Skip to Content
الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق لـ 28 مارس 2024 م

هداية القاري
إلى حكم الشروط العائدة بالنفع على البائع أو الشاري

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

أوَّلًا: نصُّ الحديث:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ؛ فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، قَالَ: «بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ»، قُلْتُ: «لَا»، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ»، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَقَالَ: «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ»، مُتَّفَقٌ عليه(١).

وفي روايةٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لِبِلَالٍ: «أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ»(٢).

وتذكر الرواياتُ الصحيحة(٣) أنَّ جابرًا استأذن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التعجيل إلى المدينة، فسأله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن السبب، فقال جابرٌ: «إِنِّي تَزَوَّجْتُ»، فسأله: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟»، فقال: «بل ثَيِّبًا»، فقال: «أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا؟»، فقال: «تزوَّجْتُ ثيِّبًا لِتقومَ عليهنَّ [أي: أخوات جابرٍ رضي الله عنه] وتؤدِّبَهنَّ»، فلمَّا قَدِمَ المسجدَ أَمَرَه أَنْ يصلِّيَ ركعتين.

ثانيًا: غريب الحديث:

ـ «أَعْيَا»: أَعْيَا الرجلُ أو البعيرُ إذا تَعِبَ تعبًا شديدًا في سيرِه، ويُسْتَعْمَلُ لازمًا ومتعدِّيًا، يقال: أَعْيَا الرجلُ، وأَعْيَاه السيرُ(٤).

ـ «يسيِّبَه»: يتركَه ويخلِّيَه(٥) ضَجَرًا منه، وليس المرادُ أَنْ يجعله سائبةً لا يركبه أحَدٌ كما هو صنيعُ أهلِ الجاهلية.

ـ «الوُقِيَّة» ـ بضمِّ الواو ـ: اسْمٌ لأربعين درهمًا(٦) (١ درهم = ٢.٩٧٥ غ).

ـ «حُمْلانَه» ـ بضمِّ الحاء ـ أي: حَمْلَه البائعَ.

ـ «أتُراني» ـ بضمِّ التاء ـ أي: أتظنُّني.

ـ «ماكَسْتُك»: مِن المُماكَسة، وهي المُكالَمة في البيعِ والشراءِ لطَلَبِ الزيادةِ أو النقص في الثمن(٧).

ثالثًا: المعنى الإجمالي المستفاد من الحديث:

كان جابرُ بنُ عبد الله رضي الله عنهما مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدى غزواته، وبالتحديد عند القُفول مِن غزوة ذات الرِّقاع، وكان جابرٌ رضي الله عنه يركب جملًا هزيلًا؛ فقرَّر أَنْ يتركه طليقًا على وجهِه؛ لعدَمِ منفعته بعد أَنْ كَلَّ وتَعِبَ مِن المشي تعبًا شديدًا.

ومِن شدَّةِ رأفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأصحابه وبأمَّته، كان يسير خَلْفَ الجيشِ انتظارًا للعاجزين والمُنْقَطِعين ورِفْقًا بالضعفاء.

ولمَّا رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جابرًا رضي الله عنه على تلك الحالِ، وما يُعانِيهِ على بعيره الذي أَعْيَا عن السير ومُسايَرةِ الجيش؛ لَحِقَه وأعانَهُ بالدعاء، وضَرَبَ بعيرَه ضربًا رحيمًا؛ فانقلب ضربُه الكريمُ قوَّةً وعونًا للجمل؛ فمشى عند ذلك مشيًا مُجِدًّا لم يَسْبِقْ له قَطُّ.

وأحبَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يُجاذِب جابرًا رضي الله عنه أطرافَ الحديثِ المُعينِ على السير تطييبًا لخاطِرِه ورِفْقًا بحالِهِ؛ فقال: «بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ»، وفَهِمَ جابرٌ رضي الله عنه أنَّ طَلَبَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن إلزامًا ولا تركُه معصيةً، بل عَلِمَ منه التخييرَ والترغيب؛ فامتنع مِن بيعِه له، ومع ذلك كرَّر عليه الطلبَ؛ فرَضِيَ ـ عند ذلك ـ جابرٌ رضي الله عنه أَنْ يبيعه إيَّاه بأُوقيَّةٍ، غيرَ أنه اشترط عليه أَنْ يركبه إلى أهله في المدينة استثناءً مِن عَقْدِ البيع فقَبِلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شَرْطَه.

وكان جابرٌ رضي الله عنه قد أُصِيبَ بوالِدِه يوم أُحُدٍ فأراد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يُكْرِمه بعطيَّةٍ، وهذا ليس غريبًا على كَرَمِه وَجُودِه، وكمالِ لُطْفِه، وسَعَةِ رأفته، وسُمُوِّ أخلاقه صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الأسوةُ والمقتدى به.

رابعًا: الفوائد والأحكام المستنبَطة من الحديث:

في حديثِ جابرٍ رضي الله عنه المتقدِّمِ عِدَّةُ فوائدَ مُهِمَّةٍ ومتنوِّعةٍ، يمكن أَنْ نُجْمِلَها فيما يلي:

١ ـ يُستفادُ مِن قوله: «فلَحِقَني النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم» أنه يُسْتحَبُّ للقائد أَنْ يَسيرَ خَلْفَ جيشِه، والأميرِ في مؤخِّرة قافلته، رفقًا بالضعيف وانتظارًا للعاجز والمُنْقطِع، مع تَفقُّدِ شَأْنِهم، وسؤالِهم عمَّا نَزَلَ بهم، وإعانتِهم بما يتيسَّر مِن حالٍ أو مالٍ أو دعاءٍ.

فعن جابرٍ رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّفُ فِي المَسِيرِ فَيُزْجِي(٨) الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُمْ»(٩).

٢ ـ في الحديثِ: عَلَمٌ مِن أعلام النبوَّة، ومعجزةٌ مِن معجزاته صلَّى الله عليه وسلَّم، الدالَّةِ بحقٍّ على صِدْقِ رسالته ودعوته؛ فحين ضَرَبَ الجملَ العاجز المتخلِّف سارَ ـ على إثرِ الضرب ـ سيرًا لم يعهده منه جابرٌ رضي الله عنه قبل ذلك(١٠).

٣ ـ في الحديث: جوازُ المُساوَمةِ والمُماكَسة في البيعِ قبل استقرار العقد.

٤ ـ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ»: جوازُ ابتداء المشتري بذِكْرِ الثمن.

٥ ـ فيه ـ أيضًا ـ: جوازُ طَلَبِ الرجلِ مِن مالكِ سلعةٍ ما أَنْ يبيعه إيَّاها، ولو لم يَعْرِضها مالكُها للبيع.

٦ ـ وفي قولِ جابرٍ رضي الله عنه: «لا»: جوازُ مُجاوَبةِ الأكابرِ بهذا النفيِ مِن جهةٍ، وجوازُ الامتناع على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيما كان طَلَبَه على سبيل التخيير والترغيبِ مِن جهةٍ أخرى، ولا يُعَدُّ ذلك خروجًا عن طاعته؛ لأنه لم يصدر منه على وجهِ التحتيم والإلزام، ومِن هذا القبيلِ ما ثَبَتَ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ: «مُغِيثٌ»، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِعَبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟»، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَوْ رَاجَعْتِهِ»، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، تَأْمُرُنِي؟»، قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ»، قَالَتْ: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ»»(١١)؛ فدلَّ ذلك على أنَّ أَمْرَه يُفيدُ الوجوبَ المقتضيَ للإذعان والامتثال، ولأنَّ الصحابة كانوا أَسْرَعَ الناسِ إلى امتثالِ قوله تعالى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣[النور]، وقولِه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ[الأحزاب: ٣٦].

٧ ـ في قوله: «ثمَّ قال: «بِعْنِيهِ»»: جوازُ التَّكرار والإعادةِ على مالكِ السلعة قَصْدَ بيعها.

٨ ـ فيه ـ أيضًا ـ: جوازُ التجارةِ والتبايعِ بين الإمام ورعيَّته، وكذا الأمير أو الحاكم أو السلطان، وفيه توقيرُ التابعِ لرئيسه(١٢).

