الفتوى رقم: ٦٧٦

الصنف: فتاوى الأسرة ـ المرأة

في ارتباطِ منافعِ تعلُّم المرأة بالضوابط الشرعيَّة

السؤال:

ما هو السِّنُّ الذي يَحرُمُ على البنت الذهابُ فيه إلى المدارس المختلطة؟ وبارك الله فيكم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا تختلفُ نعمةُ القراءة والكتابة عن النِّعَم الحِسِّيَّة كنِعْمَةِ البصر والسمع والكلام، وقد امتَنَّ اللهُ تعالى بها على عباده حيث قال: ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤[العَلَق]؛ وهذه النعمةُ لا يَسْتَأْثِرُ بها الرِّجالُ عن النساء، بل لهنَّ الحقُّ في تعلُّم ما ينفعُهنَّ كما هو شأنُ الرجال، إذ لا تفريقَ بينهما في الأحكام وتحصيلِ النِّعَم إلَّا بدليلٍ؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»(١)؛ ويؤيِّدُ جوازَ تعلُّم النساءِ الكتابةَ والقراءةَ ما ثَبَتَ عن أبي بكر بنِ سليمان بنِ أبي حَثْمَةَ القرشيِّ ـ رحمه الله ـ: أنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَرَجَتْ بِهِ نَمْلةٌ، فَدُلَّ أَنَّ الشِّفَاءَ بِنْتَ عبدِ اللهِ تَرْقِي مِنَ النَّمْلَةِ، فَجَاءَهَا فَسَأَلَهَا أَنْ تَرْقِيَهُ، فَقَالَتْ: «وَاللهِ مَا رَقَيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ»، فَذَهَبَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَتِ الشِّفَاءُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم الشِّفَاءَ فَقَالَ: «اعْرِضِي عَلَيَّ» فَأعْرَضَتْهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «ارْقِيهِ، وَعَلِّمِيهَا حَفْصَةَ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الكِتَابَ»(٢)، وَفِي رِوَايَةٍ: «الكِتَابَةَ»(٣).

وهذه المشروعيَّةُ في تحصيلِ منافعِ التعلُّم غيرُ مُرتبِطةٍ بسِنٍّ معيَّنةٍ أو مدَّةٍ محدَّدةٍ، وإنما ترتبطُ بالضوابط الشرعيَّة:

ـ فلا تخرجُ المرأةُ مِنْ بيتها إلَّا باللِّباس الشرعيِّ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَ[الأحزاب: ٥٩]، ولا تخرج متطيِّبَةً لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا»(٤)، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ»(٥)، ويُلْحَق بالطِّيبِ ما في معناه كحُسن المَلْبَس، والحُلِّيِّ الذي يظهر أثرُه، والهيئةِ الفاخرة.

ـ وأَنْ تكون أماكنُ تعليمهنَّ في منأًى عن مواضع الرجال، وذلك بتخصيصِ مدارسَ ومعاهدَ خاصَّةٍ بهنَّ، فقَدْ ثَبَت في البخاريِّ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ»، فَقَالَ: «اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا»، فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ»(٦).

والمرأةُ ـ وإِنْ كانت مأمورةً بلزومِ البيت إلَّا ما اقتضَتْه الحاجةُ لقوله تعالى: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰ[الأحزاب: ٣٣] ـ فإنها مأمورةٌ ـ أيضًا ـ بتركِ أسباب الفتنة ودواعي الفساد لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»(٧)؛ لذلك فَمَنْ وَجَد سبيلًا إلى المدارس الخاصَّةِ بالبنات فله أَنْ يدفع ابنتَه إليها لتُحصِّلَ فيها منافعَ العلمِ والكتابةِ وبالضوابط الشرعيَّة، وأَنْ يعمل الأولياءُ على قيام العدل مع أولادهم في التربية على الأخلاق الإسلاميَّة والتعليمِ بما ينفعهم في دُنْياهم وأُخراهم، والعنايةِ بهم كالعناية بالنِّعَم الأخرى الحِسِّيَّة والمعنويَّة؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»(٨)؛ ومَنْ تعذَّر عليه هذا السبيلُ فعليه أَنْ يَقِيَ مَنْ تحت مسئوليَّته فتنةَ الاختلاط بالتحرُّز والإنكارِ ما وَسِعَه، مِنْ غيرِ حِرمانِ بناتِه مِنْ نعمة القراءة والكتابة وتعلُّمِ الدِّين، ولو في غير المقاعد الدراسيَّة المُنتظَمة.

هَدَى اللهُ الحُكَّامَ والمحكومين لإصلاح المدارس والمعاهدِ والكُلِّيَّات والجامعات، وإبعادِ أسبابِ الشَّرِّ وفتنةِ الاختلاطِ عنها وما ينجرُّ عنها بما يُوافِقُ أحكامَ الشريعةِ الغرَّاء الحريصة على خير العباد بدفع مظاهر الفساد، والآمرةِ بالتخلُّص مِنْ آثامها وآثارِها.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٩ من المحرَّم ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٧ فبراير ٢٠٠٧م

 



(١) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في الرَّجل يجد البِلَّةَ في منامه (٢٣٦)، والترمذيُّ في «الطهارة» بابٌ فيمَنْ يستيقظ فيرى بللًا ولا يذكر احتلامًا (١١٣)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٣٣٣) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٨٦٣).

(٢) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٦٨٨٨)، عن أبي بكر بنِ سليمان بنِ أبي حَثْمَةِ القُرَشيِّ عن جدَّتِه الشفاءِ بنتِ عبد الله رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١٧٨).

(٣) أخرجه أبو داود في «الطبِّ» بابُ ما جاء في الرُّقَى (٣٨٨٧)، وأحمد في «مسنده» (٢٧٠٩٥)، مِنْ حديثِ الشفاء بنتِ عبد الله رضي الله عنها، كلاهما مختصرًا دون قصَّةِ الأنصاريِّ، وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١٧٨).

(٤) أخرجه مسلمٌ في «الصلاة» (٤٤٣) مِنْ حديثِ زينبَ امرأةِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنهما.

(٥) أخرجه أحمد في «مسنده» (٩٦٤٥)، وأبو داود في «الصلاة» بابُ ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (٥٦٥)، وابنُ حبَّان في «صحيحه» (٢٢١٤)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٥/ ٤٦)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٤٥٧) وفي «التعليقات الحسان» (٢٢١١).

(٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة» بابُ تعليمِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أمَّتَه مِنَ الرجال والنساء ممَّا علَّمه اللهُ (٧٣١٠)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (٢٦٣٣)، مِنْ حديثِ أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه.

(٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النكاح» بابُ ما يُتَّقى مِنْ شؤم المرأة (٥٠٩٦)، ومسلمٌ في «الرِّقاق» (٢٧٤٠)، مِنْ حديثِ أسامة بنِ زيدٍ رضي الله عنهما؛ وأخرجه مسلمٌ ـ أيضًا ـ (٢٧٤١) مِنْ حديثِ سعيد بنِ زيدٍ رضي الله عنه وأسامة بنِ زيدٍ رضي الله عنهما.

(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الهِبَة» باب الإشهاد في الهِبَة (٢٥٨٧)، ومسلمٌ في «الهِبَات» (١٦٢٣)، مِنْ حديثِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)