الفتوى رقم: ٧٤١

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - الهبات

في مسابقات رمضان
وحكمِ تخصيصها بالسابع والعشرين منه

السؤال:

ما حكمُ مسابقاتِ حفظِ القرآن والعلومِ الشرعية التي تُقامُ بالمساجد للطلبة؛ تشجيعًا لهم على مواصلة الطلب والحفظ؟ وما حكمُ تخصيصها بليلة السابع والعشرين مِنْ رمضان؟ وبارك الله فيكم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا مانِعَ مِنَ المسابقات ـ في حدِّ ذاتها ـ على حِفْظِ القرآن الكريم ومعرفةِ معانيه وحفظِ الحديث النبويِّ ودراستِه، والفقهِ الإسلاميِّ وأصولِه، وغيرِها مِنَ العلوم النافعة؛ تقصُّدًا لمعرفة الصواب فيها مِنَ الخطإ في القضايا المطروحة في المسابقات، بل يُرَغَّبُ فيها، حيث تبعث المسابقاتُ العلميةُ في النَّفْسِ الهمَّةَ في البحث والتقصِّي في مسائله؛ نتيجةَ التنافس على الخير الذي تبعث عليه هذه المسابقاتُ، ويجوز ـ أيضًا على أرجحِ قولَيِ العلماء ـ بذلُ العِوَضِ الماليِّ فيها، وهو مذهبُ الحنفيةِ وَوَجْهٌ عند الحنابلة، واختاره ابنُ تيمية وابنُ القيِّم(١)؛ لأنَّ المُستثنَيات في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ»(٢) إنما ذُكِرَ بَذْلُ العِوَضِ منها على سبيل التمثيل لِمَا فيها مِنْ معنى إعداد العُدَّة المادِّية في الجهاد، وهذا المعنى موجودٌ فيما هو أَوْلى منه وهو إعدادُ العُدَّة الإيمانية؛ ذلك لأنَّ الدِّين قِوامُه بالحُجَّة والجهاد؛ فإذا جازَتِ المراهنةُ والمسابقةُ على آلات الجهاد فهي في العلم أَوْلى بالجواز.

أمَّا عقدُ المسابقات القرآنية والعلمية في ليلة السابع والعشرين مِنْ رمضان وتوزيعُ الجوائز فيها على وجه الاحتفال، فلا يُشْرَعُ هذا التخصيصُ لمخالفته لهدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، عِلْمًا بأنَّ الاحتفالَ بليلة القدر مِنْ مُحْدَثات الأمور، وكُلُّ مُحْدَثةٍ بدعةٌ، وإنما المشروعُ إحياؤها بقراءة القرآن والصلاةِ والصدقة والدعاء، وغيرِ ذلك مِنْ أنواع العبادات المشروعة فيها؛ فالإكثارُ مِنَ العبادات فيها كسائر العَشر الأواخر؛ لأنه كان صلَّى الله عليه وسلَّم يُوقِظُ أهلَه ويَشُدُّ مِئْزَرَه ويُحيي ليلَه(٣)، وأكَّد ذلك بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(٤)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أيضًا ـ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(٥)، وقد عَلَّمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عائشةَ رضي الله عنها أَنْ تدعوَ ـ إِنْ وافقَتْ ليلةَ القَدْر ـ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»(٦)، وخيرُ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٩ صفر ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٨ مارس ٢٠٠٧م

 


(١) انظر: «حاشية ابنِ عابدين» (٦/ ٤٠٣)، «الاختيارات الفقهية» لابن تيمية (١٦٠)، «الفروسية» لابن القيِّم (٦٥).

(٢) أخرجه أبو داود في «الجهاد» بابٌ في السَّبَق (٢٥٧٤)، والترمذيُّ في «الجهاد» بابُ ما جاء في الرِّهان والسَّبَق (١٧٠٠)، والنسائيُّ في «الخيل» باب السَّبَق (٣٥٨٥)، وابنُ ماجه في «الجهاد» باب السَّبَق والرِّهان (٢٨٧٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه البَغَويُّ في «شرح السنَّة» (١٠/ ٣٩٣). وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٣/ ٢٣٢)، والألبانيُّ في «الإرواء» (١٥٠٦).

(٣) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «فضلِ ليلة القَدْر» باب العمل في العشر الأواخر مِنْ رمضان (٢٠٢٤)، ومسلمٌ في «الاعتكاف» (١١٧٤)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابٌ: تطوُّعُ قيامِ رمضانَ مِنَ الإيمان (٣٧)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٥٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ مَنْ صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا ونيَّةً (١٩٠١)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٦٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٦) أخرجه الترمذيُّ في «الدعوات» (٣٥١٣)، وابنُ ماجه في «الدعاء» باب الدعاء بالعفو والعافية (٣٨٥٠)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وصحَّحه النوويُّ في «الأذكار» (٢٤٧)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٤٤٢٣).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)