Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م



الموقف الوسط من اجتهادات العلماء واختلافهم

قال ابنُ القيِّمِ ـ رحمه الله ـ: «لا قولَ مع قولِ الله وقولِ الرسول، ولا بُدَّ من أمرين أحدُهما أعظمُ من الآخَرِ، وهو النصيحةُ لله ولرسوله وكتابِه ودينِه، وتنزيهُه عن الأقوال الباطلةِ المناقِضَةِ لِما بعث اللهُ به رسولَه من الهدى والبيِّناتِ التي هي خلافُ الحكمةِ والمصلحةِ والرحمةِ والعدلِ وبيانُ نفيِها عنِ الدِّينِ وإخراجِها منه وإن أدخلها فيه من أدخلها بنوعِ تأويلٍ.

والثاني: معرفةُ فضلِ أئمَّة الإسلام ومقاديرِهم وحقوقِهم ومراتبِهم وأنَّ فضْلَهم وعلْمَهم ونصْحَهم لله ورسولِه لا يُوجِبُ قَبولَ كلِّ ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائلِ التي خَفِيَ عليهم فيها ما جاء به الرسولُ فقالوا بمبلغِ علْمِهم والحقُّ في خلافِها لا يُوجِبُ اطِّراحَ أقوالِهم جملةً وتنقُّصَهم والوقيعةَ فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصدِ، وقصدُ السبيلِ بينهما، فلا نُؤَثِّمُ ولا نُعَصِّمُ، ولا نسلك بهم مسلكَ الرافضةِ في عليٍّ، ولا مسلكَهم في الشيخينِ، بل نسلك مسلكَهم أنفُسَهم فيمن قبلهم من الصحابة، فإنهم لا يؤثِّمونهم ولا يعصِّمونهم، ولا يقبلون كلَّ أقوالهم ولا يُهدرونها، فكيف يُنكرون علينا في الأئمَّةِ الأربعةِ مسلكًا يسلكونه هم في الخلفاءِ الأربعةِ وسائرِ الصحابةِ؟! ولا منافاةَ بين هذين الأمرين لمن شرح اللهُ صدرَه للإسلامِ، وإنما يتنافيان عند أحدِ رجلين: جاهلٍ بمقدارِ الأئمَّةِ وفضلِهم، أو جاهلٍ بحقيقةِ الشريعةِ التي بعث اللهُ بها رسولَه، ومن له علمٌ بالشرعِ والواقعِ يعلم قطعًا أنَّ الرجلَ الجليلَ الذي له في الإسلامِ قَدَمٌ صالِحٌ وآثارٌ حسنةٌ وهو من الإسلامِ وأهلِه بمكانٍ، قد تكون منه الهَفْوَةُ والزَّلَّةُ، هو فيها معذورٌ، بل مأجورٌ لاجتهادِه، فلا يجوز أن يُتَّبَعَ فيها، ولا يجوز أن تُهْدَرَ مكانتُه وإمامتُه ومَنْزلتُه في قلوبِ المسلمين».

[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٣/ ٢٨٢ ـ ٢٨٣)]