الفتوى رقم: ١٢٧٥

الصنف: فتاوى العقيدة

الجواب عن الاعتراض على
«اختلاف السَّلف في المَسائل العقديَّة الفرعيَّة»

نصُّ الشبهة:

جاء في الفتوى رقم: (٣٤٤) بعنوان: «حكم تقسيم الدِّين إلى أصولٍ وفروعٍ، تبريرُه والآثارُ المترتِّبة عليه» ما يلي: «ويؤيِّدُ ما ذكَرْنَا أنَّه نُقِل في بعض المَسائل العِلميَّة العَقَديَّة اختلافُ السَّلفِ فيها: كرُؤيةِ النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم لربِّه، وعروجِه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إلى السَّماء، وسماعِ الميِّتِ نداءَ الحيِّ، وإنكارِ بعضِ السَّلفِ صِفةَ العَجَبِ الواردةَ في قراءةٍ ثابتةٍ مُتواتِرةٍ، ومع كُلِّ ذلك لم يُنقَلْ عن أحَدٍ منهم القولُ بتكفيرِ مَنْ أخطأوا في اجتهادِهم أو تأثيمِهم أو تفسيقِهم لِمَا تقدَّم ذِكرُه؛ ولم يَرِدْ نصٌّ يُفرِّق بين خطإٍ وآخَرَ في الحديث السَّابق [أي: حديثِ وضعِ إثمِ الخطإ والنَّسيان والإكراهِ عن الأمَّة]، أو في قوله تعالى: ﴿وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ[الأحزاب: ٥]، وقولِه تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا[البقرة: ٢٨٦]».

فأقول: نسبةُ الاختلافِ بين السَّلف في العقيدةِ افتراءٌ عليهم وعلى رأسهم الصَّحابة رضي الله عنهم؛ فقَدْ نَقَل الإجماعَ على عدمِ وقوعِ الخلافِ بينهم غيرُ واحدٍ مِنْ أهل العلم؛ قال ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ [في «منهاج السُّنَّة» (٦/ ٣٣٦)]: «والمقصود أنَّ الصحابةَ ـ رضوانُ الله عليهم ـ لم يقتتلوا قطُّ لاختلافهم في قاعدةٍ مِنْ قواعد الإسلام أصلًا، ولم يختلفوا في شيءٍ مِنْ قواعد الإسلام، لا في الصفات ولا في القَدَر، ولا مسائلِ الأسماءِ والأحكام، ولا مسائلِ الإمامة، لم يختلفوا في ذلك بالاختصام بالأقوال، فضلًا عن الاقتتال بالسيف»؛ وقال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ [في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (٢/ ٤٨)]: «وقد حكى عثمانُ بنُ سعيدٍ الدارميُّ في كتابِ «الردِّ» له إجماعَ الصحابةِ على أنه لم يَرَ ربَّه ليلةَ المِعراج، وبعضُهم استثنى ابنَ عبَّاسٍ مِنْ ذلك، وشيخُنا يقول: ليس ذلك بخلافٍ في الحقيقة، فإنَّ ابنَ عبَّاسٍ لم يقل: رآه بعينَيْ رأسِه»(١).

