الفتوى رقم: ٨٨٤

الصنف: فتاوى الأسرة ـ المرأة

في حكم الزيادة على الثُّقب الواحد في أُذُن الأنثى

السؤال:

انتشر ـ في أوساطِ النساء ـ ثَقْبُ الأُذُنِ أَكْثَرَ مِنْ مرَّةٍ، قد تصل إلى خمسِ ثقوبٍ في الأُذُنِ الواحدةِ لأجلِ وَضْعِ الأقراط فيها للتزيُّن؛ فنَوَدُّ سؤالَكم عن حُكْمِ هذا العمل، وهل هو مِنَ التزيُّن المُباح للمرأة؟ وبارَكَ اللهُ فيكم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصلُ أنه لا يجوز للمرأة تغييرُ شيءٍ مِنْ خِلْقتها بزيادةٍ أو نَقْصٍ الْتماسَ الحُسْنِ، لا للزوج ولا لغيره، إلَّا ما اسْتَثْنَاه النصُّ أو ما يحصل به الضررُ والأذى الحسِّيُّ أو المعنويُّ.

وثَقْبُ أُذُنِ الأنثى للزِّينة جائزٌ، مُحقِّقٌ للمصلحة في التحلِّي بالمُباح للصغيرة والكبيرة على حَدٍّ سواءٍ، ولا يُعَدُّ ذلك مِنَ التغيير لخَلْقِ اللهِ المحرَّمِ لأنَّ الإسلام أَذِنَ لها بالتحلِّي؛ لقوله تعالى: ﴿أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ ١٨[الزخرف]، وثَقْبُ أُذُنها وسيلةٌ للتحلِّي، ويشهد لذلك قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لعائشةَ رضي الله عنها في حديثِ أُمِّ زَرْعٍ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ»، مع قولِ أُمِّ زرعٍ: «أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ»(١)، أي: مَلَأَهُما مِنَ الحُلِيِّ حتَّى صارَ يَنُوسُ فيها، أي: يتحرَّك ويَجُولُ(٢)، وفي الصحيحين لَمَّا حرَّض النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم على الصدقة «جَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا...»(٣) الحديث، والخُرْصُ: هو الحَلْقةُ الموضوعةُ في الأُذُن(٤).

ويكفي في جوازِ ثَقْبِ الأنثى أُذُنَيْها أنَّ اللهَ ورسوله عَلِمَ بفعلِ الناسِ وأَقَرَّهم عليه؛ فلو كان ممَّا نهى عنه لَبيَّنه الشرعُ؛ إذ «تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»(٥).

هذا، وأمَّا الزيادةُ على الثُّقب الواحد في كِلَا الأُذُنين فتحتاج إلى دليلٍ يُسْنِد حُكْمَها؛ لأنَّ المقرَّر أنَّ: ما أَذِن فيه الشرعُ ـ استثناءً ـ فيُقْصَرُ على أقصى ما يدلُّ عليه ولا يُتعدَّى مَحَلُّه، بل إنَّ الزيادة عليه تشويهٌ ومُثْلَةٌ مُخالِفةٌ للأصل المتقدِّم، فضلًا عن التشبُّه بأهل الفِسْق والفجور مِنَ اليهود والنصارى، وقَدْ ثَبَتَ في الحديث: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٦).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٣٠ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٦ أبريل ٢٠٠٨م

 



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النكاح» بابُ حُسْنِ المُعاشَرةِ مع الأهل (٥١٨٩)، ومسلمٌ في «فضائل الصحابة» (٢٤٤٨)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٢) انظر: «النهاية» لابن الأثير (٥/ ١٢٧)، «شرح مسلم» للنووي (١٥/ ٢١٧)، «هدي الساري» لابن حجر (٢٠٠).

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العيدين» بابُ الخُطْبةِ بعد العيد (٩٦٤)، ومسلمٌ في «صلاة العيدين» (٨٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٤) الخُرْص ـ بالضمِّ والكسر ـ: الحَلْقة الصغيرة مِنَ الحُلِيِّ، وهو مِنْ حُلِيِّ الأُذُن [«النهاية» لابن الأثير (٢/ ٢٢)].

(٥) انظر: «تحفة المودود» لابن القيِّم (٢١٥).

(٦) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في لُبْس الشهرة (٤٠٣١)، وأحمد في «مسنده» (٥١١٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث حسَّن إسنادَه ابن حجرٍ في «فتح الباري» (١٠/ ٢٧١)، وصحَّحه العراقيُّ في «تخريج الإحياء» (١/ ٣٥٩)، والألبانيُّ في «الإرواء» (١٢٦٩)، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٣٤٧).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)