من حنفاء الجاهلية: قسُّ بن ساعدة الإيادي

كان جمعٌ من عقلاء العرب وحكمائها غيرَ موافقين لعمرو بن لُحَيٍّ فيما ابتدع من الدين ولا متَّبعين ما شرع من عبادة الأصنام، بل كانوا مخالِفين له، وتعبَّدوا بما ترتضيه العقولُ وتُظاهره الشرائع المقرَّرة وهُم أفرادٌ من القبائل المتفرِّقة، ومن هؤلاء قسُّ بن ساعِدة الإِياديُّ، أحكم حكماء العرب، وأوَّلُ من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأوَّل من كتب من فلانٍ إلى فلانٍ، وأوَّل من قال: أمَّا بعد، وأوَّل من خطب متوكِّئًا على عصا، وبه يُضرب المثل في الخطابة والبلاغة، ومن مشهور خُطَبه: «أيُّها الناس اسمعوا وعُوا، فإذا وعيتُم فانتفعوا، إنه مَن عاشَ مات، ومَن مات فات، وكلُّ ما هو آتٍ آتٍ. أمَّا بعد:

فإنَّ في السماء لخَبَرًا، وإنَّ في الأرض لعِبَرًا، مِهادٌ موضوعٌ، وسَقْفٌ مرفوعٌ، ونجومٌ تَمُور، وبِحارٌ لا تَغُور، وليلٌ داجٍ، وسماءٌ ذات أبراجٍ، أَقْسَمَ بالله قُسٌّ قَسَمًا حتْمًا، لا كاذبًا فيه ولا آثِمًا، لئِن كان في الأرض رِضًا ليَكونَنَّ بعده سخطٌ، وإنَّ لله ـ عزَّت قدرتُه ـ دينًا هو أحبُّ إليه مِنْ دينكم الذي أنتم عليه، وقد أتاكم أوانُه، ولحقتكم مدَّتُه، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أَرَضُوا بالمُقام فأقاموا، أَمْ تُرِكوا فناموا؟ ثمَّ أنشد:

فِي الذَّاهِبِينَ الأَوَّلِيـ * نَ مِنَ القُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ

لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا * لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ

وَرَأَيْتُ قَوْمِيَ نَحْوَهَا * يَسْعَى الأَصَاغِرُ وَالأَكَابِرْ

لَا يَرْجِعُ المَاضِي إِلَيْـ * ـيَ وَلَا مِنَ البَاقِينَ غَابِرْ

أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَا * لَةَ حَيْثُ صَارَ القَوْمُ صَائِرْ»

[«بلوغ الأرب» لمحمود شكري الألوسي (٢/ ٢٤٥)]

 

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)