في حكم المتاجرة بالعملات الورقية | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الأربعاء 15 شوال 1445 هـ الموافق لـ 24 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١١٥

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - البيوع

في حكم المتاجرة بالعملات الورقية

السؤال:

ما حكم المتاجرة بالعملات الورقية؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ عِلَّةَ العملات الورقية النقدية ـ كعِلَّة الذهب والفضَّة ـ ترجع إلى الثمنية، والأثمانُ ليس لها قيمةٌ ذاتيةٌ مقصودةٌ، وإنما قيمتُها اعتباريةٌ؛ فلا غرضَ في عينها؛ قال أبو حامدٍ الغزَّاليُّ ـ رحمه الله ـ: «وكُلُّ مَنْ عامَلَ مُعامَلةَ الرِّبَا على الدراهم والدنانير فقَدْ كَفَر النعمةَ وظَلَم؛ لأنهما خُلِقَا لغيرهما لا لنفسهما إذ لا غرضَ في عينهما؛ فإذا اتَّجر في عينهما فقَدِ اتَّخذهما مقصودًا على خلافِ وضع الحكمة»(١)؛ فالأوراقُ النقدية ـ إذن ـ مقياسٌ للأموال لا تُقْصَد لعينها، وإنما يُتوسَّل بها إلى السِّلَع وسَدِّ الحاجيات؛ فهي تدخل في باب الوسائل لتحصيل المطالب والمقاصد ولا يُنْتفَعُ بذاتها، وفي هذا المعنى يقول ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «فإنَّ المقصود مِنَ الأثمان أَنْ تكون معيارًا للأموال يُتوسَّل بها إلى معرفة مقادير الأموال، ولا يُقْصَدُ الانتفاعُ بعينها، فمتى بِيعَ بعضُها ببعضٍ إلى أجلٍ قُصِد بها التجارةُ التي تُناقِضُ مقصودَ الثمنية»(٢).

وعليه، فالاتِّجار بما جُعِل ثمنًا للسِّلَع والمبيعات خروجٌ عن الحكمة الموضوعةِ لهما، فضلًا عن إضرار الناس وإفسادِ معاملاتهم، و«الضَّرَرُ يُزَالُ» كما تقرَّر في القواعد؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»(٣)، وفي مَعْرِضِ ذِكْرِ مَفاسِدِ التجارة قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «ويَمْنَع ـ أي: والي الحسبة ـ مِنْ إفسادِ نَقْدِ الناس وتغييرها، ويَمنع مِنْ جعل النقود متجرًا؛ فإنه بذلك يدخل على الناس مِنَ الفساد ما لا يعلمه إلَّا اللهُ، بل الواجب أَنْ تكون النقودُ رؤوسَ أموالٍ يُتَّجَرُ بها ولا يُتَّجَرُ فيها، وإذا حرَّم السلطانُ سكَّةً أو نقدًا مَنَع مِنِ اختلاطه بما أَذِن في المعاملة به»(٤).

أمَّا الأصناف الربوية الأخرى الواردة في حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه(٥) كالبُرِّ والشعير والتمر والملح وما يُلْحَقُ بها فإنَّه يجوز الاتِّجارُ فيها لأنها ليست أثمانًا، وإنما هي عُروضٌ، والعروضُ يجوز الانتفاعُ بعينها، بخلاف الأثمان كما تقدَّم، فإنه يجوز الاتِّجارُ بها ولا يجوز الاتِّجارُ فيها بعملية الصرف إلَّا في حدود الحاجة، وبشرطِ اتِّحاد المجلس إذا اختلفَتْ أجناسُها، وأَنْ يتمَّ الصرفُ بسعرِ يومه وهو السعرُ العامُّ المتعارَفُ عليه غالبًا.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٧ ذي الحجَّة ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧ جـانفي ٢٠٠٦م

 


(١) «إحياء علوم الدين» للغزَّالي (٤/ ٩٢).

(٢) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٤٧١ ـ ٤٧٢).

(٣) أخرجه ابنُ ماجه في «الأحكام» بابُ مَنْ بَنَى في حقِّه ما يضرُّ بجاره (٢٣٤٠) مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه، و(٢٣٤١) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٨٩٦) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٥٠).

(٤) «الطُّرُق الحكمية» لابن القيِّم (٢١٩ ـ ٢٢٠).

(٥) أخرجه مسلمٌ في «المساقاة» (١٥٨٧) مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه.