الفتوى رقم: ٦٥٣

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - البيوع

في جواز بيع السلع القابلة للتأخير

السـؤال:

هل يجوز شراء السلع عن طريق الإنترنت، حيث يُدفع ثمنُ البضاعةِ عن طريقِ بطاقةٍ إلكترونيةٍ ويتمُّ استلام البضاعة بعد مُدَّةٍ؟ وهل يُشترط في هذه المُعامَلةِ التقابضُ في المجلس الواحد؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فالبيوعُ ـ في العموم ـ تقع صحيحةً سواءٌ باللفظ أو بالكتابة أو المُراسَلة؛ لأنَّ هذه الوسائلَ تُعَدُّ مِن جملةِ المُشْعِرَات بالرِّضا الواجبِ تَوافُرُه في العقود والبيوع، لقوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنكُمْ[النساء: ٢٩]، وبِطِيبِ نَفْسٍ في عقد التبرُّع، في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا[النساء: ٤].

وإنما يُشْترَطُ التماثلُ والمُساواةُ مع حصول التقابضِ في مجلسِ العقدِ في الأصناف السِّتَّةِ المذكورةِ في حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه وما شاركَهَا في العِلَّةِ، في قولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»(١).

والعلَّةُ في تحريم الرِّبا في النقدين: الثمنيةُ، فَيُلْحَقُ بالذَّهَب والفضَّةِ كُلُّ ما جُعِلَ أثمانًا كالأوراق النقدية، والعلَّةُ في بقيَّة الأصناف الأخرى (البُرُّ، والشعير، والتمر، والملح) هي الكيل والوزن مع الطَّعْمِ، فيُلْحَقُ بها كُلُّ ما جُعِل مَكيلاً أو مَوزونًا مطعومًا.

وعليه تَتَبَيَّنُ صورةُ رِبَا الفضل ورِبَا النسيئة فيما يأتي:

ـ إذا بِيعَ نَقْدٌ بِجِنسه كذهبٍ بذهبٍ، أو فضَّةٍ بفضَّةٍ أو وَرَقٍ نقديٍّ بمثله (كدولارٍ بدولارٍ مثلِهِ، أو دينارٍ جزائريٍّ بمثلِهِ، أو بِيعَتْ عينٌ بجنسها مِن بُرٍّ بمثله، وشعيرٍ بشعيرٍ، وجَبَتِ المساواةُ في المقدار مع اتِّحاد المجلس ـ أي: التقابض في مجلسٍ واحدٍ ـ، فإن حَصَل التفاضُلُ ولم تتحقَّقِ المساواةُ فهو رِبَا الفضل، وإِنْ لم يتمَّ التقابضُ في مجلسٍ واحدٍ فهو رِبَا النسيئةِ في البيوع.

ـ إذا بِيعَ نقدٌ بنقدٍ بغيرِ جِنْسِه مع اشتراكهما في العِلَّة كذهبٍ بفضَّةٍ، أو دولارٍ بدينارٍ جزائريٍّ مثلاً، أو يَنٍّ يابانيٍّ بدولارٍ، أو بِيعَ بُرٌّ بشعيرٍ، أو شعيرٌ بِبُرٍّ؛ فإنه يجوز التفاضلُ بينهما في المقدار، ولكِنْ يُشْتَرَطُ الحلولُ والتقابضُ في المجلس ولا يجوز فيهما التأجيلُ.

ـ إذا بِيعَ جنسٌ بغيرِ جنسه مع اختلافهما في علَّةِ التحريم كبيعِ ذهبٍ ببرٍّ، أو دولارٍ بشعيرٍ، أو دينارٍ جزائريٍّ بأرزٍ، فإنه يجوز التفاضلُ والتأجيلُ، ولا تُشْتَرَطُ المساواةُ والحلولُ عند اختلاف الجنس والتقدير عند جمهور العلماء لِمَا عُلِمَ مِن حديث عائشةَ رضي الله عنها قالت: «اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا»(٢)، وقد تُوُفِّيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ وبَقِيَتْ دِرعُهُ مرهونةً عند اليهوديِّ(٣)، فإنَّ هذا يخصِّص عمومَ ما أفاده حديثُ عُبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».

هذا، وإذا دَفَعَ المشتري الثمنَ مُقدَّمًا مع تأجيل تسليم البضاعة، وكان البَدَلاَنِ ممَّا يصحُّ فيهما التأخيرُ والنَّسَاء، فإنه يصحُّ هذا البيعُ ويدخل في بيع السَّلَم أو السَّلَف، فهو عقدٌ مَوْصوفٌ في الذِمَّة بِبَدَلٍ يُعْطَى عاجلاً، أي: بيعٌ عُجِّلَ ثَمَنُهُ وأُجِّل مُثْمَنُهُ.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٩ من ذي القعدة ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ ديسمبر ٢٠٠٦م


(١) أخرجه مسلمٌ في «المساقاة» (١٥٨٧) مِن حديث عُبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه.

(٢) أخرجه البخاريُّ في «البيوع» بابُ شراء الطعام إلى أجَلٍ (٢٢٠٠)، ومسلمٌ في «المساقاة» (١٦٠٣)، والنسائيُّ في «البيوع» بابُ مبايَعة أهل الكتاب (٤٦٥٠)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها.

(٣) أخرجه البخاريُّ في «الجهاد» بابُ ما قِيلَ في درع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والقميصِ في الحرب (٢٩١٦) مِن حديث عائشة رضي الله عنها.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)