الجواب على الاعتراض على ثبوتِ أنَّ النَّكرة في سياق النَّفي تفيد العمومَ بالإجماع | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

ذَكَرَ مُعترِضٌ أنَّكم ـ حفظكم الله ـ في «جواب الاعتراض على جهةِ دلالةِ حديثِ وابصةَ وعليِّ بنِ شيبان رضي الله عنهما» قد أثبتُّم النَّكرةَ في سياق النَّفي تفيد العمومَ بالإجماع، مِنْ غيرِ عزوِ الإجماعِ إلى ناقلِهِ ولا...  للمزيد

الفتوى رقم: ١٢٩٦

الصنف: فتاوى الأصول والقواعد ـ أصول الفقه

الجواب على الاعتراض
على ثبوتِ أنَّ النَّكرة في سياق النَّفي تفيد العمومَ بالإجماع

اعتراض:

ذَكَرَ مُعترِضٌ أنَّكم ـ حفظكم الله ـ في «جواب الاعتراض على جهةِ دلالةِ حديثِ وابصةَ وعليِّ بنِ شيبان رضي الله عنهما» قد أثبتُّم النَّكرةَ في سياق النَّفي تفيد العمومَ بالإجماع، مِنْ غيرِ عزوِ الإجماعِ إلى ناقلِهِ ولا إلى مصدره كما يقتضيه البحثُ العلميُّ، والأصلُ أنَّ المسألةَ ـ مِنَ النَّاحيةِ الأصوليةِ ـ مختلَفٌ فيها، ولا شكَّ أنَّ حكايةَ الخلاف تنقض الإجماعَ. فما صِحَّةُ هذا القول؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالَمِين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ المَقصودَ بالإجماعِ في هذه المَسألةِ إنَّما هو إجماعُ الصَّحابةِ رضي الله عنهم، وقد أردفتُهُ في كلامي بعد ذِكْرِ الإجماعِ بقولي: «وهي تفيدُ العمومَ بالإجماع، والمَعلومُ أنَّ الصَّحابةَ رضي الله عنهم كانوا يفهمون العمومَ مِنْ صِيَغِهِ وألفاظِهِ...»، ويُؤيِّدُ ذلك كلامُ الشَّنقيطيِّ ـ رحمه الله ـ فإنَّه بعد أَنْ ذَكَرَ صِيَغَ العمومِ الخمسِ ومنها: النَّكرةُ في سياقِ النَّفي تفيدُ العمومَ، قال: «وخلافُ مَنْ خالف في كُلِّها أو بعضِها كُلُّهُ ضعيفٌ لا يُعوَّلُ عليه، والدَّليلُ على إفادتها العمومَ: إجماعُ الصَّحابة على ذلك»(١)، فمضمونُ كلامِه أنَّ الاختلافَ فيها غيرُ مُعتبَرٍ لِمُخالفتِهِ الإجماعَ القديم، وهذا لا يمنع مِنَ الاختلافِ بعدهم في التَّفاصيل أو في المَسائل الحادثة، كما نقل ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ هذا الإجماعَ وذكَرَ له جُملةً مِنَ الأمثلة عن الصَّحابة رضي الله عنهم أَنَّهم كانوا يفهمون العمومَ مِنْ صِيَغِهِ، فكان ذلك إجماعًا منهم(٢).

ـ أمَّا القولُ بأنَّ «حكاية الخلاف ينقض الإجماعَ» فهو غيرُ سائغٍ، فإنَّ هذه الجُملةَ إِنَّما يُؤتَى بها عندما يكون الخلافُ قائمًا في عصر المُجمِعين مِنْ غير الصَّحابة رضي الله عنهم، والمَعلومُ أَنَّ أقوالَ الصَّحابةِ وفَهْمَهم للُّغةِ العربيَّةِ وفَهْمَهم لصِيَغِهَا لم يُعرَف لهم في ذلك مخالفٌ مِنْ مُعاصِريهم مِنَ الصَّحابة رضي الله عنهم ومَنْ بلَغَ الاجتهادَ في زمنهم مِنَ التابعين، فصار إجماعًا وحُجَّةً عند جماهير الفقهاء(٣)، والواجبُ ـ والحالُ هذه ـ اتِّباعُ ما عليه الصَّحابةُ رضي الله عنهم مِنْ إجماعٍ واختلافٍ، فلذلك بَوَّبَ الخطيبُ البغداديُّ ـ رحمه الله ـ: «بابُ القولِ في أَنَّه يجب اتِّباعُ ما سَنَّهُ أئمَّةُ السَّلَفِ مِنَ الإجماعِ والخلافِ، وأنَّه لا يجوز الخروجُ عنه»(٤).

علمًا أنَّ إجماعَ الصَّحابةِ رضي الله عنهم كان سابقًا على الاختلاف، وأهلُ الاختلاف هم محجوجون به، ولهذا لم يَعتدَّ الشَّنقيطيُّ ـ رحمه الله ـ بخلافِ مَنْ خالف واعتبرَه ضعيفًا لا يُعَوَّلُ عليه.

هذا، وعلى فرض انتفاءِ الإجماعِ فلا يخفى أنَّ القولَ الرَّاجحَ المُعوَّلَ عليه هو أنَّ النَّكرةَ في سياقِ النَّفي تعمُّ، وأنَّها مِنَ النصِّ الصَّريحِ ـ وهو مذهبُ جمهورِ الأصوليِّين والفقهاءِ وأهلِ التَّحقيق ـ وإذا عُلِمَ هذا الحُكمُ بالإجماعِ أو بالرَّاجحِ المُتَّفَقِ عليه بين المُتناظِرَيْن، وما دام الظَّنُّ بالمُعترِض أنه لا يخالفنا في هذا فلا يَلْزَمُ ـ في ذلك ـ اتِّباعُ خطواتِ البحثِ العلميِّ الأكاديميِّ، سواءٌ كان المَقامُ مَقامَ ردٍّ على المخالفِ لإبطالِ شبهاتِه، أو مقامَ مُحاورةٍ ومُناظرةٍ بغيةَ الوصول إلى المقصود الشرعيِّ وهو الحقُّ بدليله، هذا مِنْ جهةٍ، ولا داعِيَ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ لتضخيمِ المسألةِ وإعطائِها حجمًا فوق حجمها، لأنَّ هذا الصَّنيعَ ـ غالبًا ـ ما يفتحُ بابَ الهوى ويَبتعدُ عن التَّقوى، ويُنافي المقصودَ الشَّرعيَّ والطَّريقَ المُثلى.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالَمِين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١ ذي القَعدة ١٤٤٣هـ
المـوافق ﻟ: ١ جـــــــوان ٢٠٢٢م



(١) «المذكِّرة» للشنقيطي (٢٠٦ ـ ٢٠٧).

(٢) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ١٦ وما بعدها).

(٣) انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٤/ ١٢٠).

(٤) «الفقيه والمتفقِّه» للخطيب البغدادي (١/ ٤٣٥).