في حكم خروج الحاجِّ إلى جُدَّة من غير طواف الوداع مع نية العودة إلى مكة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٧٩٢

الصنـف: فتاوى الحج - الطواف والسعي

في حكم خروج الحاجِّ إلى جُدَّة
من غير طواف الوداع مع نية العودة إلى مكة

السؤال:

هل يجب على الحاجِّ طوافُ الوداع بمجرَّد خروجه من مكَّة إلى جُدَّة مثلًا ـ ولو بنيَّة العودة من يومه ـ أم يُؤخِّرُه إلى حين مغادرته النِّهائيَّة؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فطوافُ الوداع في مناسك الحجِّ واجبٌ على أرجحِ قَوْلَيِ العلماء، خلافًا لمالكٍ وداود وأحدِ قَوْلَيِ الشافعيِّ؛ لأمره صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ»(١)، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن النَّفْرِ مِنْ غير طوافٍ في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ»(٢)، ولقوله صلى الله عليه وسلم في صفيَّةَ رضي الله عنها: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟»(٣)، والتطوُّعُ لا يحبس أحدًا، ولأنه صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ للحائض أَنْ تنفر مِنْ غير طواف الوداع، فدلَّ إسقاطُه عنها على وجوبه على غيرها؛ لأنَّ الرُّخصة لا تكون إلَّا مِنْ واجبٍ، ويُستثنى ـ أيضًا ـ مِنْ لزوم طواف الوداع: المكِّيُّ والآفاقيُّ إذا استوطن مكَّةَ قولًا واحدًا مُجمَعًا عليه، وكذلك إذا أخَّر الحاجُّ طوافَ الإفاضة فطافَهُ عند الخروج أجزأ عن طواف الوداع.

هذا، والأَوْلَى للحاجِّ إِنْ أراد الخروجَ مِنْ مكَّةَ إلى جُدَّةَ أو إلى أيِّ بلدٍ آخَرَ أَنْ يودِّعَ البيتَ ثمَّ يسافرُ، فإِنْ أراد الرجوعَ إلى مكَّةَ جاز له أَنْ يدخلَها بغير إحرامٍ إِنْ لم يُرِدْ نُسُكًا، وهو الصحيحُ مِنْ أقوال العلماء في مسألة حكم الإحرام لدخول مكَّة، وإنما أَمَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالإهلال لمَنْ أراد الحجَّ والعمرةَ كما في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وفيه: «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ»(٤)، ومفهوم الحديث أَنْ لا إحرامَ يَلزَمه إِنْ دَخَل مَكَّةَ مِنْ غير إرادة النُّسُك، وقد بوَّب له البخاريُّ: «باب دخول الحرم ومكَّة مِنْ غير إحرامٍ»، ويؤيِّد ذلك ما رواه الشيخان أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: «دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأسِهِ مِغْفَرٌ»(٥)، وفي حديثٍ آخَرَ: «وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ»(٦)، قال النوويُّ رحمه الله: «هذا دليلٌ لمَنْ يقول بجواز دخول مكَّةَ بغير إحرامٍ لمَنْ لم يُرِدْ نُسُكًا سواءٌ كان دخولُه لحاجةٍ تكرَّر كالحطَّاب والحشَّاشِ والسقَّاء والصيَّاد وغيرِهم، أم لم تتكرَّر كالتاجر والزائر وغيرِهما، سواءٌ كان آمنًا أو خائفًا، وهذا أصحُّ القولين للشافعيِّ، وبه يُفتي أصحابُه»(٧).

أمَّا إِنْ خَرَج مِنْ مكَّةَ مِنْ غير طواف الوداع بنيَّة العودة فهو مُخالِفٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ»، فإِنْ لم يَعُدْ فيَلزَمه دمٌ في تركِ واجبِ طواف الوداع(٨)، فإِنْ عاد وأدَّاهُ سَقَط عنه الدَّمُ وبرِئَتْ ذِمَّتُهُ ولا شيءَ عليه على أرجح أقوال أهل العلم؛ لأنَّ عمر بنَ الخطَّاب رضي الله عنه: «ردَّ رجلًا مِنْ مَرِّ الظَّهران لم يكن ودَّع البيت حتَّى ودَّع»(٩)، واكتفى بأمره له بالعودة للطَّواف ولم يُوجِبْ عليه دمًا، والأصلُ عدمُ الدَّمِ حتَّى يَرِدَ الشرعُ به، وإنما يجب الدمُ على مَنْ تَرَك نُسُكًا ولم يأتِ به كما في قول ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا»(١٠)، وهو قد أتى به فشأنُه كمَنْ جاوز الميقاتَ ـ وهو يريد النُّسُكَ ـ مِنْ غير إحرامٍ ثمَّ عاد وأَحرمَ منه سَقَط عنه الدمُ، سواءٌ كان رجوعُه مِنْ بعيدٍ أو مِنْ قريبٍ، ومثلُه ـ أيضًا ـ كمَنْ رَجَع إلى بلده قبل طواف الإفاضة لَزِمه أَنْ يعود للطواف ولا شيءَ عليه.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

الجزائر في: ٢٤ من ذي القعدة ١٤٢٨ﻫ

الموافق ﻟ: ٤ ديسمبر ٢٠٠٧م

 



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ طواف الوداع (١٧٥٥)، ومسلمٌ في «الحج» (١٣٢٨)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٢٧) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الزيارة يومَ النحر (١٧٣٣)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١١)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ مُهَلِّ أهلِ مكَّةَ للحجِّ والعمرة (١٥٢٤)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١١٨١)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ دخول الحَرَمِ ومكَّةَ بغير إحرامٍ (١٨٤٦)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٥٧)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.

(٦) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٥٨) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٧) «شرح مسلم» للنَّووي (٩/ ١٣١).

(٨) ومذهبُ مالكٍ وداود والشَّافعيِّ في أحَدِ قولَيْه أنَّ طواف الوداع سنَّةٌ لا يجب بتركه شيءٌ، [انظر: «التَّفريع» لابن الجلَّاب (١/ ٣٥٦)، «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٥٨٥)].

(٩) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» في «الحجِّ» بابُ وداع البيت (٨٢٤)، والبيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» (٩٧٤٨)، مِنْ حديثِ يحيى بنِ سعيدٍ رحمه الله.

(١٠) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» في «الحجِّ» بابُ ما يفعل مَنْ نسيَ مِنْ نُسُكِه شيئًا (٩٤٠)، والبيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» (٨٩٢٥)، عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما موقوفًا عنه، ورُوِي مرفوعًا ولا يصحُّ، انظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن (٦/ ٩١)، «التَّلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ٤٦٧)، «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ٢٩٩).