في صِحَّةِ احتجاج ابنِ حزمٍ برسالة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم إلى هِرَقْلَ على مسِّ المصحف | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٨٣٢

الصنف: فتاوى الطهارة - الغُسل

في صِحَّةِ احتجاج ابنِ حزمٍ برسالة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم
إلى هِرَقْلَ على مسِّ المصحف

السؤال:

هل يصحُّ احتجاجُ ابنِ حزمٍ ـ رحمه الله ـ برسالة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى هِرَقْلَ عظيمِ الروم وما حَوَتْهُ مِنَ الذِّكر ولفظِ الجلالة وتضمُّنِها لآيةٍ مِنَ القرآن الكريم مِنْ قوله تعالى: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ﴾ إلى قوله: ﴿مُسۡلِمُونَ ٦٤[آل عمران]، وقد أيقن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ النصارى يَمَسُّون ذلك الكتابَ؟ أفيدونا جزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فجوابُه: أنَّه يَرِدُ ـ أيضًا ـ على مَنْ حَمَل «الطَّاهرَ» على مَنْ ليس بمشركٍ؛ فمعلومٌ أنَّ النصارى يجمعون بين نجاسةِ الشرك والإجناب، ويقع اللَّمسُ منهم للقرآن، وهو حُجَّةٌ عليه.

ومِنْ جهةٍ أخرى، فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يأمر حامِلَ كتابِه هذا بالمحافَظةِ على الطهارة لأجلِ المَشَقَّةِ الحاصلة، وكذلك أجاز تمكينَ المشركِ مِنْ مَسِّ ذلك المقدارِ للمصلحة الدعوية العاجلة كدعائه إلى الإسلام؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَسْرِ ثُمامةَ بنِ أُثالٍ رضي الله عنه ورَبْطِه بساريةِ المسجد قبل إسلامه(١)، وما وَرَدَ مِنْ إنزالِه صلَّى الله عليه وسلَّم وَفْدَ ثَقِيفٍ في المسجد قبل إسلامهم، وبنائه لهم فيه خيامًا، ومُكْثِهم فيه أيَّامًا عديدةً ليسمعوا القرآنَ ويَرَوُا الناسَ إذا صَلَّوْا، وهو صلَّى الله عليه وسلَّم يَدْعوهم إلى الإسلام(٢). وهذا في حالةِ التسليم بأنَّه لا يجوز مَسُّ ما كُتِبَ فيه القرآنُ ولو مع اختلاطه بغيره.

ولكنَّ الصحيح في المسألة أَنَّه لا يَحْرُمُ مَسُّه حالَ اختلاطه بغيره ككُتُبِ التفسير لأنَّها تُعتبَرُ تفسيرًا؛ إذ الآياتُ التي فيها: أقلُّ مِنَ التفسير الذي يَقترِنُ بها، والحكمُ للأكثر؛ عملًا بقاعدةِ أنَّ «مُعْظَمَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ»، ويُستدَلُّ لهذا بكتابةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للكُفَّار الكُتُبَ وفيها آياتٌ مِنَ القرآن الكريم(٣).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ مِنَ المحرَّم ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣/ ٠٢/ ٢٠٠٨م

 


(١)      مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الاغتسال إذا أَسْلَمَ، وربطِ الأسير ـ أيضًا ـ في المسجد (٤٦٢)، ومسلمٌ في «الجهاد والسِّيَر» (١٧٦٤)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) انظر الحديثَ الذي أخرجه أبو داود في «الخَرَاجِ والإمارة» بابُ ما جاء في خَبَرِ الطائف (٣٠٢٦)، وأحمد (١٧٩١٣)، عن عثمانَ بنِ أبي العاص رضي الله عنه. وضعَّفه الألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» (٤٣١٩).

(٣) وفي حالةِ اجتماع التفسير والقرآن وتَساويهما مِنْ غيرِ تمييزٍ فالأظهرُ القولُ بالمنع؛ عملًا بقاعدةِ: «تقديمِ الحاظر على المبيح».