٩ ـ وفي قوله: «فبِعْتُه بوُقيَّةٍ واستَثْنَيْتُ عليه حُمْلانَه إلى أهلي»: جوازُ البيعِ واستثناءِ نفعٍ منه إذا كان النفعُ المستثنى معلومًا، وهي مسألةٌ خلافيةٌ نتعرَّض لها في مَواقفِ العلماء مِن الحديث.

١٠ ـ وفي قوله: «فنَقَدَني ثمنَه»: جوازُ تأخيرِ النقد نسيئةً في بيعِ ما عدا النقدين.

١١ ـ وفيه ـ أيضًا ـ: أنَّ القبض ليس شرطًا في صحَّةِ البيع.

١٢ ـ فيه دليلٌ آخَرُ على جوازِ الهِبَةِ مقبوضةً كانَتْ أو غيرَ مقبوضةٍ؛ لذلك بوَّب لها البخاريُّ في «الهِبَة»: «باب الهِبَةِ المقبوضةِ وغيرِ المقبوضة».

١٣ ـ وفي قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبلالٍ رضي الله عنه: «أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ»: استحبابُ قضاءِ الدَّيْن بالأحسن، وقد ثَبَتَ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «إِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً»(١٣)، وتَرْجَمَ له البخاريُّ: «بابُ حُسْنِ القضاء».

١٤ ـ فيه ـ أيضًا ـ: جوازُ الوكالة في قضاء الدَّيْنِ وأداءِ الحقوق، واستحبابُ الزيادةِ في أداء الدَّيْن وإرجاحِ الوزن برِضَا المالك، وفيه ـ أيضًا ـ: جوازُ التوكيل بإعطاءِ شيءٍ غيرِ معيَّنٍ إذا كان قَدْرُه محدَّدًا عُرْفًا، وفي «الوكالة» تَرْجَمَ البخاريُّ: «باب: إذا وكَّل رجلٌ رجلًا أَنْ يُعْطِيَ شيئًا ولم يُبَيِّنْ: كم يعطي؟ فأعطى على ما يتعارفه الناسُ»(١٤).

وفي الروايات الصحيحة تظهر الأحكامُ والفوائد التالية:

١٥ ـ فيه: جوازُ استئذانِ الجنديِّ قائدَه في الرحيل مِن جهةٍ، وترخيصِ القائد له بالانصراف إذا لم يكن إلى بقائه حاجةٌ.

١٦ ـ فيه: فضيلةُ تَزوُّجِ البِكْر على الثيِّب مِن ناحيةٍ، وإقرارُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اختيارَ جابرٍ رضي الله عنه الثيِّبَ دليلٌ على مَزِيَّةِ الثيِّب على البِكْر مِن حيث المُمارَسةُ والخبرةُ في حُسْنِ مُعامَلةِ الزوجِ والصبرِ على خدمةِ صِغارِه ورعايتِهم مِن ناحيةٍ أخرى.

١٧ ـ بِرُّ الرجلِ لأخواته الصغيرات، وبَذْلُ الوُسْعِ وتقديمُ الغالي والنفيسِ لرعايتهنَّ وحُسْنِ تربيتهنَّ.

١٨ ـ عون المرأةِ زوجَها في ولَدِه، وفضلُ مُسانَدتها في رعاية الأولاد.

١٩ ـ استحباب صلاةِ ركعتين في المسجد للقادم مِن السفر، وقد تَرْجَمَ له البخاريُّ في «المساجد»: «باب الصلاةِ إذا قَدِمَ مِن سفرٍ»(١٥).

خامسًا: مواقف العلماء من الحديث:

لا خلافَ بين العلماء في صحَّةِ الشروط التي هي مِن مقتضى البيعِ كالتقابض وحلول الثمن ونحوِ ذلك؛ فإنَّ هذه الشروطَ لا تُؤثِّر في عقدِ البيع لأنها بيانٌ وتأكيدٌ لمقتضاه، كما لا خلافَ في صحَّةِ الشروطِ المعدودةِ مِن مصلحة العقد كاشتراطِ صِفَةٍ في الثمن كتأجيله أو الرهن أو الشهادة، أو صِفَةٍ في المَبيعِ مقصودةٍ نحو كونِ الدابَّةِ لبونةً أو حاملًا، فإذا تَحَقَّقَ الشرطُ لَزِمَ البيعُ، وإِنِ انتفى الشرطُ كان مِن حقِّ المشتري فَسْخُ العقدِ لفواتِ الشرط عملًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»(١٦)، قال ابنُ قُدامة ـ رحمه الله ـ: «ولا نعلم في صحَّةِ هذين القسمين خلافًا»(١٧).

وإنما اختلف العلماءُ في جوازِ البيع واستثناءِ نفعٍ معلومٍ في المَبيع، سواءٌ كان الاشتراطُ آتيًا مِن البائع كسُكْنى الدارِ المَبيعةِ شهرًا، أو مِن المشتري كاشتراطِ إيصالِ المَبيعِ إلى مَحَلِّ إقامتِه ونحوِ ذلك، إذا كانَتْ تلك المنفعةُ ممَّا يجوز استبقاؤها في مِلْك الغير، وهل يجوز ـ أيضًا ـ للواقفِ إذا وَقَفَ شيئًا أَنْ يَسْتثنيَ منفعتَه وغَلَّتَه جميعَها لنَفْسِه مدَّةَ حياته؟ سواءٌ كانَتْ هذه الشروطُ في عقود المُعاوَضات المالية، أم في عقود التبرُّعات، أم في الزواج ونحوِه، فهل في حالةِ عدَمِ الوفاء يجوز للعاقد الآخَرِ فَسْخُ العقد؟

ويتجلَّى خلافُ العلماءِ ـ في هذه المسألةِ ـ في ثلاثةِ مَذاهِبَ وهي:

أ ـ مذاهب العلماء:

أوَّلًا: مذهب الجمهور (الحنفية والشافعية ومَن وافَقَهما): عدَمُ صحَّةِ هذا الشرطِ ويَفْسُد به العقدُ، وعند ابنِ أبي ليلى ومُوافِقيه: أنَّ البيع صحيحٌ والشرطَ باطلٌ.

ثانيًا: ومذهب الإمامِ أحمدَ والأوزاعيِّ وإسحاقَ وطائفةٍ مِن العلماء: صحَّةُ البيعِ وتنزيلُ الشرطِ منزلةَ الاستثناء، وإِنْ جَمَعَ العقدُ شرطين فيبطلُ البيعُ؛ وعليه فعند وجودِ الشرطين في العقد يُوافِقون الجمهور.

ثالثًا: وفي روايةٍ أخرى للإمام أحمد: أنَّ البيع صحيحٌ مع الشروط العائدة للبائع أو للمشتري مِن مَنافِعَ معلومةٍ في البيع.

واختارَ هذه الروايةَ ابنُ تيمية(١٨) وتلميذُه ابنُ القيِّم، ولم يَسْتَثْنِ الحنابلةُ ومَن وافَقَهم مِن الشروط الجائزةِ إلَّا الشرطَ المُنافيَ لمقتضى العقد أوِ الذي وَرَدَ النهيُ عنه(١٩)(٢٠).

ب ـ أدلَّة المذاهب السابقة:

يمكن حَصْرُ أدلَّةِ المذاهب السابقةِ في: أدلَّةِ الجمهور ـ أوَّلًا ـ المُبْطِلين للشرط والعقد معًا، مع التعرُّض لأدلَّةِ المُبْطِلين للشرط دون العقد، والمُجيزين للشرط الواحد؛ ثمَّ أدلَّةِ الحنابلة المُجيزين مطلقًا ـ ثانيًا ـ.

أوَّلاً: أدلَّة الجمهور القائلين بعدم صحَّة العقد والشرط:

استدلَّ هؤلاء فيما ذهبوا إليه بما يلي:

١ ـ بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُحَاقَلَةِ(٢١) وَالمُزَابَنَةِ(٢٢) .. وَالمُخَابَرَةِ(٢٣) .. وَعَنِ الثُّنْيَا، وَرَخَّصَ فِي العَرَايَا»(٢٤).