ويَلْزَمُ مِنَ القول باختلاف الصحابة رضي الله عنهم في العقيدة: الدعوةُ الواسعةُ إلى فتحِ باب الخلاف على مِصراعَيْه، واتِّخاذه حجَّةً في وجه الناصحين؛ فإذا كان الصحابةُ قدِ اختلفوا في بعضِ مسائل العقيدة فلا يُنكَرُ وقوعُ الخلاف بين غيرهم في هذا الباب، وهو عينُ تقريرِ منهج الموازنات.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا يُساوِرُني أدنَى شكٍّ في أنَّ الصَّحابةَ رضي الله عنهم مِنَ المهاجرين والأنصار وغيرِهم لم يختلفوا في أصولِ مسائل الاعتقادِ ولا قواعدِ الدِّينِ: عقيدةً وعبادةً كاختلافهم في المسائل الفرعيَّة فقهًا وعقيدةً، بل اتَّفَقَتْ أقوالُهُم جميعًا مِنْ غيرِ اختلافٍ في مسائلِ توحيد الله تعالى ومعرفةِ أسمائه وصِفَاته وقضائه وغيرِها مِنْ أصول الاعتقادِ وقواعدِ الإيمانِ والإسلامِ ونحوِها ممَّا لم يختلف فيه السلفُ، وقد نَقَل ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ اتِّفاقَ الصَّحابةِ رضي الله عنهم في مسائلِ الأسماءِ والصِّفاتِ والأفعالِ فقال ـ رحمه الله ـ: «وقد تَنازَع الصحابةُ في كثيرٍ مِنْ مسائل الأحكام وهُمْ ساداتُ المؤمنين وأكملُ الأمَّة إيمانًا، ولكِنْ ـ بحمد الله ـ لم يتنازعوا في مسألةٍ واحدةٍ مِنْ مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كُلُّهم على إثباتِ ما نَطَق به الكتابُ والسُّنَّةُ، كلمةً واحدةً، مِنْ أوَّلِهم إلى آخِرِهم، لم يسوموها تأويلًا، ولم يحرِّفوها عن مواضعها تبديلًا، ولم يُبدوا لشيءٍ منها إبطالًا، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحَدٌ منهم: يجب صرفُها عن حقائقها وحملُها على مَجازها، بل تَلَقَّوْها بالقَبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمرَ فيها كُلِّها أمرًا واحدًا، وأَجْرَوْها على سَنَنٍ واحدٍ؛ ولم يفعلوا كما فَعَل أهلُ الأهواء والبِدَعِ: حيث جعلوها عِضِينَ، وأَقَرُّوا ببعضِها وأَنكرُوا بعضَها مِنْ غيرِ فُرقانٍ مُبينٍ، مع أنَّ اللازمَ لهم فيما أَنكرُوه كاللازم فيما أَقرُّوا به وأَثبتوه؛ والمقصودُ: أنَّ أهل الإيمان لا يُخرِجُهم تَنازُعُهم في بعضِ مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان إذا رَدُّوا ما تَنازَعوا فيه إلى الله ورسولِه كما شَرَطه اللهُ عليهم بقوله: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ[النساء: ٥٩]؛ ولا ريبَ أنَّ الحكم المُعلَّقَ على شرطٍ ينتفي عند انتفائه»(٢)؛ هذا، ومِنْ خلالِ كلام ابنِ القيِّم ـ رحمه الله ـ يتبيَّن أنَّ السَّلفَ لم يتنازعوا في الأسماء والصفات وهي ـ بلا شكٍّ ـ مِنْ أصول الاعتقاد، وقد سكت عن فروعه؛ كما يظهرُ مِنْ عبارتِهِ ـ أيضًا ـ أنَّ عدمَ تأثُّرِ حقيقةِ الإيمانِ بالتنازعِ في الأحكامِ ليس مُطلَقًا؛ وإنَّما هو مشروطٌ بما تَضمَّنَتْه الآية؛ ولا يخفى ـ تأصيلًا ـ أنَّ الحكمَ إذا كان مُعلَّقًا على شرطٍ فإنَّه ينتفي عند انتفائه؛ علمًا أنَّ عدمَ اختلافِهم في أصول الاعتقاد وقواعدِ الإيمان والإسلام، ومسائلِ الأسماء والصفاتِ والأفعالِ وغيرِها هو عَينُ ما نَقَله عنهم ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ وذَكَره المُعترِضُ في سؤاله، ولم يَنتَبِه إلى دِقَّةِ عبارةِ ابنِ تيميَّةَ ـ رحمه الله ـ؛ وهي حجَّةٌ عليه لو تَأمَّلها، وخاصةً إذا انضمَّ إلى ما أَثبتَه ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ مِنَ الخلاف في بعض المسائل العقديَّة عن السَّلف ـ كما سيأتي في نقلٍ لاحقٍ له ـ؛ فعبارةُ ابنِ تيميَّة ـ رحمه الله ـ التي نَقَلها المعترضُ فيها قولُه: «ولم يختلفوا في شيءٍ مِنْ قواعد الإسلام» ولم يقل: «مسائل العقيدة»، ولا يخفى أنَّ القواعدَ أخصُّ مِنَ المسائل، وأنَّ الإسلامَ أعمُّ مِنَ العقيدة؛ وعليه، فإنَّ دعوى المعترض أعمُّ مِنْ دليله: فابنُ تيميَّةَ ـ رحمه الله ـ نفى الاختلافَ في قواعد الإسلام وسكت عمَّا نقله المعترضُ عمَّا سواها مِنْ مسائل العقيدة، وما نقله عن ابنِ القيِّم ـ رحمه الله ـ كان عن مسألةٍ معيَّنةٍ، والمعترضُ ادَّعى أنَّهما نَقَلا الإجماعَ على عدم الاختلاف بينهم في العقيدة مُطلَقًا دون تقييدٍ بالقواعد والأصول أو بالمسألةِ المنقولةِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ نفيِ حقيقةِ الخلاف فيها نفيُه عمَّا عَدَاها، وهو مُطالَبٌ بنقلٍ واحدٍ صحيحٍ ثابتٍ عن أحَدِ أهل العلم بعدمِ وقوع الخلاف بين السلف في أيِّ مسألةٍ مِنْ مسائل العقيدة سوى الأصولِ والقواعد، مِنْ غير مُطالَبَتِه بنقل الإجماع على عدمِ وقوع الخلاف.

