الجمل بعد المعارف والنكرات | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



الجمل بعد المعارف والنكرات

قال ابن هشام: «الجملة الخبرية بعد النكرات المحضة صفاتٌ، وبعد المعارف المحضة أحوالٌ، وبعد غير المحض منهما محتمِل لهما».

هذه قاعدةٌ من قواعد النحو، لكنَّ القاعدة تُشاب أحيانًا بنوعٍ من التساهل فيقال: الجمل بعد النكرات صفاتٌ، وبعد المعارف أحوالٌ، وهذه الجملة ليست دقيقةً، إنما الدقيقة مثل ما قال ابن هشام: الجملة بعد النكرة المحضة صفةٌ، والجملة بعد المعرفة المحضة حالٌ، وبعد المفرد الذي ليس هو محضًا تحتمل الحالية والوصفية.

إنَّ من بين الجمل التي لها محلٌّ من الإعراب الجملةَ الواقعة صفةً، وشرطُ الجملة الواقعة صفةً أن يكون الموصوف نكرةً، وهذا شرطٌ أساسيٌّ، الجملة التي تكون صفةً لا بدَّ أن يكون الموصوف نكرةً ومحضةً أيضًا.

فمثلًا لو قلت: «مررتُ برجلٍ يكتبُ»، «رجل»: نكرة، ومعنى «نكرة» يعني ما فيها أيُّ شيءٍ يقرِّبها من المعرفة، هذا معنى «محضة»، يعني: بعيدةٌ جدًّا من التعريف، إذن نقول: إنَّ جملة «يكتب»: صفةٌ؛ لأنها وقعت بعد نكرةٍ محضةٍ.

إذا قلت: «مررتُ برجلٍ جالسٍ يكتبُ»؛ الآن كلمة «رجل» قربت قليلًا من المعرفة، لماذا؟ بوصفها ﺑ«جالس» [لأنَّ الوصف يقلِّل من شيوع النكرة فتقرب من المعرفة]، إذن هل نقول: إنَّ كلمة «رجل» هنا نكرةٌ محضةٌ أو فيها شائبةُ ورائحةُ تعريفٍ؟ فيها، هذا معنى قول ابن هشام: الجمل بعد النكرات المحضة صفاتٌ، ما معنى المحضة؟ المحضة: هي النكرة التي ليس فيها شيءٌ يقرِّبها من المعرفة، ما مثال الذي يقرِّبها من المعرفة؟ الصفة.

مثالٌ للنكرة المحضة: «مررتُ برجلٍ يكتب». من الأمثلة: قول الله تعالى: ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ[البقرة: ٢٥٤]، «من»: حرف جر، و«قبل»: اسم مجرور ﺑ«من»، والجارُّ والمجرور متعلِّقٌ بالفعل بأوَّل الآية. «أن»: حرفٌ مصدرٍ ونصبٍ، و«يأتيَ»: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ وعلامة نصبه الفتحة، «يومٌ»: فاعلٌ مرفوعٌ بالضمَّة، أي: يأتي يومٌ، «لا»: نافيةٌ عاملةٌ عمل «ليس»: ترفع الاسمَ وتنصب الخبر، «بيعٌ»: اسم لا، «فيه»، خبر «لا»، والجملة مِن «لا» واسمها وخبرها في محلِّ رفع صفة ﻟ«يومٌ».

ومنه قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[البقرة: ٢٨١]: «تُرجعون» في محلِّ جرِّ صفةٍ ﻟ«يوم»، وهو من قبيل النكرة المحضة.

ومنه قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ[آل عمران: ٢٥]، فجملة «لا ريب فيه» في محلِّ جرِّ صفةٍ ﻟ«يوم».

وقوله تعالى: ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ[الإسراء: ٩٣]: «حتى»: حرف غايةٍ ونصبٍ، و«تُنَزِّلَ»: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ وعلامة نصبه الفتحة، والفاعل ضميرٌ مستترٌ وجوبًا تقديره أنت، و«علينا»: جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ ﺑ«تنزِّلَ»، «كتابًا»: مفعولٌ به منصوبٌ، «نقرؤه»: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمَّةُ الظاهرة، والهاء: مفعولٌ، والفاعل ضمير مستترٌ وجوبًا تقديره نحن، والجملة في محلِّ نصبِ صفةٍ ﻟ«كتابًا».

قال: «وبعد المعارف أحوال» يعني: بعد المعارف المحضة، ما المراد بالمعرفة المحضة؟ اعكس الكلام الأوَّل، ما قلته لك النكرة المحضة التي ليس فيها رائحة تعريفٍ، المعرفة المحضة التي ليس فيها رائحة تنكيرٍ، مثل: العَلَم، لو قلت: «رأيتُ زيدًا يكتبُ»، جملة حالٍ من زيدٍ، وزيدٌ معرفةٌ محضةٌ.

قال: وبعد غير المحض منهما محتملٌ لهما، الضمير الأوَّل منهما يعود على المعرفة والنكرة وقوله: محتملٌ لهما، يعني للحالية والوصفية، مثاله: «مررتُ برجلٍ صالحٍ يصلِّي»، «يصلِّي» الجملة: هل هي صفةٌ أو حالٌ؟ محتمل؛ لأنك إن نظرت لكلمة «رجل» أصلها فهي نكرةٌ والجمل بعد النكرات صفاتٌ، وإن نظرت إلى الصفة التي بعدها، وأنها قربت من المعرفة فجملة «يصلِّي» حالٌ؛ ولهذا من يعربها صفةً إعرابه صحيحٌ، ومن يعربها حالًا إعرابه صحيحٌ، لأنَّ لكلٍّ منهما وجهةَ نظرٍ، هذا مثالٌ للنكرة غير المحضة.

المعرفة غير المحضة كما في قول الله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[الجمعة: ٥] كلمة «الحمار» «أل» في أصلها تفيد التعريف، إذن تصير جملة «يحمل» حالًا؛ لأنه دخلت عليه «أل» قَرُب من المعرفة، لكن إن نظرنا إلى أنَّ «الحمار» لا يُراد به حمارٌ معيَّنٌ؛ فهو إذن نكرةٌ فتصير جملة «يحمل» صفةً.

﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ[يس: ٣٧] جملة «نسلخ» إمَّا صفةٌ للَّيل أو حالٌ، لماذا؟ الليل إن نظرت إلى «أل» الداخلة عليه يمكن أن تقول: إنه معرفةٌ الآن؛ لأنَّ الأصل في «أل» أنها للتعريف، فتصير جملة «نسلخ» وقعت بعد معرفةٍ، والجمل بعد المعارف أحوالٌ، لكن هل هي معرفةٌ محضةٌ؟ غير محضةٍ لماذا؟ لأنه قد يقول قائل: «أل» هنا ما أفادت كلمة «الليل» تعريفًا، يسمُّونها «ال» الجنسية، و«ال» الجنسية لا تفيد التعريف، فيبقى «الليل» على تنكيره.

وعلى هذا نقول: الجملة إن وقعت بعد معرفةٍ غير محضةٍ أو بعد نكرةٍ غير محضةٍ فلك أن تعربها حالًا ولك أن تعربها صفةً؛ لأنك إن أعربتها حالًا فباعتبارٍ، وإن أعربتها صفةً فباعتبارٍ آخر، والله أعلم. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ.

[«شرح مختصر قواعد الإعراب» لعبد الله الفوزان (٣٧)]