أفادَ الحديثُ تحريمَ بيعِ الثُّنْيا، ومعنى الثُّنْيا: الاستثناءُ، وصورتُه: أَنْ يبيع شيئًا ويستثنيَ بعضَه مجهولًا غيرَ معلومٍ، وما دامَ الاستثناءُ ممنوعًا فلا يصحُّ للبائعِ أو المشتري أَنْ يستثنيَ نفعًا معلومًا في البيع.

٢ ـ وبحديثِ عبد الله بنِ عمرِو بنِ العاص رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»(٢٥).

٣ ـ وبما رواهُ أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»(٢٦).

وجهُ دلالة الحديثين: أنَّ «الشرطين في البيع» و«الشرطَ فيه» مُفسَّران بمثلِ الشروط العائدة على البائع أو المشتري ممَّا فيه مصلحةُ المشتري أو منفعةُ البائع، ووجهُ الفسادِ في شرطين في بيعٍ: هو استلزامُ ذلك للجهالة المُوجِبةِ للغرَرِ المَنْهِيِّ عنه(٢٧).

ـ أمَّا القائلون بصحَّةِ البيع وبطلانِ الشرط، فهؤلاء يَسْتدلُّون بحديثِ بريرةَ المُتَّفَقِ عليه، ومَحَلُّ الشاهدِ فيه هو قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «.. مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»(٢٨)، والحديثُ يدلُّ على بطلانِ كُلِّ شرطٍ يُخالِفُ مقتضى العقد.

وهذا الحديث ـ أيضًا ـ دليلٌ مِن أدلَّةِ الجمهور.

ـ واعتذر الجمهورُ عن عدَمِ الأخذ بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه بالأعذار التالية:

أ /  اختلاف الرُّواةِ في ألفاظه يمنع الاحتجاجَ به على هذا المطلب؛ فلقد وَرَدَ عند البخاريِّ بألفاظٍ مُتغايِرةٍ ورواياتٍ مُخْتلِفةٍ؛ ففي روايةٍ: «أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ»(٢٩)، وفي روايةٍ: «بِعْتُهُ .. وَاشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي»(٣٠)، وفي روايةٍ: «وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي»(٣١)، وفي روايةٍ: «لَكَ ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ»(٣٢)، وغيرها مِن الروايات(٣٣) الدالَّةِ على اضطرابِ مَتْنِه؛ الأمرُ الذي يَحُولُ دون الاحتجاج به.

ب/  أنَّ حديث جابرٍ رضي الله عنه قصَّةُ عينٍ تدخلها الاحتمالاتُ ويتطرَّق إليها التأويلُ، ويظهر وجهُ تأويلِ القصَّةِ مِن جهتين:

ـ التأويل الأوَّل: أنها إعارةٌ لجابرٍ رضي الله عنه حاصلةٌ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد البيع، وليست شرطًا مُسْتثنًى مِن المَبيع، بدليلِ ما جاء في رواية البخاريِّ: «أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ»(٣٤)، والإفقارُ ـ في اللغةِ ـ: إعارةُ الظهرِ للركوب(٣٥).

ـ التأويل الثاني: لم يَجْرِ بينهما بيعٌ حقيقيٌّ لانتفاءِ التسليم والقبض، كُلُّ ما في الأمر أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحَبَّ أَنْ يُكْرِم جابرًا رضي الله عنه بهِبَةٍ فاتَّخذ بيعَ الجملِ ذريعةً إلى ذلك، بدليلِ قولِه حين أعطاه الثمنَ: «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ»، وفي روايةِ البخاريِّ: «مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ فَهُوَ مَالُكَ»(٣٦).

ويَميلُ ابنُ حزمٍ ـ رحمه الله ـ إلى هذا التأويلِ حيث يقول: «فَصَحَّ أنَّ البيعَ لم يتمَّ فيه قَطُّ؛ فإنما اشترط جابرٌ ركوبَ جَمَلِ نَفْسِه فقط، وهذا هو مقتضى لفظِ الأخبار إذا جُمِعَتْ ألفاظُها؛ فإِذْ قد صحَّ أنَّ ذلك البيعَ لم يتمَّ ولم يُوجَدْ في شيءٍ مِن ألفاظِ ذلك الخبرِ أصلًا أنَّ البيع تمَّ بذلك الشرط؛ فقَدْ بَطَلَ أَنْ يكون في هذا الخبرِ حجَّةٌ في جوازِ بيعِ الدابَّةِ واستثناءِ ركوبها أصلًا»(٣٧).

ـ وحجَّةُ مشهورِ مذهبِ الحنابلةِ والأوزاعيِّ وإسحاقَ وطائفةٍ مِن العلماء تتمثَّلُ في الاقتصار على حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما السابق: «.. وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ»، وفي روايةٍ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ»(٣٨).

ووجهُ دلالةِ الحديث: أنَّ النهي فيه مجزومٌ بشرطين، ومفهومُه جوازُ شرطٍ واحدٍ في العقد، أمَّا حديثُ: «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»(٣٩) فلا يصحُّ الاحتجاجُ به، قال ابنُ قُدامة ـ رحمه الله ـ: «لم يصحَّ نهيُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بيعٍ وشرطٍ، وإنما نهى عن شرطين في بيعٍ؛ فمفهومُه إباحةُ الشرطِ الواحد»(٤٠)؛ وعليه فإنَّ أدلَّتَهم تتجلَّى في نقطتين:

١ ـ «الأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ الجَوَازُ وَالحِلُّ».

٢ ـ مفهوم حديثِ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ»(٤١) أنه يجوز الشرطُ الواحد، ويُؤيِّدُ دليلَ الخطابِ حديثُ الباب الذي أفادَ جوازَ الشرطِ الواحد.

ثانيًا: أدلَّة الحنابلة المجيزين للشروط المعلومة في المبيع:

استدلَّ هؤلاء فيما ذهبوا إليه بما يلي:

١ ـ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(٤٢).

وجهُ دلالةِ الحديث: أنَّ الأصل في العقودِ والشروطِ هو الإباحةُ ما لم يمنعها الشرعُ أو تُخالِفِ النصوصَ الشرعية؛ وبناءً على هذا الأصلِ فإنَّ الشروط العائدة للبائع أو المشتري مِن مَنافِعَ معلومةٍ في البيع ليست ممَّا يُحِلُّ حرامًا أو يُحرِّم حلالًا؛ فيجب ـ حينئذٍ ـ الوفاءُ بكُلِّ الشروط المُباحة؛ لأنَّ تحريمَ شيءٍ مِن الشروط المُباحةِ التي يَتعامَلُ بها الناسُ تحقيقًا لمَصالِحِهم بغيرِ دليلٍ شرعيٍّ تحريمٌ لِمَا لم يُحرِّمْه اللهُ.

٢ ـ بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه السابقِ الذي شَرَطَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ظَهْرَ جَمَلِه إلى المدينةِ في قوله: «وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي»(٤٣)، «شَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ»(٤٤).

٣ ـ وبحديثِ جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهَى «عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ»(٤٥).

وجهُ الدلالةِ مِن هذا الحديثِ: أنَّ حديث الثُّنْيا الذي رواهُ مسلمٌ مُطْلَقٌ في النهي، وهذا الحديث يقيِّده؛ إذ «يُحْمَلُ المُطْلَقُ عَلَى المُقَيَّدِ» كما تَقَرَّرَ في الأصول.

قال المباركفوريُّ ـ رحمه الله ـ: «والمعنى: إذا كان الاستثناءُ معلومًا فهو ليس بمَنْهِيٍّ عنه، وإنما المَنْهِيُّ عنه هو الاستثناءُ المجهول، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: المراد بالثُّنيا: الاستثناءُ في البيع نحو أَنْ يبيع الرجلُ شيئًا ويستثنيَ بعضَه، فإِنْ كان الذي استثناهُ معلومًا ـ نحوَ أَنْ يستثنيَ واحدةً مِن الأشجار أو منزلًا مِن المَنازِلِ أو موضعًا معلومًا مِن الأرض ـ صحَّ بالاتِّفاق، وإِنْ كان مجهولًا ـ نحوَ أَنْ يستثنيَ شيئًا غيرَ معلومٍ ـ لم يصحَّ البيعُ، والحكمةُ في النهي عن استثناءِ المجهولِ ما يتضمَّنه مِن الغَرَرِ مع الجهالة»(٤٦)؛ فإذَنْ، دلالةُ الحديثِ واضحةٌ في اشتراطِ العلم لصحَّةِ الثُّنْيا، وهذه شروطٌ واستثناءاتٌ معلومةٌ فلا تدخل في النهي.