وأمَّا النقدُ الموجَّه إليَّ على تَعدادِيَ المسائلَ التي اختلف فيها السَّلفُ في فتوايَ المذكورةِ وغيرَها مِنَ المسائل: كرؤية النَّبيِّ لربِّه حين عروجِه إلى السماء التي أَثبتَها ابنُ القيِّمِ وشيخُه ـ رحمهما الله ـ فيما نَقَله المعترضُ مِنْ كلامه، وسماعِ الميِّتِ نداءَ الأحياء، وإنكارِ بعضِ السلفِ صِفةَ العَجَبِ الواردةَ في قراءةٍ ثابتةٍ متواترةٍ، ويدخل في ذلك: تعذيبُ الميِّت ببكاءِ أهلِه ونحوها فإنَّما هي مسائلُ علميَّةٌ عَقَديَّةٌ فرعيَّةٌ بالنظر إلى اتِّفاقهم على قواعد الإيمان وأصولِ الاعتقاد، فلا يُعَدُّ الخلافُ فيها خلافًا مُؤثِّرًا على اتِّفاقهم مِنْ جهةٍ، ولا ثمرةَ تحصل مِنَ الخلاف في اعتقادِها مِنْ جهةٍ ثانيةٍ، ولا يترتَّب عليها إثمٌ ولا تكفيرٌ ولا تفسيقٌ بين المُتنازِعين مِنْ جهةٍ ثالثةٍ؛ وقد أفصحَ ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ عن ذلك بقوله: «إنَّ المسائل العمليَّة فيها ما يكفر جاحدُه مثل: وجوبِ الصلوات الخمس والزكاة وصومِ شهرِ رمضان، وتحريمِ الزِّنا والرِّبا والظلمِ والفواحش؛ وفي المسائل العلميَّة ما لا يأثم المُتنازِعون فيه كتَنازُعِ الصحابة: هل رأى محمَّدٌ ربَّه؟ وكتَنازُعِهم في بعض النصوص: هل قالَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أم لا؟ وما أراد بمعناه؟ وكتَنازُعِهم في بعض الكلمات: هل هي مِنَ القرآن أم لا؟ وكتَنازُعِهم في بعض معاني القرآن والسُّنَّة: هل أراد اللهُ ورسولُه كذا وكذا؟ وكتَنازُعِ الناس في دقيق الكلام: كمسألةِ الجوهر الفرد، وتَماثُلِ الأجسام، وبقاءِ الأعراض ونحوِ ذلك، فليس في هذا تكفيرٌ ولا تفسيقٌ»(٣)؛ ومع ذلك يظهر ـ جليًّا ـ لمَنْ بعدَهم في هذه المسائلِ العلميَّةِ الفرعيَّةِ القولُ الراجحُ الصوابُ مِنَ القول المرجوحِ الخطإ مع كونها مسائلَ عقديَّةً وبعضُها ثابتٌ بالنصِّ الصحيح المتواتر المنقول، وبعضُها الآخَرُ مقرَّرٌ بصرائح المعقول، ولم يُفسَّق أحَدٌ منهم بَلْهَ أَنْ يُكفَّرَ بذلك؛ قال ابنُ تيميَّة رحمه الله ـ أيضًا ـ: «إنَّ السَّلفَ أَخطأَ كثيرٌ منهم في كثيرٍ مِنْ هذه المسائل، واتَّفَقوا على عدم التكفير بذلك، مثل ما أَنكرَ بعضُ الصَّحابةِ أَنْ يكون الميِّتُ يسمع نداءَ الحيِّ، وأَنكرَ بعضُهم أَنْ يكون المِعراجُ يقظةً، وأَنكرَ بعضُهم رؤيةَ محمَّدٍ ربَّه، ولبعضِهم في الخلافة والتفضيلِ كلامٌ معروفٌ، وكذلك لبعضهم في قتالِ بعضٍ ولعنِ بعضٍ وإطلاقِ تكفيرِ بعضٍ أقوالٌ معروفةٌ؛ وكان القاضي شُرَيْحٌ يُنكِرُ قراءةَ مَنْ قَرَأ: ﴿بَلۡ عَجِبۡتُ[الصافَّات: ١٢]، ويقول: «إنَّ الله لا يَعْجَبُ»؛ فبَلَغ ذلك إبراهيمَ النَّخَعيَّ فقال: «إنما شُرَيْحٌ شاعرٌ يُعجِبُه عِلمُه؛ كان عبدُ الله أَفقهَ منه فكان يقول: ﴿بَلۡ عَجِبۡتُ﴾»؛ فهذا قد أَنكرَ قراءةً ثابتةً وأَنكرَ صِفَةً دلَّ عليها الكتابُ والسُّنَّة(٤)، واتَّفَقَتِ الأمَّةُ على أنه إمامٌ مِنَ الأئمَّة؛ وكذلك بعضُ السلفِ أَنكرَ بعضُهم حروفَ القرآن مِثلَ إنكارِ بعضِهم قولَه: ﴿أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ[الرعد: ٣١]، وقال: «إنَّما هي: أَوَلَمْ يَتَبَيَّنِ الذين آمنوا»، وإنكارِ الآخَرِ قراءةَ قولِه: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ[الإسراء: ٢٣]، وقال: «إنَّما هي: ووَصَّى ربُّك»، وبعضُهم كان حَذَف المعوِّذَتين، وآخَرُ يكتب: سورة القنوت، وهذا خطأٌ معلومٌ بالإجماع والنقلِ المتواتر، ومع هذا فلمَّا لم يكن قد تَواتَرَ النقلُ عندهم بذلك لم يكفروا، وإِنْ كان يكفر بذلك مَنْ قامت عليه الحجَّةُ بالنقل المتواتر»(٥)؛ ولذلك ذَهَب بعضُ أهلِ العلم إلى أنَّ التنازعَ الحاصلَ في مِثلِ هذه المسائلِ العَقَديَّة الفرعيَّة ليس ـ في الحقيقة ـ بخلافٍ يُعتَدُّ به، لعدمِ تأثيره على اتِّفاقهم فيما يجب لله تعالى مِنَ الأسماء والصفات ومِنَ الكمال الواجبِ له سبحانه، وليس فيه ثمرةٌ مِنْ جهة المُعتقَد ـ كما تقدَّم ـ ولوجودِ أدلَّةٍ يظهر فيها الراجحُ الصحيحُ مِنَ المرجوح الضعيف؛ ولكِنْ ـ مِنْ حيث الوقوعُ ـ فهي مسائلُ علميَّةٌ عَقَديَّةٌ فرعيَّةٌ وَقَع فيها اختلافُ السَّلف، وظَهَر فيها القولُ الصحيح الذي مَضَى عليه أهلُ السُّنَّةِ والجماعة.

