الفتوى رقم: ٦٢٩

الصنف: فتاوى الأصول والقواعد - أصول الفقه

في ضابط مجالات التعاون المشروع

السـؤال:

أعملُ مهندسًا معماريًّا، وَأَوَدُّ أن أسأل عن حكم دراسة تصميمٍ ومتابعة للمشاريع التالية: مديرية أو مصلحة للضرائب، بنك، صندوق التوفير والاحتياط، مسبح عام، صندوق يتعلَّق بالتأمينات، محكمة؟ وبالنسبة للمدارس أو الجامعات المسيَّرة بنظامٍ داخليٍّ ما حكم تصميم الفضاءات التالية المخصَّصة للبنات: مرقد، قاعة رياضة، مِرَشّ؟ أرجو دعم الجواب بالدليل وبارك الله فيكم.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فاعلم -وفَّقك اللهُ- أنَّ المذكوراتِ في السؤال إمَّا أن ترجع إلى: ظُلمِ العبدِ لنفسه في حقِّ ربِّه، ويأتي في طليعة ذلك الشركُ بالله، وبناءُ المحاكم غيرِ الشرعية التي لا يُقضى فيها بالتَّنْزيل من شرك الحاكمية، والتعاونُ عليها حرامٌ لحرمة الشرك بالله، قال تعالى: ﴿وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٦]، وقال تعالى: ﴿إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٤٠]، وقال تعالى: ﴿إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ﴾ [الأنعام: ٥٧]، ونصوص كثيرة تصبُّ في هذا المعنى، ويدخل في ذلك بناء القباب والأضرحة والمشاهد ونحوها، فهي من شرك الألوهية والعبادة.

وإمَّا أن ترجع إلى: ظلمِ غيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بالإضرار بهم وأَكْلِ أموالهم أو التعرُّضِ لأعراضهم بالإذاية والقدح، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»(١)، يتجلَّى هذا المعنى في المؤسَّسات العُدوانيةِ التي تأكل أموالَ الناسِ بالباطل ظُلْمًا وعُدوانًا، كالمؤسَّسات الضريبية وصناديقِ التوفير والاحتياط وسائرِ البنوك والمؤسَّسات المصرَفية وشركاتِ التأمين ونحوِها، وقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨].

وإمَّا أن يرجع إلى: ظلم العبد لنَفْسِهِ ولغيرِه بأن يلوِّثَها بشتَّى أنواع القبائح والآثامِ، أو يدنِّسَهَا بمختلف الخبائث والأضرار والمعاصي، سواءٌ كان ذلك بالاختلاط الآثم وكشف العورات، أو بإشاعة الفاحشة في أهل الإيمان ونحو ذلك، فقد ورد الوعيدُ فيه في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩]، وجريًا على القواعد العامَّة فإنَّ «التَّحْرِيمَ يَتْبَعُ الخُبْثَ وَالضَّرَرَ»، وإذا خلا من ذلك «فالأَصْلُ فِي الأَشْيَاءِ وَالمَنَافِعِ وَالأَعْيَانِ الحِلُّ وَالجَوَازُ»، لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩].

وعليه، فإنَّ هذا التقريرَ يَنْضَبِطُ بالقاعدة التالية: «إنَّ كُلَّ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِهِ يَجِبُ تَعَبُّدُ اللهِ بِاجْتِنَابِهِ قَطْعًا وَعَدَمُ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ»، لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢].

وكلُّ ما لا يُعلَمُ تحريمُهُ من التصرُّفات والمعاملاتِ وغيرِها فلا مُسَوِّغَ للقول بتحريمه إذا لم يَقُمِ الدليلُ على تحريمه، ولا حرج على المسلم في التعامل به أخذًا بأصل الإباحة الشرعية في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الحَلاَلُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»(٢).

أمَّا إذا اشْتَبَهَ عليه أمرُها، ولم يجد مَنْ يُزِيلُ شبهَتَهُ فالواجب الحيطَةُ في الدِّين بأن يَدَعَ ما فيه شُبهةٌ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ»(٣)، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَقَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ»(٤).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ من ذي الحجَّة ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٩ جانفي ٢٠٠٧م


(١) أخرجه مسلم في «البرِّ والصلة والآداب» (٢٥٦٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) أخرجه الترمذي في «اللباس» باب ما جاء في لُبس الفِرَاء (١٧٢٦)، وابن ماجه في «الأطعمة» باب أكل الجبن والسمن (٣٣٦٧)، من حديث سلمان رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٣١٩٥).‌

(٣) أخرجه الترمذي في «صفة القيامة والرقائق والورع» (٢٥١٨)، والنسائي في «الأشربة» باب: الحث على ترك الشبهات: (٥٧١١)، من حديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنه، وصحَّحه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (٣/ ١٦٩) والألباني في «الإرواء» (١/ ٤٤) رقم: (١٢) وفي «صحيح الجامع» (٣٣٧٧)، والوادعي في «الصحيح المسند» (٣١٨).

(٤) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه (٥٢)، ومسلم في «المساقاة» (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)