في البلوغ كعلامة لظهور العقل | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

ذكرتم في ص [٦٣] من «الفتح المأمول» أنَّ شرط البلوغ غير مقصود بذاته، فهل معنى ذلك أنَّ الإنسان قد يُكلَّف قبل بلوغه إذا كان عاقلاً عن الله أمرَه؟... للمزيد

الفتوى رقم: ٩٣٢

الصنـف: فتاوى الأصول والقواعد - أصول الفقه

في البلوغ كعلامة لظهور العقل

السـؤال:

ذكرتم في ص [٦٣] من «الفتح المأمول» أنَّ شرط البلوغ غير مقصود بذاته، فهل معنى ذلك أنَّ الإنسان قد يُكلَّف قبل بلوغه إذا كان عاقلاً عن الله أمرَه؟

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فشُرِط في المحكوم عليه -وهو المكلَّف- «العقل» و«فهم الخطاب»؛ لأنّ التكليف خطاب، وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال(١)، وغير البالغ ضعيف العقل والبُنيةِ لم يَكمُل فهمُه فيما يتعلّق بالمقصود من الطاعة والامتثال، وقصده إلى ذلك إنما يتصوّر بعد الفهم، وهو قاصر عنه، ولا بدّ من ضابط يضبط الحدّ الذي تتكامل فيه بنيتُه وعقلُه، فإنه يتزايد تزايدًا خفيَّ التدريج، فلا يعلم بنفسه، فجعل الشارع البلوغ علامةً لظهور العقل(٢) بقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ (٣)-وفي رواية: حَتَّى يَحْتَلِمَ(٤)- وفي رواية: حَتَّى يَبْلُغَ(٥)- وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»(٦).

أمّا عن تساؤل المعترِض عن تكليف العاقل قبل البلوغ فالراجح الصحيح أنه غير مُكلَّفٍ لمكان الحديث السابق، وعليه الجمهور، وعن الإمام أحمد رواية ثانية: أنَّ المراهق مكلَّف بالصلاة، ورواية ثالثة: أنَّ ابن عشرٍ مكلَّف بها، ورواية رابعة: أنَّ الصبي المميز مكلف بالصوم(٧)، ولا يخفى أنّ الأدلة المعتبرة عند المجتهد هي التي تغيِّر بين أحكام المسائل.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٣ رجب ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٦ جويلية ٢٠٠٨م


(١) انظر: «المستصفى» للغزالي: (١/ ٨٣)، «روضة الناظر» لابن قدامة: (١/ ١٣٧)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي: (١/ ٣٩٨)، «مناهج العقول» للبدخشي: (١/ ١٧٠).

(٢) انظر المصادر الأصولية السابقة، و«فواتح الرحموت» للأنصاري: (١/ ١٥٤)، «إرشاد الفحول» للشوكاني: (١١).

(٣) أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا:(٤٣٩٨)، والنسائي في «سننه» كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج: (٣٤٣٢)، وابن ماجه في «سننه» كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم: (٢٠٤١)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه أحمد في «مسنده»: (١٣٦٤)، من حديث علي رضي الله عنه.

(٤) أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا :(٤٤٠٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥١٩١)، من حديث علي رضي الله عنه. وأخرجه الحاكم في «المستدرك»: (٢٣٥٠)،. وأحمد في «مسنده»: (٢٤١٧٣)، والدارمي في «سننه»: (٢٢١١)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (١١٦٤٤)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٥) أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا: (٤٤٠٢)، وأبو يعلى في «مسنده»: (٥٨٧)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: (٢٢٢١٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٦) قال ابن حجر في «فتح الباري»:(١٢/ ١٢٤): «له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضاً»، وصححه النووي في «الخلاصة»: (١/ ٢٥٠)، وأحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (٢/ ١٨٨)، والألباني في «الإرواء»: (٢٩٧).

(٧) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة: (١/ ١٣٩)، «القواعد والفوائد الأصولية» للبعلي: (١٦، ١٧)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي: (١/ ٤٩٩، ٥٠٠).