٤ ـ وبأنَّ «الأَصْلَ فِي المُعَامَلَاتِ وَالعُقُودِ الإِبَاحَةُ وَالحِلُّ»، ولا يُصْرَف عن هذا الأصلِ إلى التحريم بغيرِ دليلٍ شرعيٍّ، وحيث إنَّ هذه الشروطَ لا تتضمَّن أيَّ محذورٍ ولا مَفْسَدةَ فيها مطلقًا، وليست ـ أيضًا ـ وسيلةً إلى مفسدةٍ؛ فهي باقيةٌ على الأصل المقرَّر.

ج ـ مناقشة الأدلَّة وتفنيدها:

يمكن مُناقَشةُ أدلَّةِ القائلين ببطلانِ العقد والشرط معًا، والمُبْطِلين للشرط دون العقد، والمُجيزين للشرط الواحد فقط فيما يلي:

١ ـ بخصوصِ حديثِ الثُّنيا فهو دليلٌ مِن أدلَّةِ المُجيزين مطلقًا؛ إذ المنهيُّ عنه هو الاستثناءُ المجهولُ كما تَقَدَّمَ، وهذه استثناءاتٌ معلومةٌ غيرُ داخلةٍ في النهي.

٢ ـ وأمَّا حديثُ: «.. وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ»، وفي روايةٍ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ»(٤٧)، فإنَّ العلماء اختلفوا في تعيينِ المراد بالشرطين في بيعٍ على أربعةِ أقوالٍ وهي:

أ/  ما رُوِي عن زيدِ بنِ عليٍّ وأبي حنيفة وهو: أَنْ يقول: بِعْتُك هذا العبدَ بألفٍ نقدًا أو ألفين نسيئةً، فهذا بيعٌ واحدٌ تَضَمَّنَ شرطين يختلف المقصودُ فيه باختلافهما، وهذا القولُ مَرْوِيٌّ ـ أيضًا ـ عن الإمام أحمد عن سِمَاكٍ الذي فَسَّرَ به حديثَ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ»(٤٨).

وهذا التفسير ـ وإِنْ كان يشهد لمَن تَمَسَّكَ بحُرْمةِ بيعِ الشيءِ بأَكْثَرَ مِن سِعْرِ يومِه لاشتماله على غَرَرٍ بسببِ الجهل بمِقْدار الثمن لعدَمِ استقراره، لِمَا فيه مِن الإبهام والتعليق بالشرط المُسْتقبَل ـ إلَّا أنه لا تُوجَد ـ في هذا البيعِ ـ صفقتان، وإنما هي صفقةٌ واحدةٌ بأحَدِ الثمنين(٤٩)، ولأنَّ الإبهام ينتفي في حالةِ قَبولِ المشتري إحدى الصورتين كما هو مذهبُ الأحناف(٥٠)، ولأنَّ صورة الرِّبا مُنْتَفِيةٌ فيما إذا قال مِن أوَّلِ الأمر: «نسيئةً بكذا» فقط، وكان أَكْثَرَ مِن سِعْرِ يومه، وظاهِرُه السلامةُ مِن الغرَرِ المؤثِّر على التراضي إذِ الحديثُ لا يدلُّ عليه، مع أنَّ المتمسِّكين بهذا التفسيرِ يمنعون بيعَ الشيءِ بأَكْثَرَ مِن سعرِ يومِه لأجلِ النَّساء؛ فالدليلُ أخَصُّ مِن الدعوى(٥١).

ب/  وهو أَنْ يقول: «بِعْتُك هذه السلعةَ على أَنْ تبيعني سِلْعَتَك بكذا».

وهذا التفسيرُ وإِنْ كان يشتمل على غَرَرٍ بسببِ الجهالة في إتمام العقد الثاني لعدَمِ استقراره بسببِ تعليقه بشرطٍ مُسْتقبَلٍ يمكن وقوعُه وعدَمُ وقوعه، إلَّا أنه مجزومٌ بشرطٍ واحدٍ ـ مِن جهةٍ ـ ومجرَّدٌ عن صورةِ النهي عن بيعتين في بيعٍ ـ مِن جهةٍ أخرى ـ(٥٢).

ﺟ/  وهو أَنْ يشترط البائعُ على المشتري أَنْ لا يبيع السلعةَ ولا يَهَبَها، وهو باطلٌ لأنه يُنافي مقتضى العقد. وجوابُه كسابِقِه.

د/  وهو أَنْ يقول: «أبيعُك هذه السلعةَ بمائةٍ إلى سنةٍ على أَنْ أشتريَها منك بثمانين حالَّةً»، أو: «خُذْ هذه السِّلْعةَ بعشرةٍ نقدًا، وآخُذُها منك بعشرين نسيئةً».

وأَرْجَحُ تفسيرٍ لمعنى الحديثِ ـ الذي لا معنى له غيرُه ـ هو التفسيرُ الأخيرُ، المعوَّلُ عليه مِن الوجوه التالية:

١ ـ لأنَّ التفسير الأوَّل لا تُوجَدُ فيه صفقتان في البيع، وإنما هي صفقةٌ واحدةٌ بأحَدِ الثمنين، أمَّا التفسير الثاني فهو بيعٌ مجزومٌ بشرطٍ واحدٍ لا بشرطين، مع تجريده عن النهي عن صفقتين في صفقةٍ ـ كما تَقَدَّمَ ـ ولا مَحَلَّ لذِكْرِ التفسير الثالث لمُنافاتِه لمقتضى البيعِ أصلًا، ويَلْحَقه ـ أيضًا ـ نَفْسُ الاعتراض السابق(٥٣).

٢ ـ ولأنه مُطابِقٌ لمعنى الحديثِ الذي أخرجه أبو داود وغيرُه: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا(٥٤) أَوِ الرِّبَا»(٥٥)؛ إذ إنَّ فِعْلَه لا يخلو عن أحَدِ الأمرين: إمَّا أَنْ يأخذ الثمنَ الزائد فيُرْبِيَ، أو الثمنَ الأوَّلَ فيكون هو أَوْكَسَهما، وهو مُوافِقٌ لحديثِ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»(٥٦).

٣ ـ ويشهد لهذا التفسيرِ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»(٥٧).

والشاهد مِن الحديثِ قولُه: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ ..»، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «وهو أَنْ يبيعه سلعةً إلى أجلٍ ثمَّ يبتاعها منه بأَقَلَّ مِن ذلك»(٥٨).

٤ ـ ولأنَّ جَمْعَه في النهي بين «بيعتين في بيعةٍ» و«سَلَفٍ وبيعٍ» في الحديث السابقِ يُنْبِئُ أنَّ كُلًّا منهما يُفْضي إلى الرِّبا؛ إِذِ الظاهرُ أنهما بيعٌ، وفي الحقيقةِ رِبًا.

٣ ـ أمَّا حديثُ أبي حنيفة مرفوعًا: نَهَى «عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»(٥٩) فلا ينتهض للاحتجاج به، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «في إسناده مَقالٌ، وهو قابلٌ للتأويل»(٦٠)، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «قد أَنْكَرَهُ أحمدُ وغيرُه مِن العلماءِ، وذكروا أنه لا يُعْرَف، وأنَّ الأحاديث الصحيحة تُعارِضُه، وأَجْمَعَ الفقهاءُ المعروفون مِن غيرِ خلافٍ أَعْلَمُه مِن غيرِهم أنَّ اشتراطَ صفةٍ في المَبيعِ ونحوِه ـ كاشتراطِ كونِ العبدِ كاتبًا أو صانعًا، أو اشتراطِ طولِ الثوب أو قَدْرِ الأرض ونحوِ ذلك ـ شرطٌ صحيحٌ»(٦١)، وعلى فَرْضِ صحَّته فهو محمولٌ على الشرط المُنافي لمقتضى البيع: كأَنْ يشترط في الدار أَنْ لا يسكنها، وفي الدابَّةِ أَنْ لا يركبها ونحوَ ذلك، أو هو محمولٌ على الشرط الذي نهى عنه الشارعُ.

