الفتوى رقم: ٩٢٣

الصنـف: فتاوى الصلاة - أحكام الصلاة

في أحكام الفتح على الإمام

السؤال:

ما هي أحكام الفتح على الإمام؟ وهل يجوز للبعيد عن الإمام أَنْ يصحِّح له مع العلم أنه لا بُدَّ أَنْ يرفع صوتَه؟ وهل يجوز تصحيحُ الآية إذا غيَّر معناها ساهيًا كمَنْ قَرَأ قولَه تعالى: ﴿وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ ٥١[البقرة]، فقال: «مِنْ بعده لعلَّكم تشكرون»؟

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالفتح على الإمام هو تلقينُه الآيةَ عند التوقُّف فيها، وقد اتَّفق الجمهورُ مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة وابنِ حزمٍ على وجوب الفتح على الإمام في فاتحة الكتاب لكونها رُكنًا في الصلاة، فإذا الْتَبَسَتْ على الإمام وَجَب تلقينُه مِنْ بابِ «مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ».

أمَّا في غير فاتحة الكتاب فأباح المالكيةُ الفتحَ عليه، وهو روايةٌ عن أحمدَ، قال بها جمهورُ أصحابه، ومَنَع الفتحَ عليه ابنُ حزمٍ، واستحبَّه الشافعيةُ، وهو أظهرُ الأقوال وأقواها، لِمَا رواه عبد الله بنُ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً فَقَرَأَ فِيهَا فَلُبِسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأُبَيٍّ: «أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؟» قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَمَا مَنَعَكَ»»(١)، [أي: أَنْ تفتح عليَّ]، ويشهدُ له ـ أيضًا ـ حديثُ المُسوَّر بنِ يزيد رضي الله عنه أنه قال: «شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللهِ، تَرَكْتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا»»(٢)، فالحديثان يدلَّان على استحبابِ تلقين الإمام إذا الْتبَسَتْ عليه القراءةُ أو تَرَك ـ ناسيًا ـ آيةً أو آيتين؛ لأنَّ أَدْنَى درجاتِ العبادة الاستحبابُ، ولو لم يكن مُستحَبًّا لَمَا سأل عن أُبَيٍّ رضي الله عنه وعن سبب امتناعه عن الفتح، وعن تذكيره بما تَرَك كما في الحديث الثاني، وقد صحَّ ما رواه أبو عبد الرحمن السلميُّ عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: «إِذَا اسْتَطْعَمَكُمُ الإِمَامُ فَأَطْعِمُوهُ»(٣).

ويتأكَّد الاستحبابُ إذا كان خطأُ الإمام في القراءةِ مغيِّرًا للمعنى؛ لحديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُبَيُّ، إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِي: «عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ؟» فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي: «قُلْ: عَلَى حَرْفَيْنِ»، قُلْتُ: «عَلَى حَرْفَيْنِ»، فَقِيلَ لِي: «عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ؟» فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي: «قُلْ: عَلَى ثَلَاثَةٍ»، قُلْتُ: «عَلَى ثَلَاثَةٍ»، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ»، ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ مِنْهَا إِلَّا شَافٍ كَافٍ، إِنْ قُلْتَ: سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ»»(٤).

ثمَّ اعْلَمْ أنَّ أحقَّ الناس بالصفِّ الأوَّل ممَّا يلي الإمامَ خلفَه مباشرةً أُولُو الأحلام والنُّهى مِنْ أهل العقل والدِّين والعلم والرشاد؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، [وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ]، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ»(٥)، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «في هذا الحديثِ تقديمُ الأفضل فالأفضل إلى الإمام؛ لأنه أَوْلَى بالإكرام؛ ولأنه ربَّما احتاج الإمامُ إلى استخلافٍ فيكون هو أَوْلَى؛ ولأنه يتفطَّن لتنبيه الإمام على السهو لِمَا لا يتفطَّن له غيرُه، وليضبطوا صفةَ الصلاةِ ويحفظوها وينقلوها ويُعلِّموها الناسَ، وليقتديَ بأفعالهم مَنْ وراءَهم»(٦).

هذا، والأصل في الصلاة الخشوعُ وتحريمُ الكلام إلَّا للحاجة؛ والفتحُ إنما يُكتفى فيه بأَدْنى ما تندفع به الحاجةُ ولو بكلمةٍ واحدةٍ ليُتِمَّ بها الصلاة؛ فإنِ احتاج إلى المزيد منها زاد بحسبها، وإذا تحقَّقَتْ صحَّةُ الصلاة أو كمالُهَا بالفتح على الإمام بالواحد فلا يجوز ازدحامُ أصواتِ المُصلِّين واجتماعُهم عليه بالفتح والتصحيح والتذكير؛ والقريبُ مِنَ الإمام يُغني عن البعيد، فإِنْ لم يفتحِ القريبُ على الإمام في فاتحة الكتاب وجَبَ على البعيد ولو بمَدِّ صوته؛ أمَّا في غيرِ فاتحة الكتاب فلا يصلح للبعيد الفتحُ والتصحيح إذا كان الإمامُ يعسر عليه فهمُ ما صُحِّح له لِمَا فيه مِنَ الكُلفة والاضطراب؛ وللإمام في هذه الحالةِ أَنْ يركع بما قَرَأه في غير الفاتحة، لاستحبابِ إتمام قراءته وعدمِ وجوبها.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٩ جمادى الثانية ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٣ جوان ٢٠٠٨م



(١) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الفتح على الإمام في الصلاة (٩٠٧م) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٥٠٣)، والألبانيُّ في «صفة الصلاة» (١٢٨) وفي «صحيح أبي داود» (٩٠٧).

(٢) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الفتح على الإمام في الصلاة (٩٠٧) مِنْ حديثِ المُسوَّر بنِ يزيد الأسديِّ المالكيِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه النوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٥٠٤)، والألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٩٠٧).

(٣) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى»: (٥٧٩٢، ٥٧٩٤)، والدارقطنيُّ في «سننه» (١٤٩١)، عن عليٍّ رضي الله عنه موقوفًا. والأثر صحَّحه زكريَّا بن غلام قادر الباكستاني في «ما صحَّ مِنْ آثار الصحابة في الفقه» (١/ ٣٧٤).

(٤) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب: أُنزِلَ القرآنُ على سبعة أَحْرُفٍ (١٤٧٧) مِنْ حديثِ سليمان بنِ صُرَدٍ عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ٤٩٩) عند الحديث: (٨٤٣).

(٥) أخرجه مسلمٌ بنحوه في «الصلاة» (٤٣٢)، وأبو داود في «الصلاة» بابُ مَنْ يُستحَبُّ أَنْ يَلِيَ الإمامَ في الصفِّ وكراهِيَةِ التأخُّر (٦٧٥)، والترمذيُّ في «الصلاة» بابُ ما جاء: لِيَلِيَنِّي منكم أولو الأحلامِ والنُّهى (٢٢٨)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه.

(٦) «شرح مسلم» للنووي (٤/ ١٥٥).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)