الفتوى رقم: ٣٦٤

الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأطعمة

في حكم استعمال عصفورٍ ميِّتٍ في الصيد

السؤال:

ما حكمُ مَنْ يستعمل عصفورًا ميِّتًا لجلبِ العصافير قَصْدَ اصطيادها، أو مَنْ يصطاد عصفورًا فيقتلُه ضربًا بالنظر إلى عدم جدواه ليصل إلى تحقيقِ ربحٍ مِنْ خلالِ كثرة اصطياده، علمًا أنَّ هذا العملَ هو مصدرُ رزقٍ وقُوتٍ لهم، فنرجو مِنْ شيخنا الفاضل ـ حفظكم الله ورعاكم وأطال في عمركم ـ أَنْ تفصِّلوا في هذه المسألة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ مِنْ خُلُقِ المسلم أَنْ لا يكون مضيِّعًا للمال مُفْسِدًا له، عابثًا بصيده للحيوانات والطيور، مُزْهِقًا للأرواح مِنْ غيرِ قصدِ أكلِها أو الانتفاع بها؛ ذلك لأنَّ الإتلاف مِنْ غيرِ منفعةٍ عبثٌ وفسادٌ، وفي ذلك إضاعةٌ للمال، وقد ثَبَت النهيُ ـ في الحديث ـ عن إضاعة المال.

هذا، والصائد بالعصفور الميِّت الذي مات حَتْفَ أنفِه ليحصل به على الحيِّ مِنَ العصافير بقصد التملُّك والتجارة بها، فلا أرى أيَّ تحذيرٍ شرعيٍّ يمنع مِنْ ذلك ولا ضرَرَ حاصِلَ بممارسته، بل المنفعةُ به مُستجلَبةٌ، وحرمةُ الميِّت منها مُفتقَدةٌ، وحبسُ الحيِّ مِنَ العصافير واللعبُ بها ثَبَت ما يدلُّ على جوازه؛ ففي حديثِ أنسٍ قال:«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ ـ قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا ـ وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»»(١)، كما أنَّ الانتفاع بالميتة فيه ما يدلُّ على جوازه بما صحَّ مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما في جواز الانتفاع بشحوم الميتة مِنْ طليِ السفن ودَهْنِ الجلود والاستصباحِ بها(٢) كما صحَّ ـ أيضًا ـ في شاةِ مولاةِ ميمونةَ(٣) رضي الله عنها.

أمَّا الصائد بما يقتله مِنَ العصافير طعمةً ليُمْسِك الأحياءَ منها فإنَّ هذا يدخل في باب الإفساد والإتلاف والتعذيب بغيرِ حقٍّ ومِنْ غيرِ ضررٍ يتأذَّى به، وقَدْ نهى  النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن تعذيب الحيوان بأيِّ نوعٍ مِنْ أنواع التعذيب كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا»(٤)، وقد رأى ابنُ عمر طيرًا اتُّخِذَ هدفًا يرمونه فقال:«إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا»(٥)

بل خُلُقُ المسلمِ الرحمةُ بها والإشفاق عليها، وإطعامُها إذا جاعَتْ، وسقيُها إذا عَطِشَتْ، ومداواتُها إذا مَرِضَتْ، وتجنيبُها الأذى؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»(٦)، وفي الحديث: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»(٧).

وجديرٌ بالتنبيه أَنْ يحذر الصائدُ الغفلةَ التي تُدْرِكه حالَ تشاغُلِه بصيده عن طاعة الله، أو اللهوَ بما اصطاده عن ذِكْرِ الله؛ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ [المنافقون: ٩]، وفي الحديث: «وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ»(٨)، وقد عدَّ بعضُ أهلِ العلمِ الاشتغالَ واللعبَ بالحمام والعصافير مِنْ خوارم المروءة(٩).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٢ جمادى الثانية ١٤١٨
الموافق ﻟ: ١٤ أكتوبر ١٩٩٧م

 


(١) أخرجه البخاريُّ في «الأدب» باب الكنيةِ للصبيِّ وقبل أَنْ يُولَدَ للرجل (٦٢٠٣)، ومسلمٌ في «الآداب» (٢١٥٠)، مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه. والنُّغَيْرُ: هو تصغيرُ النُّغَر، وهو طائرٌ يُشْبِهُ العصفور، أحمرُ المنقار، ويُجْمَعُ على: نُغْران، وفي سؤال النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه إقرارٌ له، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٥/ ٨٦)]، وفي المسألة فوائدُ أخرى، [انظر: «شرح مسلم» للنووي (١٤/ ١٢٩)].

(٢) أخرجه البخاريُّ في «البيوع» بابُ بيعِ الميتة والأصنام (٢٢٣٦)، ومسلمٌ في «المساقاة» (١٥٨١)، مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه.

(٣) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» باب الصدقة على موالي أزواجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (١٤٩٢)، ومسلمٌ في «الحيض» (٣٦٣)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟» فَقَالُوا: «إِنَّهَا مَيْتَةٌ»، فَقَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا»».

(٤) أخرجه البخاريُّ في «السلام» بابُ تحريمِ قتلِ الهرَّة (٢٢٤٣)، ومسلمٌ في «التوبة» (٢٦١٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) أخرجه البخاريُّ في «الذبائح والصيد» بابُ ما يُكْرَهُ مِنَ المُثْلة والمصبورة والمجثَّمة (٥٥١٥)، ومسلمٌ في «الصيد والذبائح» (١٩٥٨)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٦) أخرجه البخاريُّ في «المظالم والغصب» باب الآبار على الطُّرُق إذا لم يُتَأَذَّ بها (٢٤٦٦)، ومسلمٌ في «السلام» (٢٢٤٤)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٧) أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ رحمةِ الولد وتقبيله ومعانقتِه (٥٩٩٧)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣١٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٨) أخرجه أبو داود في «الصيد» بابٌ في اتِّباع الصيد (٢٨٥٩)، والترمذيُّ في «الفتن» (٢٢٥٦)، والنسائيُّ في «الصيد والذبائح» بابُ اتِّباعِ الصيد (٤٣٠٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١٢٧٢).

(٩) انظر: «المروءة وخوارمها» لأبي عبيدة مشهور (١٣١ ـ ١٣٢).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)