٤ ـ أمَّا حديثُ بَريرةَ رضي الله عنها في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «.. مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ..»(٦٢)، فمَعْناهُ أنَّ كُلَّ شرطٍ لا يُوافِقُ الشرعَ باطلٌ: لا يجوز اشتراطُه، ولا يَلْزَم الوفاءُ به، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «قال ابنُ خزيمة: «لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ» أي: ليس في حكمِ اللهِ جوازُه أو وجوبُه، لا أنَّ كُلَّ مَن شَرَطَ شرطًا لم ينطق به الكتابُ يَبْطُلُ؛ لأنه قد يُشْتَرَطُ في البيعِ الكفيلُ فلا يَبْطُلُ الشرطُ، ويُشْتَرَطُ في الثمنِ شروطٌ مِن أوصافه أو مِن نجومه ونحوِ ذلك فلا يَبْطُلُ»(٦٣)؛ وعلى هذا إذا لم يكن الشرطُ منصوصًا على جوازِهِ فيكفي لحِلِّه أَنْ يكون مسكوتًا عنه، غيرَ مُخالِفٍ لشرعِ الله الذي كَتَبَه على العباد؛ إِذِ «الأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ»(٦٤).

ـ أمَّا اعتذارات الجمهورِ فغيرُ مسلَّمٍ بها للأسباب التالية:

أ ـ أنَّ الاعتراض بدعوى اختلافِ الرُّواةِ في ألفاظه اختلافًا يمنع الاحتجاجَ به غيرُ سديدٍ؛ لأنه إذا ترجَّحَتِ الرواياتُ القويَّةُ وَجَبَ المصيرُ إليها وتَرْكُ ما عداها، قال ابنُ دقيق العيد ـ رحمه الله ـ ردًّا على دعوى الاضطراب: «.. فنقول: هذا صحيحٌ، لكِنْ بشرطِ تَكافُؤِ الروايات أو تَقارُبها، أمَّا إذا كان الترجيحُ واقعًا لبعضِها إمَّا لأنَّ رُواتَه أَكْثَرُ أو أَحْفَظُ فينبغي العملُ بها؛ إِذِ الأضعفُ لا يكون مانعًا مِن العمل بالأقوى، والمرجوحُ لا يدفع التمسُّكَ بالراجح»(٦٥)، وقد أكَّد محمَّد بنُ إسماعيل البخاريُّ ـ رحمه الله ـ رجحانَ رواياتِ الاشتراط في حديثِ جابرٍ رضي الله عنهما المتقدِّمِ بقوله: «الاشتراطُ أَكْثَرُ وأَصَحُّ عندي»(٦٦)، «أي: أَكْثَرُ طُرُقًا وأَصَحُّ مَخْرَجًا»(٦٧)، وعلَّق الحافظ القسطلانيُّ ـ رحمه الله ـ على هذا الكلامِ بما نصُّه: «لأنَّ الكثرة تُفيدُ القوَّةَ، وهذا وجهٌ مِن وجوه الترجيحِ فيكون أَصَحَّ، ويترجَّح ـ أيضًا ـ بأنَّ الذين روَوْه بصيغةِ الاشتراط معهم زيادةٌ ـ وهُمْ حُفَّاظٌ ـ فيكون حجَّةً، وليست روايةُ مَن لم يذكرِ الاشتراطَ مُنافِيةً لروايةِ مَن ذَكَرَه؛ لأنَّ قوله: «لَكَ ظَهْرُهُ» و«أَفْقَرْنَاكَ ظَهْرَهُ» و«تَبَلَّغْ عَلَيْهِ»(٦٨) لا يمنعُ وقوعَ الاشتراطِ قبل ذلك»(٦٩).

ب ـ بخصوصِ تأويلِ البيعِ بالإعارة الحاصلةِ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لجابرٍ رضي الله عنه فهو مُنْتَقَدٌ بما سَبَقَ بيانُه بأنَّ الذين ذَكَرُوه بصيغةِ الاشتراطِ أَكْثَرُ عددًا مِن مُخالِفيهم، والكثرةُ تُفيدُ القوَّةَ، وأنَّ رواية الإعارةِ غيرُ مُعارِضةٍ لرواية الاشتراط؛ لاحتمالِ وقوعِ الاشتراط قبل الإعارة، أو لاحتمالِ وقوعِ البيع بشرطِ الإعارة كما في روايةِ: «فَبِعْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ المَدِينَةَ»(٧٠).

أمَّا التأويل الثاني بأنَّ التَّبايُعَ لم يكن حقيقيًّا، بل هِبَةً مقدَّمةً مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لجابرٍ رضي الله عنه، مُتَّخِذًا بيعَ الجملِ ذريعةً إلى ذلك؛ فإنَّ هذا التأويل مُنْدَفِعٌ بالوجوه التالية:

ـ الوجه الأوَّل: أنَّ الألفاظ المنصوصَ عليها في حديثِ جابرٍ رضي الله عنه لا تحتمل تأويلًا ولا تغييرًا، كما في قوله: «بِعْتُهُ مِنْكَ بِأُوقِيَّةٍ»(٧١)، وقولِه: «فَبِعْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ المَدِينَةَ».

وردَّ القرطبيُّ ـ رحمه الله ـ على هذا التأويلِ بأنه دَعْوَى مجرَّدةٌ وتغييرٌ وتحريفٌ لا تأويلٌ، قال: «وكيف يصنع قائلُه في قوله: «بِعْتُهُ مِنْكَ بِأُوقِيَّةٍ» بعد المُساوَمة؟ وقولِه: «قَدْ أَخَذْتُهُ»(٧٢)، وغيرِ ذلك مِن الألفاظِ المنصوصةِ في ذلك»(٧٣).

ـ الوجه الثاني: على فَرْضِ التسليمِ بأنَّ التَّبايُعَ غيرُ حقيقيٍّ، فلم يكن معلومًا لجابرٍ رضي الله عنه الذي تَعاقَدَ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أنها صفقةُ بيعٍ وإِنْ كان في نَظَرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنها هِبَةٌ، هذا مِن جهةٍ؛ ومِن جهةٍ أخرى: لو لم يكنِ البيعُ حقيقيًّا لَما استثنى جابرٌ رضي الله عنه ظَهْرَ الدابَّةِ وهو المبتدئ لهذا الشرط.

أمَّا العملُ بمفهوم حديثِ: «.. وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ»(٧٤) فلا حجَّةَ فيه لكونه مَبْنِيًّا على تفسيرِ الشرط بمثلِ الشروط العائدةِ لنَفْعِ البائع أو المشتري، وقد تَعَيَّنَ حَمْلُ صورته على بيعِ العِينة ـ كما تَقَدَّمَ ـ(٧٥).

د ـ سبب الاختلاف:

وفي تقديري أنَّ سببَ اختلافِ العلماءِ في هذه المسألةِ راجعٌ إلى المسائل التالية:

ـ أوَّلًا: حُرِّيَّة الاشتراط في العقد.

ـ ثانيًا: المراد مِن الشرط المُنافي لمقتضى العقد.

ـ ثالثًا: في تَعارُضِ نصوص الحديث في بيعٍ وشرطٍ.

وسنتناول ـ بإيجازٍ ـ هذه المسائلَ: كُلَّ واحدةٍ على حِدَةٍ:

المسألة الأولى: في حُرِّيَّة الاشتراطِ في العقود:

وهذه المسألةُ مَبْنِيَّةٌ على الأصلِ في العقود: هل هو المنعُ والتحريمُ أم الإباحةُ والجواز؟

ـ فمَن ضيَّق ورأى أنَّ الأصل في العقودِ المنعُ قال: الأصلُ في الشروطِ المنعُ والتحريم؛ فكُلُّ شرطٍ لم يَثْبُتْ جوازُه بنصٍّ شرعيٍّ أو إجماعٍ فهو باطلٌ، وهذا الرأيُ منسوبٌ للظاهرية (أتباعِ داود بنِ عليٍّ وابنِ حزمٍ الأندلسيِّ)(٧٦).