أمَّا ما ادَّعاه المُعترِضُ مِنْ لوازمِ القول المسكوتِ عنها فغيرُ مسلَّمٍ: لأنَّ لوازِمَ القولِ المسكوتَ عنها ليست قولًا للمُعترَضِ عليه ما لم يَلتزِمْها بعد أَنْ تُذكَرَ له ويَذكُرَ عُذْرَه أو حُجَّتَه فيها، وعلى المُعترِض ـ في ذلك ـ مُطالَبتان: الأولى: إقامةُ البرهانِ على لزومِ ما ادَّعاه مِنْ لوازِمَ لقولِ خصمِه، والثَّانيةُ: إقامةُ البرهان على بطلانِها في نفسِها إِنْ لم تكن ظاهرةَ البُطلانِ، علمًا أنَّ نِسبَتَها إليه دون هذا الشرطِ فإنَّما هو تقويلٌ لهُ ما لم يَقُلْ وافتراءٌ عليه؛ لانتفاءِ الدَّليلِ عليها هذا مِنْ جهةٍ، ولأنَّ اللزومَ الموهومَ مِنَ المُتحقِّق الواقعِ فاسدُ الاستدلالِ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ لعدمِ انتقاضِ اتِّفاقهم في قواعد الإيمان وأصولِ الاعتقاد وما يجب لله تعالى مِنَ الأسماء والصفات ونحوِ ذلك ممَّا هو مِنَ الأصول المُتَّفَقِ عليها عند السَّلف، ولا تَعارُضَ مع وجودِ بعض المسائل العلميَّة الفرعيَّة التي وَقَع فيها اختلافُ السَّلف، ولا تُعَدُّ تلك المسائلُ مِنْ أصول الاعتقاد ـ كما تقدَّم بيانُه ـ؛ وإذا تَبيَّن صحَّةُ ما تَقرَّر ذِكرُه، وعدمُ لزومِ الباطلِ منه؛ فلا وجهَ للاعتراض عليه ببطلان اللازم؛ ولا مُتمسَّكَ للمُعترِضِ في تقريرِ بطلانِ ما عُزِّزَ بالنُّقولاتِ السلفيَّةِ عن ابنِ تيميَّة وابنِ القيِّم رحمهما الله، وبما وُجِّه به الاعتراضُ التوجيهَ السليمَ الذي تَتلاءَمُ به النُّقولُ وتَسْلَمُ مِنَ التَّضاربِ والاضطرابِ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ ربيع الآخر ١٤٤٣هـ
الموافـق ﻟ: ٢٥ نوفـمــــبـر ٢٠٢١م

