فصْلٌ [في انعقاد الإجماع على الحكم من جهة القياس] | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 14 شوال 1445 هـ الموافق لـ 23 أبريل 2024 م



فصْلٌ
[في انعقاد الإجماع على الحكم من جهة القياس]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص ٢٨٦]:

«يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ الإِجْمَاعُ عَلَى الحُكْمِ مِنْ جِهَةِ القِيَاسِ فِي قَوْلِ كَافةِ الفُقَهَاءِ، وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَريُّ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ وُجُودُهُ، وَلَوْ وُجِدَ لَكَانَ دَلِيلاً، وَقَالَ دَاوُدُ: لاَ يَصِحُّ ذَلِكَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ القِيَاسَ لَيْسَ بدَلِيلٍ».

[م] الظاهرية منعوا صِحَّةَ الإجماع على الحكم من جهة القياس بناءً على أصلهم في نفي القياس، وإنكار داود -رحمه الله- معلل على نحو ما قرَّره المصنِّف، أمَّا ابنُ جرير الطبري فيرى أنَّ القياس حُجَّة ولكن الإجماع إذا صدر منه لم يكن مقطوعًا بصِحَّته، ولم يمنعه مُطلقًا، وقالت الشيعة والقاشاني من المعتزلة(١) بالمنع، أمَّا ما عليه الجمهور فإثبات ذلك صِحَّة ووقوعًا، غير أنهم يختلفون في كون الإجماع حُجَّة تحرم مخالفته أم لا تحرم ؟ وفي المسألة قولان آخران(٢).

ومذهب الجمهور أقوى لوقوع الإجماع على الحكم من جهة القياس، و«الوُقُوعُ دَلِيلُ الجَوَازِ»، كإجماعهم على خلافة أبي بكر رضي الله عنه عملًا بقياس الإمامة الكبرى وهي الخلافة على الإمامة الصغرى وهي الصلاة، وكإجماعهم على كتابة المصحف قياسًا على حفظه في الصدور، وإجماعِهم على تحريم شحم الخنزير قياسًا على تحريم لحمه، وإجماعِهم على قتال مانعي الزكاة قياسًا على تارك الصلاة.

هذا، وسبب الخلاف في هذه المسألة راجع إلى صلاحية الدليل الظَّنِّي مستندًا للإجماع، فالجمهور على جوازه لكون النصوص المثبتة للإجماع وردت عامَّة وشاملة للإجماع المستند للدليل القطعي والظنّي، ولما كان القياس يفيد الظنّ فإنه يصلح مستندًا للإجماع.

أمَّا القول بأنه لو استند الإجماع على القياس مع العلم أنَّ القياس يجوز مخالفته اتفاقًا للزم جواز مخالفة الإجماع تبعًا لمستنده، والمعلوم عدم جواز مخالفة الإجماع قولًا واحدًا لأهل العلم، فلذلك لا يجوز انعقاد الإجماع على الحكم من جهة القياس من أجل المخالفة.

فجوابه أنَّ القياس إنما تجوز مخالفته قبل الإجماع عليه، أمَّا بعد الإجماع فلا يسوغ مخالفته بالإجماع عليه.

 



(١) ليس له ترجمة موسعة سوى أنه أبو عمر القاشاني من الطبقة الثانية عشرة أصحاب القاضي أبي الحسن عبد الجبار المعتزلي، المتوفى (٤١٥ﻫ). انظر: «فرق وطبقات المعتزلة» للقاضي عبد الجبار (١٢٦)، و«فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» للبلخي والقاضي عبد الجبار والجشمي (٣٩٠).

(٢) انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (٢٨٦).

الزوار