ـ ومَن وسَّع ورأى أنَّ الأصل في العقود والشروطِ الإباحةُ والجوازُ نَظَرَ إليها مِن حيث الإطلاقُ والتقييد:

ـ فالحنابلةُ قالوا: إنَّ الأصل في الشروطِ العَقْديةِ هو الإطلاقُ، فلم يُقَيِّدوا حُرِّيَّةَ المُشْترِطِ في العقد؛ فكُلُّ شرطٍ لم يَرِدِ الشرعُ بتحريمه فهو جائزٌ ما لم يكن مُنافِيًا لمقتضى العقد أو يَرِدِ النهيُ عنه على ما تَقَدَّمَ؛ وعلى هذا يصحُّ كُلُّ شرطٍ فيه منفعةٌ أو مصلحةٌ لأحَدِ المُتعاقِدَيْن: كاشتراطِ صفةٍ معيَّنةٍ في المَبيعِ أو أحَدِ الزوجين، أو اشتراطِ منفعةٍ في عَقْدِ البيع كتوصيلِ المَبيعِ إلى دار المشتري، واشتراطِ الزوجة على الزوج ألَّا يتزوَّج عليها وألَّا يُسافِرَ بها أو ألَّا ينقلها مِن منزلها؛ فهذه شروطٌ صحيحةٌ يجب الوفاءُ بها، وإلَّا جازَ للعاقد الآخَرِ فَسْخُ العقدِ عند الإخلال بالشرط.

ـ وبنى الجمهورُ الأصلَ في الشروطِ العَقْدية على التقييد؛ فكُلُّ شرطٍ خالَفَ الشرعَ أو مقتضى العقدِ لا يجوز؛ فهو باطلٌ وما عداهُ فهو صحيحٌ، وعلى ذلك يُفسَّر ـ عندهم ـ بكُلِّ شرطٍ لا يُلائِم مقتضى العقدِ ولا يَقْتضيهِ ولا وَرَدَ به الشرعُ ولا يتعارفه الناسُ كاشتراطِ منفعةٍ زائدةٍ لأحَدِ المُتعاقِدَيْن.

المسألة الثانية: في المراد مِن الشرط المُنافي لمقتضى العقد:

ـ فمَن حَصَرَ الشرطَ المُنافيَ في المُناقَضةِ لمقصود العقد الأصليِّ قال: لو شَرَطَ البائعُ على المشتري ألَّا يبيعَ ما اشتراه فإنه يكون مُنافِيًا للمقصود الأصليِّ مِن العقد أو مُبْطِلًا له، وهو مِلْكُ المَبيعِ للتصرُّف، وإذا اشترط البائعُ منفعةً أخرى فإنه لا يكون مُنافِيًا لمقتضى العقدِ ويكون الشرطُ صحيحًا.

ـ ومَن تَوَسَّعَ في تفسيرِ المنافاةِ قال: كُلُّ ما يكون مِن الشروط فيه منفعةٌ لأحَدِ المتعاقِدَيْنِ يكون مُنافِيًا لمقتضى العقد.

المسألة الثالثة: في تَعارُضِ نصوص الحديث في بيعٍ وشرطٍ:

ـ فمَن أَبْطَلَ البيعَ والشرط: أَخَذَ بعمومِ نَهْيِه عن بيعٍ وشرطٍ وبعمومِ نهيِه عن الثُّنْيا.

ـ ومَن أجازَهما جميعًا: أَخَذَ بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه وغيرِه مِن الأحاديثِ الدالَّةِ على الجواز.

ـ ومَن أجازَ البيعَ وأَبْطَلَ الشرطَ: استدلَّ بحديثِ بَريرةَ رضي الله عنها المتقدِّم.

ـ ومَن أَبْطَلَ الشرطين وأجازَ الواحدَ: استدلَّ بحديثِ: «.. وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ»(٧٧).

هـ ـ الترجيح:

مذهب المُجيزين للشروط العائدة على البائع أو المشتري بمَنافِعَ معلومةٍ في البيعِ هو أَظْهَرُ الآراءِ دليلًا وأَصَحُّها نظرًا؛ لأنَّ الأصل في الشروطِ الإباحةُ والإطلاق، بمعنى أنَّ الشريعة فَوَّضَتْ لإرادةِ المُتعاقِدَيْنِ تحديدَ مُقْتَضَياتِ العقدِ وآثارِه داخِلَ مجالِ حقوقهما ومَصالِحهما في كُلِّ شرطٍ، باستثناءِ ما يُصادِمُ نصوصَ الشريعةِ وأصولَها الثابتةَ ومَقاصِدَها المَرْعيَّة. والشروطُ إذا خَلَتْ مِن أيِّ محذورٍ شرعيٍّ أو ضررٍ فهي تَنْدَرِجُ في عمومِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(٧٨)، ولأنَّ تحريمَ شيءٍ مِن الشروطِ المُباحةِ التي يَتعامَلُ بها الناسُ تحقيقًا لمَصالِحهم بغيرِ دليلٍ تحريمٌ لِمَا أَحَلَّه اللهُ تعالى.

أمَّا أدلَّةُ المانعين مِن الشروطِ العائدةِ بنفعٍ معلومٍ للبائع أو المشتري فقَدْ تَقَدَّمَ توجيهُها وتفنيدُ استدلالهم واعتذارهم، ويُؤيِّدُ ما تَقرَّرَ مِن جوازِ الشروط المُباحةِ العائدةِ لمصلحةِ المتعاقِدَيْنِ أو أحَدِهما حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ»(٧٩)، والحديثُ دلَّ على أنَّ الشرط المعلومَ نَفْعُه لأَحَدِ المتعاقِدَيْنِ لا يُفْسِدُ البيعَ وليس هو ممَّا يُنافي مقتضى العقد(٨٠).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الشروط» (٥/ ٣١٤) باب: إذا اشترط البائعُ ظَهْرَ الدابَّةِ إلى مكانٍ مسمًّى جازَ، ومسلمٌ في «المساقاة» (١١/ ٣٠) بابُ بيعِ البعير واستثناءِ ركوبه، وأبو داود في «الإجارات» (٣/ ٢٨٣) بابٌ في شرطٍ في بيعٍ. وأخرجه ـ أيضًا ـ الترمذيُّ والنسائيُّ وابنُ ماجه وغيرُهم، مِن حديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٢) أخرجها مسلمٌ في «المساقاة» (١١/ ٣٣) بابُ بيعِ البعير واستثناءِ ركوبه.

(٣) انظر: «صحيح مسلم» بشرح النووي (١١/ ٣٢ ـ ٣٥).

(٤) انظر: «مختار الصحاح» للرازي (٤٦٧)، «المعجم الوسيط» (٢/ ٦٤٢).

(٥) انظر: «المعجم الوسيط» (١/ ٤٦٦).

(٦) انظر: «النهاية» لابن الأثير (٥/ ٢١٧)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٣٤٤).

(٧) انظر: «النهاية» لابن الأثير (٤/ ٣٤٩)، «المعجم الوسيط» (٢/ ٨٨١).

(٨) «يُزْجِي» أي: يسوق بهم، يقال: «أزجى المطيَّةَ» إذا حثَّها في السَّوْق، و«أزجى الإبلَ»: ساقَها، و«الريحُ تُزْجِي السحابَ» أي: تسوقه، [انظر: «مختار الصحاح» للرازي (٢٦٩)].

(٩) رواهُ أبو داود في «الجهاد» (٣/ ٤٤) بابٌ في لزوم الساقة، مِن حديث جابرٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٢٦٣٩).

(١٠) وفيه فائدةٌ أخرى وهي: جوازُ ضَرْبِ الدابَّةِ للسير وإِنْ كانَتْ غيرَ مكلَّفةٍ، ما لم يتحقَّقْ أنَّ ذلك منها مِن فَرْطِ تعبٍ وإعياءٍ، [انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣٢١)].

(١١) أخرجه البخاريُّ في «الطلاق» (٩/ ٤٠٨) بابُ شفاعةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في زوجِ بريرة رضي الله عنها، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(١٢) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣٢١).

(١٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الوكالة» (٤/ ٤٨٣) بابُ الوكالة في قضاء الديون، ومسلمٌ في «المساقاة والمزارَعة» (١١/ ٣٨) بابُ جوازِ اقتراضِ الحيوان، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٤) انظر: «صحيح البخاري» بشرح «فتح الباري» (٤/ ٤٨٥).

(١٥) انظر: «صحيح البخاري» (١/ ٥٣٧). وفيه: «وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ»».

(١٦) سيأتي تخريجه، انظر: (الهامش ٤٢).

(١٧) «المغني» لابن قدامة (٤/ ٢٤٩).

(١٨) انظر: «القواعد النورانية الفقهية» (٢٩١) و«الفتاوى الكبرى» (٣/ ٤٩٤) كلاهما لابن تيمية.

(١٩) الشرط المُنافي لمقتضى العقدِ: كاشتراط البائع على المشتري ألَّا يبيع الشيءَ المشترى مطلقًا أو لا يسكن فيه أحَدٌ بالإيجار، أو ألَّا يَقِفَه على جهةِ خيرٍ. والشرطُ المنهيُّ عنه: هو المُخالِفُ لحكمِ اللهِ ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم: كاجتماعِ صفقتين في عقدٍ واحدٍ، وكاشتراطِ الزوجةِ أَنْ يُطلِّق امرأتَه الأولى، [انظر أنواعَ الشرط الفاسد في: «المغني» لابن قدامة (٤/ ٢٤٩ ـ ٢٥٠)].

(٢٠) أمَّا مذهبُ الإمامِ مالكٍ ـ رحمه الله ـ فجوازُ مثلِ هذا الشرطِ في الزمنِ اليسيرِ دونَ الكثيرِ، أي: أجازَ شَرْطَ الحملِ على الدابَّةِ إلى المكان القريب عملًا بالحديث السابق، وحدَّه ثلاثةَ أيَّامٍ، والظاهرُ أنَّ التحديد الزمنيَّ للركوب بثلاثةِ أيَّامٍ يحتاج إلى دليلٍ ناهضٍ يفتقر إليه، [انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٨/ ١٥٩)، «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٧٣)، «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٣٠)، «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣١٤)، «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ٨)].

(٢١) المُحاقَلة: وهي بيعُ الزرعِ في سُنْبُله قبل بُدُوِّ صلاحِه بالبُرِّ، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ٤١٦)].

(٢٢) المُزابَنة: وهي بيعُ الرُّطَبِ في رؤوس النخلِ بالتمر كيلًا، أو بيعُ العنب بالزبيب، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٢/ ٢٩٤)].

(٢٣) المُخابَرة: وهي المُعامَلة على الأرض ببعضِ ما يخرج منها، [انظر: «مختار الصحاح» للرازي (١٦٨)، «شرح مسلم» للنووي (١٠/ ١٩٣)].

(٢٤) أخرجه مسلمٌ في «البيوع» (١٠/ ١٩٥) بابُ البيوع المنهيِّ عنها، مِن حديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٢٥) أخرجه أبو داود في «البيوع» (٣/ ٢٨٣) بابٌ في الرجل يبيع ما ليس عنده، والترمذيُّ في «البيوع» (٣/ ٥٣٥ ـ ٥٣٦) بابُ ما جاء في كراهيةِ بيعِ ما ليس عندك، وقال: «حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ»، والنسائيُّ في «البيوع» (٧/ ٢٩٥) باب: شرطانِ في بيعٍ، وابنُ ماجه في «التجارات» (٢/ ٧٣٧) بابُ النهي عن بيعِ ما ليس عندك وعن رِبْحِ ما لم يُضْمَن، مِن حديث عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٥/ ١٤٦).

(٢٦) انظر: «مسند أبي حنيفة» ـ رواية أبي نُعَيْمٍ الأصفهاني ـ (١/ ١٦٠). ورواهُ الحاكمُ في «معرفة علوم الحديث» (١٢٨). والحديث ضعيفٌ جدًّا، انظر: «السلسلة الضعيفة» للألباني (٤٩١)، وانظر كلام العلماء في الحديث في: (الرابط، والرابط).

(٢٧) انظر: «السيل الجرَّار» للشوكاني (٣/ ٦١).

(٢٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «البيوع» (٤/ ٣٧٦) باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تَحِلُّ، ومسلمٌ في «العتق» (١٠/ ١٤٥ ـ ١٤٦) بابُ بيانِ أنَّ: الولاء لمن أَعْتَقَ، مِن حديث عائشة رضي الله عنها. وأخرجه النسائيُّ في «الطلاق» (٦/ ١٦٤) بابُ خيارِ الأَمَةِ تُعْتَقُ وزوجُها مملوكٌ، وابنُ ماجه في «العتق» (٢/ ٨٤٢) بابُ المكاتب، بلفظِ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ..».

(٢٩) أخرجه البخاريُّ في «الشروط» (٥/ ٣١٤) باب: إذا اشترط البائعُ ظَهْرَ الدابَّةِ إلى مكانٍ مسمًّى جازَ، مِن حديث جابرٍ رضي الله عنه.

(٣٠) أخرجه أبو داود في «البيوع» (٣/ ٢٨٣) بابٌ في شرطٍ في بيعٍ.

(٣١) تقدَّم في حديث الباب، انظر: (الهامش ١).

(٣٢) أخرجه البخاريُّ في «الشروط» (٥/ ٣١٤) باب: إذا اشترط البائعُ ظَهْرَ الدابَّةِ إلى مكانٍ مسمًّى جازَ، ومسلمٌ في «البيوع» (١١/ ٣٤) بابُ بيعِ البعير واستثناءِ ركوبه، مِن حديث جابرٍ رضي الله عنه.

(٣٣) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣١٤).

(٣٤) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢٩).

(٣٥) انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٨/ ١٥٩ ـ ١٦٠)، «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٦٢).

(٣٦) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١).

(٣٧) «المحلَّى» لابن حزم (٨/ ٤١٩).

(٣٨) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢٥).

(٣٩) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢٦)، وانظر ـ أيضًا ـ كلامَ العلماء في الحديث: (الرابط).

(٤٠) «المغني» لابن قدامة (٤/ ١١٠).

(٤١) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢٥).

(٤٢) رواهُ الترمذيُّ في «الأحكام» (٣/ ٦٣٥) بابُ ما ذُكِر عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصلح بين الناس، وابنُ ماجه في «الأحكام» (٢/ ٧٨٨) بابُ الصلح، مِن حديث عمرو بنِ عوفٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه، وله طُرُقٌ أخرى. قال الألبانيُّ في «الإرواء» (٥/ ١٤٥): «وجملةُ القول: أنَّ الحديثَ ـ بمجموعِ هذه الطُّرُقِ ـ يرتقي إلى درجةِ الصحيح لغيره، وهي ـ وإِنْ كان في بعضها ضعفٌ شديدٌ ـ فسائرُها ممَّا يصلح الاستشهادُ به، لاسيَّما وله شاهدٌ مُرْسَلٌ جيِّدٌ».

(٤٣) تقدَّم في حديث الباب، انظر: (الهامش ١).

(٤٤) أخرجه البخاريُّ في «الشروط» (٥/ ٣١٤) باب: إذا اشترط البائعُ ظَهْرَ الدابَّةِ إلى مكانٍ مسمًّى جازَ، مِن حديث جابرٍ رضي الله عنه.

(٤٥) أخرجه أبو داود في «البيوع» (٣/ ٢٦٢) بابٌ في المُخابَرة، والنسائيُّ في «المُزارَعة» (٧/ ٣٧) بابُ ذِكْرِ الأحاديث المُخْتلِفةِ في النهي عن كِراءِ الأرض بالثُّلُث والرُّبُع، واختلافِ ألفاظِ الناقلين للخبر، مِن حديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٣٤٠٥). وقد تقدَّم بلفظٍ أتَمَّ عند مسلمٍ بدونِ الاستثناء مِن النهي عن الثُّنْيَا، انظر: (الهامش ٢٤).

