في حكم بيع التورُّق | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٩٠٧

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - البيوع

في حكم بيع التورُّق

السـؤال:

يَرِدُ كثيرًا في كتب العلماء جملة «بيع التورُّق»، فما هي صورته؟ وما هو حكمه؟ وجزاكم الله خيرا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فصورةُ مسألة بيع التورُّق هي عند قيام الحاجة إلى مالٍ وتعذُّر الاقتراض يقوم المحتاج بشراء سلعةٍ تساوي ألفَ دينارٍ حالاً بألفٍ وعشرين دينارًا نسيئةً لغير قصد الانتفاع بها، وإنَّما ليبيعَها المشتري مِن آخرَ بما يساويها حالاً، (أي: بألف دينارٍ)، فينتفعَ بثمنها؛ لأنَّ غرضه الوَرِق أي: الدراهم لا السلعة.

وقد اختلف العلماء في حكم بيع التورُّق بين مجيزٍ ومانعٍ، والجواز هي الرواية الأولى عن الإمام أحمد، مستدلِّين بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ بِلاَلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مِنْ أَيْنَ هَذَا»؟ قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم عِنْدَ ذَلِكَ: «أَوِّهٍ أَوِّهٍ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ»(١)، خلافًا للرواية الأخرى القائلة بأنَّ بيع التورُّق مكروهٌ، وهذا الحكم مرويٌّّ عن ابن عبَّاسٍ وعمر بن عبد العزيز، وهو قول مالكٍ(٢)، ونَصَرَهُ ابنُ تيمية(٣)، والمراد بالمكروه في بيع التورُّق إنما هو الكراهة التحريمية، لِما نقله ابن تيمية عن عمر بن عبد العزيز مِن أنَّ التورُّق آخِيَّةُ الرِّبا، أي: أصل الربا. ويمكن ترجيحُ القولِ بالمنع إذا ما تقيَّد البيعُ بمقصود المتعاقد للوصول إلى الرِّبا عن طريق هذه المعاملة سدًّا لذريعة المحرَّم، وهي صورةٌ تتحقَّق غالبًا عند الحاجة إلى الدراهم مع تعذُّر الاقتراض، فإن خلت من التحايل على الربا فالظاهرُ أنَّ الرواية الأولى أقوى؛ لأنَّ عموم النصوص تدلُّ على الجواز؛ ولأنَّه لا فرق في مقصود المشتري بين أن ينتفع بالسلعة من استهلاكٍ أو استعمالٍ أو تجارةٍ وبين أن يشتريَها لينتفع بثمنها، وليس فيه محذورٌ شرعيٌّ قائمٌ، ولا تحيُّلٌ على الرِّبا بوجهٍ من الوجوه، لذلك وجب الرجوعُ إلى الأصل وهو الحلُّ والإباحة، الذي تقتضيه النصوص العامَّة والاعتبار.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٤ جمادى الأولى ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ مـاي ٢٠٠٨م


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب الوكالة، باب إذا باع الوكيل شيئًا فاسدًا فبيعه مردود: (٢١٨٨)، ومسلم في «صحيحه» كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلاً بمثلٍ: (٤٠٨٣)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(٢) «بداية المجتهد» لابن رشد: (٢/ ١٦٢).

(٣) «مجموع الفتاوى»: (٢٩/ ٤٤٢-٤٤٦)، «الاختيارات الفقهية»: (١٢٩).