في ضوابط قاعدةِ «الضروراتُ تُبيحُ المحظوراتِ» | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٦٤٣

الصنف: فتاوى الأصول والقواعد - أصول الفقه

في ضوابط قاعدةِ: «الضروراتُ تُبيحُ المحظوراتِ»

السؤال:

ما هي ضوابطُ الضرورةِ التي تُبيحُ المحظورَ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالضرورةُ هي الحالةُ التي تَطْرَأُ على العبد مِنَ الخطر والمَشَقَّةِ الشديدةِ بحيث يخاف حدوثَ ضَرَرٍ أو أذًى يَلْحَقُ بنفسه أو بعُضْوٍ مِنْ أعضائه أو بعِرْضه أو بعقله أو بمالِه، أي: إذا لم تُرَاعَ خِيفَ أَنْ تضيع مَصالِحُه الضروريةُ؛ لأنَّ الضرورةَ ذاتُ صِلَةٍ مُباشِرةٍ بالضرر الذي الأصلُ فيه التحريمُ؛ فيجوز للمضطرِّ الإقدامُ على الممنوع ـ شرعًا ـ كارتكاب الحرام أو تركِ واجبٍ أو تأخيرِه عن وقته؛ دفعًا للضرر عنه في غالِبِ ظنِّه، ضِمْنَ قُيُودِ الشرع وضوابِطِه الآتيةِ البيان، ويسقط عنه الإثمُ في حقِّ الله سبحانه دفعًا للحرج عنه، ولكِنْ يبقى تعويضُ حقِّ غيره على ما لَحِقَهم مِنْ ضررٍ قائمًا؛ رفعًا للحرج عنهم.

وقيودُ الشرع وضوابطُهُ تتمثَّل فيما يلي:

أوَّلًا: أَنْ تكون الضرورةُ قائمةً بالفعل لا مُتوهَّمةً ولا مُنْتَظَرةً ولا مُتوقَّعةً؛ لأنَّ التوقُّعَ والتوهُّمَ لا يجوز أَنْ تُبْنى عليهما أحكامُ التخفيف.

ثانيًا: أَنْ تكون الضرورةُ مُلْجِئَةً بحيث يُخْشى تَلَفُ نَفْسٍ أو تضييعُ المَصالِحِ الضرورية وهي حِفْظُ الضرورياتِ الخمسِ: وهي الدِّينُ والنفسُ والمالُ والعقلُ والعِرْضُ.

ثالثًا: أَنْ لا تكون للمُضْطرِّ لدَفْعِ الضرر عنه وسيلةٌ أخرى مِنَ المُباحات إلَّا المُخالَفات الشرعية مِنَ الأوامر والنواهي.

رابعًا: أَنْ يقتصر المُضْطرُّ فيما يُباحُ للضرورة على القَدْرِ اللازم لدَفْعِ الضرر، أي: الحدِّ الأدنى فيه؛ لذلك قُيِّدَتْ قاعدةُ: «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ» بقاعدةٍ مُتفرِّعةٍ: «تُقَدَّرُ الضَّرُورَاتُ بِقَدْرِهَا».

خامسًا: أَنْ يكون وقتُ الترخيصِ للمُضْطرِّ مقيَّدًا بزمنِ بقاءِ العُذر، فإذا زالَ العذرُ زَالَ الترخيصُ والإباحةُ؛ جريًا على قاعدةِ: «إِذَا زَالَ الخَطَرُ عَادَ الحَظْرُ» أو قاعدةِ: «إِذَا زَالَ المَانِعُ عَادَ المَمْنُوعُ» أو قاعدةِ: «مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ».

سادسًا: أَنْ يكون الضررُ في المحظور الذي يَحِلُّ الإقدامُ عليه أَنْقَصَ مِنْ ضررِ حالةِ الضرورة، فإِنْ كان الضررُ في حالةِ الضرورةِ أَنْقَصَ أو يُساويهِ فلا يُباحُ له: كالإكراه على القتل أو الزِّنا: فلا يُباحُ واحدٌ منهما؛ لِمَا فيه مِنَ المَفْسدةِ الراجحة؛ إذ ليس نَفْسُ القاتل وعِرْضُه أَوْلى مِنْ نَفْسِ المقتول وعِرْضِه.

ومِنْ ذلك لا يجوز نَبْشُ قبرِ الميِّت ـ الذي لم يُكفَّن ـ بغَرَض تكفينه؛ لأنَّ مفسدةَ هَتْكِ حُرْمته أَشَدُّ مِنْ مفسدةِ عدمِ تكفينه، الذي قام القبرُ مَقامَه.

سابعًا: أَنْ لا يكون الاضطرارُ سببًا في إسقاطِ حقوق الآدميِّين؛ لأنَّ «الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ»؛ إذ «الضَّرَرُ يُزَالُ بِلَا ضَرَرٍ»، و«لَا يَكُونُ الِاضْطِرَارُ مُبْطِلًا لِحَقِّ الغَيْرِ»؛ فما لَحِقَ الغيرَ مِنْ أضرارٍ يَلْزَمُه تعويضُهم عنها.

ثامنًا: أَنْ لا يُخالِفَ المُضْطرُّ مَبادِئَ الشريعةِ الإسلاميةِ وقواعدَها العامَّةَ مِنَ الحِفاظ على أصولِ العقيدة وتحقيقِ العدل وأداءِ الأمانات؛ فكُلُّ ما خالَفَ قواعدَ الشرعِ فإنه لا أَثَرَ فيه للضرورة؛ لأنَّ المُضْطرَّ يُخالِفُ بعضَ الأحكامِ الشرعيةِ لا قواعدَ الشريعةِ العامَّةَ.

وحتَّى يصحَّ الأخذُ بقاعدةِ: «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ» فلا بُدَّ مِنْ مراعاةِ هذه الشروطِ والقيود؛ لتخطِّي أحكام التحريم والإيجاب بسببها.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٥ مِنْ ذي الحجَّة ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ جانفي ٢٠٠٧م