(٤٦) «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (٤/ ٥١٢).

(٤٧) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢٥).

(٤٨) أخرجه أحمد في «مسنده» (٥/ ٢٩٥) (ط. شاكر)، والبزَّار في «مسنده» (٥/ ٣٨٤)، مِن حديث عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنهما. قال أحمد شاكر: «إسنادُه صحيحٌ»، انظر: «إرواء الغليل» للألباني (٥/ ١٤٨ وما بعدها).

(٤٩) انظر: «المنتقى» للباجي (٥/ ٣٦)، «شرح السنَّة» للبغوي (٣/ ١٤٥)، «تهذيب السنن» لابن القيِّم (٩/ ٣٤٤)، «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ١٦)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٢٨٧، ٣٢٤).

(٥٠) انظر: «البدائع» للكاساني (٥/ ١٥٨).

(٥١) يرى الإمامُ مالكٌ ـ رحمه الله ـ صحَّةَ العقدِ، ويكون مِن بابِ الخيار؛ فيُحْمَلُ على ما جرى بين المُتعاقِدَيْن بعدئذٍ ما يجري في العقد؛ فيُقَرُّ العقدُ على إحدى الحالتين، [انظر: «المنتقى» للباجي (٥/ ٣٧)، «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ١٥٣)].

(٥٢) التفسير الأوَّل والثاني ـ أيضًا ـ هما تأويلان للإمام الشافعيِّ، [انظر: المراجعَ السابقة].

(٥٣) وهذه التفاسيرُ لمعنى النهي عن شرطين في بيعٍ أو بيعتين في بيعٍ ـ وإِنِ اختلف التعليلُ فيها ـ فهي تَسْتَمِدُّ عَدَمَ جوازِها تارةً مِن قاعدةِ الرِّبَا وتارةً مِن قاعدةِ الغَرَرِ؛ فكُلُّ ما خَلَا مِن الرِّبَا وسَلِمَ مِن الجهالةِ المُوقِعةِ في الغرَرِ فهو غيرُ مؤثِّرٍ في المَناط الذي هو التراضي، [انظر: «القَبَس» لابن العربي (٢/ ٨٤٢)، «السيل الجرَّار» للشوكاني (٣/ ٥٩)].

(٥٤) الوَكْس: النقص، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٥/ ٢١٩)].

(٥٥) أخرجه أبو داود في «البيوع» (٣/ ٢٧٤) بابٌ فيمَن باعَ بيعتين في بيعةٍ، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح سنن أبي داود» (٣٤٦١) وفي «إرواء الغليل» (٥/ ١٤٩ ـ ١٥٠)، وانظر: «السلسلة الصحيحة» (٢٣٢٦).

(٥٦) أخرجه الترمذيُّ في «البيوع» (٣/ ٥٣٣) بابُ ما جاء في النهي عن بيعتين في بَيْعةٍ، والنسائيُّ في «البيوع» (٧/ ٢٩٥) بابُ بيعتين في بَيْعةٍ، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: «الإرواء» للألباني (٥/ ١٤٩).

(٥٧) أخرجه أبو داود في «البيوع» (٣/ ٢٧٤) بابٌ في النهي عن العِينة، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ بمجموعِ طُرُقه، [انظر: «السلسلة الصحيحة» (١١)].

ولمزيدِ بسطٍ في مسألة العِينةِ فراجِعْ: «الخلاصةَ المُعِينةَ في حكمِ بيعِ العِينة» وأدلَّةَ مذهب الجمهور على تحريمها.

(٥٨) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٣٠).

(٥٩) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢٦)، وانظر ـ أيضًا ـ كلامَ العلماء في الحديث: (الرابط).

(٦٠) «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣١٥).

(٦١) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ١٣٢).

(٦٢) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢٨).

(٦٣) «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ١٨٨)، وانظر: «شرح مسلم» للنووي (١٠/ ١٤٢).

(٦٤) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٣٤٦ ـ ٣٤٧)، «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ١٠٥).

(٦٥) «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٧٢).

(٦٦) «صحيح البخاري» بشرح «فتح الباري» (٥/ ٣١٤).

(٦٧) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣١٨).

(٦٨) أخرجها ـ جميعًا ـ البخاريُّ في «الشروط» (٥/ ٣١٤) باب: إذا اشترط البائعُ ظَهْرَ الدابَّةِ إلى مكانٍ مسمًّى جازَ.

(٦٩) «إرشاد الساري» للقسطلاني (٤/ ٤٣٥).

(٧٠) أخرجه البخاريُّ في «الشروط» (٥/ ٣١٤) باب: إذا اشترط البائعُ ظَهْرَ الدابَّةِ إلى مكانٍ مسمًّى جازَ، مِن حديث جابرٍ رضي الله عنه.

(٧١) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣١٩).

(٧٢) انظر: الحديثَ الذي أخرجه البخاريُّ في «الوكالة» (٤/ ٤٨٥) باب: إذا وكَّل رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُعطيَ شيئًا ولم يبيِّن كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناسُ، ومسلمٌ في «المساقاة» (١١/ ٣٣) باب بيع البعير واستثناء ركوبه.

(٧٣) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣١٩).

(٧٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٢٥).

(٧٦) وكثيرٌ مِن أصول أبي حنيفة وأصولِ الشافعيِّ، وطائفةٌ مِن أصول أصحاب مالكٍ وأحمد تبني على هذا الأصلِ، [انظر: «القواعد النورانية الفقهية» لابن تيمية (٢٥٦)].

(٧٧) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٢٥). وقد روى الحاكمُ في [«معرفة علوم الحديث» (١٢٨)] عن عبد الوارث بنِ سعيدٍ قال: «قَدِمْتُ مكَّةَ فوَجَدْتُ بها أبا حنيفة وابنَ أبي ليلى وابنَ شبرمة، فسألتُ أبا حنيفةَ فقلت: «ما تقول في رجلٍ باعَ بيعًا وشَرَط شرطًا؟» قال: «البيعُ باطلٌ والشرطُ باطلٌ»، ثمَّ أتيتُ ابنَ أبي ليلى فسألتُه فقال: «البيعُ جائزٌ والشرطُ باطلٌ»، ثمَّ أتيتُ ابنَ شبرمة فسألتُه فقال: «البيعُ جائزٌ والشرطُ جائزٌ»، فقلت: «يا سبحان الله!! ثلاثةٌ مِن فقهاء العراق اختلفتم عليَّ في مسألةٍ واحدةٍ!!!» فأتيتُ أبا حنيفة فأخبرتُه فقال: «ما أدري ما قالا. حدَّثني عمرُو بنُ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه: «أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهَى عن بيعٍ وشرطٍ»؛ البيعُ باطلٌ والشرطُ باطلٌ»، ثمَّ أتيتُ ابنَ أبي ليلى فأخبرتُه فقال: «ما أدري ما قالا. حدَّثني هشامُ بنُ عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «أَمَرَني رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ أشتريَ بريرةَ فأُعْتِقَها»؛ البيعُ جائزٌ والشرطُ باطلٌ»، ثمَّ أتيتُ ابنَ شبرمة فأخبرتُه فقال: «ما أدري ما قالا. حدَّثني مِسْعَرُ بنُ كَدَامٍ عن مُحارِب بنِ دِثارٍ عن جابرٍ قال: «بِعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناقةً وشَرَط لي حُمْلانها إلى المدينة»؛ البيعُ جائزٌ والشرطُ جائزٌ»».

(٧٨) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٤٢).

(٧٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المساقاة» (٥/ ٤٩) بابُ الرجلِ يكون له مَمَرٌّ أو شِرْبٌ في حائطٍ أو في نخلٍ، ومسلمٌ في «البيوع» (١٠/ ١٩١) بابُ مَن باعَ نخلًا عليها ثمرٌ، مِن حديث ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.

(٨٠) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٥١).