الفتوى رقم: ٩٩٠

الصنف: فتاوى الزكاة

في حكم صرفِ الزكاة للبنت المتزوِّجة

السؤال:

أنا امرأةٌ متزوِّجةٌ ولي أولادٌ، ووالِدُهم محدودُ الدخل، لا يقدر على الإنفاق عليهم وتوفيرِ ما يحتاجونه مِنَ المَطْعَمِ والمَلْبَسِ ونحوِ ذلك؛ فهل يجوز لي أَنْ أَقْبَلَ الزكاةَ مِنْ والدِي الغنيِّ؟ لأنه قِيلَ لي: إنَّ والِدَكِ يجب عليه أَنْ يُنْفِقَ عليكِ، لا أَنْ يُعْطِيَكِ الزكاةَ؟ فأَرْشِدوني ـ حَفِظكم اللهُ ـ إلى الجواب الذي أهتدي به في هذه المسألة. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصل المتقرِّرُ ـ فقهًا ـ أنَّ كُلَّ قريبٍ، سواءٌ مِنْ جهةِ الأصول كالآباء أو الأمَّهات وإِنْ عَلَوْا، أو مِنْ جهةِ الفروع كالأولاد وإِنْ نزلوا، ممَّنْ يكون المزكِّي هو المسئولَ عنهم في الإنفاق، لا يجوز له أَنْ يدفعَ إليهم زكاتَه مِنْ أجلِ النفقة وإِنْ كانوا فُقَراءَ؛ لأنهم أغنياءُ بغِناهُ، ودفعُ الزكاةِ إليهم مَجْلَبةٌ للمزكِّي وتحصيلٌ للنفع بتوفير مالِه؛ لذلك لا تجتمع زكاةٌ ونفقةٌ.

ومعيارُ النفقةِ الواجبة تتلخَّصُ في: أنَّ كُلَّ مَنْ يَرِثُه المزكِّي ـ لو افْتُرِض موتُه ـ فإنه تَلْزَمُه نفقتُه إذا تولَّى أَمْرَه، أمَّا إذا استقلَّ بنفقتِه على نَفْسِه، أو تولَّى مسئوليةَ الإنفاق عليه إلَّا أنه عاجزٌ عن النفقة عليه، أو صَرَف الزكاةَ إليه مِنْ غيرِ باب النفقة: كسهمِ «الغارمين» أو «في سبيل الله» أو «ابنِ السبيل»؛ فإنَّ هذه الأحوالَ تُخوِّلُ له ـ شرعًا ـ صَرْفَها إليهم، ودَفْعُها إلى أَقْرِبائه أَوْلى ولو كان هو المسئولَ عنهم في الإنفاق؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»(١).

ولا يخفى أنَّ المسئول عن المرأة المتزوِّجةِ في الإنفاق ـ كما في السؤال ـ إنما هو زوجُها؛ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ [البقرة: ٢٣٣]، وقولِه تعالى: ﴿لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا [الطلاق: ٧]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ»(٢).

فإِنْ كان الزوجُ صاحِبُ الدخلِ المحدودِ لا يَسَعُه المالُ للإنفاق، ولا يكفيهِ راتِبُه للقيام بمَصارِيفِه ومَصاريفِ عيالِه؛ فإنَّ أبا الزوجةِ الغنيَّ إِنْ أعطى زكاتَه للزوج ـ تمكينًا له مِنَ القيام بما يَلْزَمُه مِنَ النفقة على عِياله ـ كان حَسَنًا.

أمَّا إِنْ صَرَفَها الأبُ إلى ابنته فإنها تصحُّ بالأحروية: صدقةً وصِلَةً ـ كما تَقدَّمَ في الحديث ـ لعدمِ وجوب النفقة عليه، وقد روى ابنُ خزيمةَ في «صحيحه» بإسنادِه حديثَ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِأَرْضٍ فَرَدَّهَا إِلَيْهِ المِيرَاثُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقَالَ لَهُ: «وَجَبَ أَجْرُكَ وَرَجَعَ إِلَيْكَ مِلْكُكَ»(٣).

هذا، ولِوالِدِ الزوجةِ إِنْ رأى عدَمَ كفايةِ الزكاة المصروفةِ إليها، وأراد أَنْ يُكْرِمَها بعطيَّةٍ زائدةٍ عن الزكاة لسَدِّ مَزيدِ حاجتِها؛ فيجوز له ذلك، ويدخلُ فِعْلُه في باب الهِبَة والعطيَّة، ولا يُشترَطُ عليه فيها العدلُ بين أولاده؛ لقيامِ سلطان الحاجة فيها دونهم، وهُمْ أغنياءُ بغِناهُ إِنْ كانوا تحت مسئوليته في الإنفاق(٤).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ مِنَ المحرَّم ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ جانفي ٢٠٠٩م

 


(١) أخرجه الترمذيُّ في «الزكاة» بابُ ما جاء في الصدقة على ذي القرابة (٦٥٨)، والنسائيُّ في «الزكاة» باب الصدقة على الأقارب (٢٥٨٢)، وابنُ ماجه في «الزكاة» بابُ فضلِ الصدقة (١٨٤٤)، مِنْ حديثِ سلمان بنِ عامرٍ الضبِّيِّ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ٣٨٧) رقم: (٨٨٣).

(٢) جزءٌ مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه الطويل في صِفَةِ حجَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٨).

(٣) أخرجه ابنُ خزيمة في «الزكاة» بابُ صدقةِ المرء على ولَدِه (٢٤٦٥) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما. وحسَّن إسنادَه الألبانيُّ في تحقيقِ «صحيح ابنِ خزيمة».

(٤) انظر: الفتوى رقم: (١١٥٨) الموسومة ﺑ: «في مُوجِبِ التخصيص والتفضيل بين الأولاد في العطيَّة» على الموقع الرسميِّ.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)