الفتوى رقم: ١٠٩٠

الصنف: فتاوى الأسرة ـ عقد الزواج ـ آداب الزواج

في حكم التصديرة والحِنَّاء في الأعراس

السؤال:

كثيرٌ مِنَ النِّساء ـ في يوم زِفافِهنَّ ـ يَقُمْنَ بما يُسمَّى: «التصديرة»، ويُوجَدُ معها ـ عادةً ـ «الحِنَّاء»، وقد اجتمعَتْ في هذه العادةِ أمورٌ كثيرةٌ منها:

ـ اعتقادُ أنَّه إذا لم تُحَنَّ العروسُ (المرأة) فلن تُنجِبَ الذُّرِّيَّة.

ـ وبعد إنهاءِ «الحِنَّاء» يجب إخفاءُ الإناء الذي مُزِجَتْ فيه «الحِنَّاءُ» لكي لا يقع في أيادٍ خبيثةٍ حاسدةٍ تستخدمه في السِّحر وإلحاقِ الضرر بالعروس، وكذا «الحِنَّاء» التي في يد العروس يجب أَنْ لا تقع في يدِ أحَدٍ فيستعملَها في السحر ـ والعياذُ بالله ـ.

ـ وتُمزَج الحنَّاءُ ـ أحيانًا ـ بالبيض، اعتقادًا منهنَّ أنَّ البيضَ مِنْ علامات الإنجاب والولادةِ وجلبِ السعادة للزوجين.

فبعد سَرْدِ هذه المُعتقَدات حول هذه العادةِ فما حكمُها؟ مع العلم أنَّ النساء يُنكِرْن وجودَ هذه الاعتقادات، ويحتجِجْنَ بأنَّها عادةٌ وعلامةُ فرحٍ، وأنَّ نيَّتَهنَّ صافيةٌ، وإذا طُلِب منهنَّ عدمُ القيام بها ـ بناءً على أنَّها مجرَّدُ عادةٍ، وأنَّه لا يضرُّ إِنْ لم تُفعَلْ ـ أَبَيْنَ وأَصْرَرْنَ عليها. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالتصديرة ـ وإِنْ كان المرادُ منها مُباحًا وهو أَنْ تتصدَّر المرأةُ على مِنَصَّةٍ مُرْتفِعةٍ تعلو جَمْعَ النساء اللَّواتي يُحِطْنَ بها على وجهِ البروز إكرامًا لها ـ إلَّا أنَّ حُكْمَها يتغيَّر بوجودِ المحاذيرِ الشرعيَّة الواردةِ في السؤال، منها:

أَوَّلًا: «التصديرة» فيها إسرافٌ وتبذيرٌ في الفساتين التي تَلْبَسُها العروسُ يومَ عُرسها، والتي تدفع عليها ثمنًا باهضًا، ومُعْظَمُها لا يُستعمَل بعد ذلك، كما أنَّ فيها مَدْعاةً للافتخار والمباهاة، كما أنَّ العروس تُضْطَرُّ لكشفِ عورتِها أمامَ مَنْ تُعِينُها على ارتداءِ ملابسها وتغييرِها على التَّكرار؛ وإذا تَضمَّنَتْ هذه المحاذيرَ مع الإسراف والتبذيرِ فلا شكَّ أنَّه لا يجوز؛ لأنَّ الله تعالى نَهَانا عن التبذير حيث قال ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا ٢٧[الإسراء].

ثانيًا: أمَّا عن صفةِ «الحِنَّاء» الواردةِ في السؤال فالجوابُ أنَّ «النِّيَّةَ الحَسَنَةَ لَا تُبَرِّرُ الحَرَامَ بِحَالٍ»؛ فإذا كانت هذه العادةُ مصحوبةً بمثلِ تلك الاعتقاداتِ الفاسدة فإنَّ القيامَ بفعلها ضربٌ مِنَ الشِّرك الذي يزجر عنه الشرعُ؛ ففي الحديث عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ»(١)، وفي حديثٍ آخَرَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»(٢)، وفي حديثٍ آخَرَ مرفوعًا: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»(٣).

فكُلُّ عادةٍ مُحرَّمةِ الأصلِ فالتذرُّعُ بتحكيمها باطلٌ مُضادٌّ للشرع؛ إذ إنَّ «العُرْفَ أَوِ العَادَةَ إِذَا كَانَ يُحَرِّمُ حَلَالًا أَوْ يُحِلُّ حَرَامًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَبَاطِلٌ»، والاعتدادُ به غيرُ جائزٍ شرعًا، وآثِمٌ صاحِبُه.

وما دام اعتقادُه على هذا الوجهِ المنهيِّ عنه مُتفشِّيًا عند عامَّةِ النَّاس فإنَّ إنكارَ بعضِهم لقصدِ هذا الاعتقادِ لا يُصيِّرُ هذا الفعلَ حلالًا؛ لأنَّ الأصلَ معروفٌ بهذا الاعتقادِ المحرَّم، والتمسُّكَ بإرادة التزيُّن والتجمُّل لا ينفي بقاءَ المُعتقَدِ الفاسد في آحادِ النَّاس؛ فيكون العملُ به ـ على هذا النحوِ ـ إعانةً على الباطل والإثم؛ وقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ[المائدة: ٢].

لذلك يُمنَع الطريقُ المؤدِّي إلى الفساد مُطلَقًا؛ عملًا بمبدإ «سَدِّ الذرائع»، ولأنَّ دَفْعَ مفسدةِ الاعتقاد المحرَّم أَوْلى مِنْ جَلْبِ مصلحةِ التجمُّل والتزيُّن كما هو مُقرَّرٌ في قواعدِ مَصالِحِ الأنام.

أمَّا تزيُّنُ المرأة بالحِنَّاء لزوجها فمعلومٌ جوازُه.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٨ شعبان ١٤١٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧ ديسمبر ١٩٩٨م

 



(١) أخرجه أبو داود في «الطبِّ» بابٌ في تعليق التمائم (٣٨٨٣)، وابنُ ماجه في «الطبِّ» بابُ تعليقِ التمائم (٣٥٣٠)، وأحمد في «مسنده» (٣٦١٥)، مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٦٤٨) رقم: (٣٣١) وفي «صحيح الجامع» (١٦٣٢).

(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» (١٧٤٢٢)، والحاكم في «المستدرك» (٧٥١٣) ولفظه: «مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، مِنْ حديثِ عقبة بنِ عامرٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الصحيحة» (٤٩٢).

(٣) أخرجه الترمذيُّ في «الطبِّ» بابُ ما جاء في كراهِيَة التعليق (٢٠٧٢)، وأحمد (١٨٧٨١)، والحاكم (٧٥٠٣)، مِنْ حديثِ أبي مَعْبَدٍ عبدِ الله بنِ عُكَيْمٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه؛ والنسائيُّ في «تحريم الدم» باب الحكم في السَّحَرة (٤٠٧٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذيُّ: «وعبد الله بنُ عُكَيْمٍ لم يسمع مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وكان في زمن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يقول: كَتَب إلينا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم». وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب» (٣٤٥٦)، ومحقِّقو «مسند أحمد» طبعة الرسالة (٣١/ ٧٨).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)