ له، غيرَ أنَّ صاحِبَ الحقِّ الماديِّ لا يجوز له شرعًا أَنْ يبيعَ وَصْلَه أو وثيقتَه للمشتري إلاَّ بعد حيازة سِلعته إلى رَحْلِه وهو المكانُ الخاصُّ به، وقد جاء في الحديث: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ»(١)، والحديث عامٌّ في كلِّ السِّلع، ويدلُّ عليه قولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حديث حكيمٍ بنْ حِزام: «إِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلاَ تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ»(٢)، وفي الصحيحين عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «مَنِ ابْتَاعَ طَعامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ»، قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ»(٣).

- أمَّا إذا كان حامِلُ الوصلِ قد تلقَّاهُ معونةً مِن شركته أو هِبَةً أو هديَّةً مِن مصنعه مِن غيرِ أَنْ يشتريَها بعِوَضٍ ماليٍّ، فإنَّه ـ على أَرْجَحِ قولَيِ العلماء ـ جوازُ بيع الوصل بهذه الصفة قبل قبض المنتوج، وهو مذهب المالكية والشافعية؛ لأنَّ النهي في الأحاديث السابقة لا يشمل سوى ما كان مأخوذًا بعقدِ عِوَضٍ ماليٍّ، أمَّا هذه الحالةُ فمُخْتَلِفةٌ عنها، تحكمها عمومُ أدلَّة الإباحة، إذ «الأَصْلُ فِي التِّجَارَةِ وَسَائِرِ المَكَاسِبِ وَالمُعَامَلاَتِ الحِلُّ وَالجَوَازُ»، بخلافِ مَن اشتراها منه فلا يجوز له أَنْ يبيعَها إلاَّ بعد قبضِها؛ لأنَّ النهيَ مُتوجِّهٌ له بصفته مُشتريًا لها ـ كما تقدَّم ذِكرُه ـ.

- أمَّا إذا اشترى وَصْلاً بقيمةٍ ماليةٍ ترقُّبًا لتحصيلِ مالٍ أَكْثَرَ منه مع احتمالِ تضييع مالِه المبذول في هذه المُعامَلةِ كما هو الشأنُ في وصلِ الرِّهانِ الرياضيِّ وغير الرياضيِّ، أو شراء وصلٍ رجاءَ الحصول على سيَّارةٍ ونحو ذلك فإنَّ هذه المُعامَلةَ محرَّمةٌ لكونها معدودةً مِن المَيْسِرِ، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[المائدة: ٩٠].

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٢ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ مارس ٢٠٠٨م


(١) أخرجه أبو داود في «الإجارة» بابٌ في بيع الطعام قبل أَنْ يستوفِيَ (٣٤٩٩)، مِن حديث زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه ابنُ القطَّان في «الوهم والإيهام» (٥/ ٤٠١)، والألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٣٤٩٩).

(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» (١٥٣١٦)، والحديث صحَّحه شعيب الأرناؤوط في «تحقيقه لمسند أحمد» (٣/ ٤٠٢).

(٣) أخرجه البخاريُّ في «البيوع» بابُ بيعِ الطعام قبل أن يُقْبَض وبيعِ ما ليس عندك (٢١٣٥)، ومسلمٌ في «البيوع» (١٥٢٥)، مِن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.