 



(١) وانظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (٦/ ٥٠٧).

(٢) «أعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (١/ ٤٩).

(٣) «منهاج السُّنَّة النبويَّة» (٥/ ٨٨) و«مجموع الفتاوى» (١٩/ ٢٠٨) كلاهما لابن تيميَّة.

(٤) كما في الحديث: «يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ»: أخرجه أبو داود في «صلاة السفر» باب الأذان في السفر (١٢٠٣)، والنسائيُّ في «الأذان» باب الأذان لمَنْ يصلِّي وَحْدَه (٦٦٦)، مِنْ حديثِ عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه؛ وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٨١٠٢).

ولا يخفى ما في هذا الحديثِ وأمثالِه مِنْ إثباتِ صفةِ العَجَب، حتَّى لو لم تَثبُتِ القراءةُ السبعيَّةُ بضمِّ تاءِ ﴿بَلۡ عَجِبۡتُ﴾، ومع ذلك أَنكرَها شُرَيْحٌ ـ وهو مِنْ أئمَّةِ السلف ـ قراءةً وصِفَةً؛ إمَّا لعدمِ بلوغِ الحديث إليه أو لذهولِه عنه.

(٥) «مجموع الفتاوى» لابن تيميَّة (١٢/ ٤٩٢).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)