الفتوى رقم: ١٧٢

الصنف: فتاوى الأسرة ـ انتهاء عقد الزواج ـ الطلاق

في حكم تعليق النساء

السؤال:

ما هو الحكم الشرعيُّ في بعض الأزواج الذين يذهبون عن أزواجهم وأبنائهم، ويتركونهم بدون نفقةٍ أو كفالةٍ، وقد يستمرُّ هذا الأمرُ عِدَّةَ سنواتٍ؟ وما هو الحكم الشرعيُّ في الأزواج الذين يعلِّقون زوجاتِهم (لا هي مطلَّقةٌ ولا هي متزوِّجةٌ)، ويستمِرُّ هذا الأمرُ أحيانًا إلى وفاةِ أحَدِ الزوجين؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقد اتَّفق العلماءُ على وجوبِ نفقاتِ الأزواج على أزواجهنَّ إذا كانوا بَالِغين إلَّا الناشزَ منهنَّ؛ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ[البقرة: ٢٣٣]، ولقوله تعالى: ﴿أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ[الطلاق: ٦]، وقولِه تعالى: ﴿لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا[الطلاق: ٧]، وفي ذلك أحاديثُ كثيرةٌ منها: قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في حَجَّة الوداع: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذَتْمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ؛ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ»(١)، وفي حديثِ عائشةَ رضي الله عنها في قصَّةِ هندٍ بنت عتبة رضي الله عنها: قال لها رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدِكِ بِالمَعْرُوفِ»(٢).

هذا، ومِنْ شروطِ استحقاقِ النفقة: صحَّةُ عَقْدِ الزواج، وتمكينُه مِنَ الاستمتاع بها، وعدَمُ امتناعها مِنَ الانتقال حيث يريد الزوجُ، وأَنْ تكون مِنْ أهلِ الاستمتاع؛ فالإخلالُ بشرطٍ مِنَ الشروط السابقةِ يجعل النفقةَ غيرَ واجبةٍ.

وبناءً عليه، فالزوج مُكلَّفٌ بأَنْ يُمْسِك زوجتَه بالمعروف أو يُطلِّقَها بإحسانٍ لقوله تعالى: ﴿فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖ[البقرة: ٢٢٩]، وتركُ النفقة عليها يُنافي الإمساكَ بالمعروف، والمرأةُ تتضرَّر بترك الإنفاق، واللهُ تعالى يقول: ﴿وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْ[البقرة: ٢٣١]، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يقول: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»(٣)؛ لذلك يجوز للمرأة أَنْ تطلب مِنَ القاضي أَنْ يرفع الضررَ ويُزيلَ الظلمَ لِعَدَمِ الإنفاق عليها بسببِ غياب الزوج عنها لغيرِ عُذْرٍ مقبولٍ وتضرُّرِها مِنْ غيابه؛ ولها أَنْ تطلب ـ أيضًا ـ مِنَ القاضي التفريقَ إذا غاب عنها زوجُها ولو كان له مالٌ تُنْفِق منه، وهو مذهبُ مالكٍ وأحمدَ رحمهما الله، وتطلب التفريقَ للضرر الواقعِ عليها لبُعْدِ زوجها عنها لا لغيابه؛ والعلماءُ وإِنِ اختلفوا في المدَّةِ التي يتحقَّق فيها الضررُ بالزوجة وتشعر فيها بالوحشة وتخشى الوقوعَ في المحظور ـ وإِنْ كان التقديرُ عند مالكٍ ـ رحمه الله ـ هو سَنَةً هلاليَّةً ـ إلَّا أنَّ أدنَى مدَّةٍ يجوز للمرأةِ أَنْ تطلب فيها التفريقَ بعدها: سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وهي أقصى مُدَّةٍ تستطيع المرأةُ فيها الصبرَ على غياب زوجها، وبهذا قال عمر بنُ الخطَّاب وحفصةُ رضي الله عنهما، وبه أَخَذَ أحمد ـ رحمه الله ـ.

هذا، وتعليقُ الأزواج للزوجات مِنْ غيرِ أداءٍ لحقوقهنَّ مُخالِفٌ للكتاب والسُّنَّة فيما أُمِرُوا به مِنْ حُسْنِ مُعاشَرة الأزواج؛ قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ[النساء: ١٩]، وقال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»(٤)؛ والمعاشَرةُ بالمعروف تستلزم إعطاءَ المرأةِ حَقَّها مِنَ النفقة والاستمتاعِ وغيرِهما مِنَ الحقوق؛ وإهمالُ ذلك يُفْضي إلى الظلم والضرر المنهيِّ عنهما؛ الأمرُ الذي يستوجب مِنَ القاضي رَفْعَ الضرر وإزالةَ الظلم بطلبٍ مِنَ المتضرِّر.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ مِن المحرَّم ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧ مارس ٢٠٠٥م

 



(١) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٨) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النفقات» باب: إذا لم يُنْفِقِ الرجلُ فللمرأة أَنْ تأخذ بغير عِلْمِه ما يكفيها وولدَها بالمعروف (٥٣٦٤)، ومسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٤)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٣) أخرجه ابنُ ماجه في «الأحكام» بابُ مَنْ بنى في حقِّه ما يضرُّ بجاره (٢٣٤٠) مِنْ حديثِ عُبادة بنِ الصامت رضي الله عنه؛ و(٢٣٤١) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٨٩٦) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٥٠).

(٤) أخرجه الترمذيُّ في «المناقب» بابٌ في فضلِ أزواج النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم (٣٨٩٥) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها، وابنُ ماجه في «النكاح» بابُ حُسْنِ مُعاشَرةِ النساء (١٩٧٧) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٣١٤) و«السلسلة الصحيحة» (٢٨٥).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)