فصل [في اشتراط اتفاق جميع المجتهدين لصحة الإجماع] | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م



فصل
[في اشتراط اتفاق جميع المجتهدين لصحة الإجماع]

• قال الباجي في [ص ٢٧٧]:

«لاَ يَنْعِقِدُ الإِجْمَاعُ إِلاَّ باتِّفَاقِ جَمِيعِ العُلَمَاءِ، فَإِنْ شَذَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَمْ يَنْعِقِدْ إِجْمَاعٌ، وَذَهَبَ ابنُ خُوَيْزَ مِنْدَادٍ إِلَى أَنَّ الوَاحِدَ وَالاثْنَيْنِ لاَ يُعْتَدُّ بهِمْ».

[م] وما عليه مذهبُ جمهور الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة عدم انعقاد الإجماع مع مخالفة مجتهدٍ يُعتدُّ بقولِهِ، وهو أصحُّ الروايتين عن الإمام أحمدَ، وإليه مال الشيرازيُّ والغزاليُّ والفخرُ الرازي والآمديُّ، خلافًا لمن يرى أنَّ الواحد والاثنين لا اعتداد بهما في المخالفة، وإلى هذا الرأي ذهب ابن جرير الطبريُّ وأبو بكر الرازي الحنفي(١) وابنُ خُوَيْزَ مِنْدَادٍ المالكيُّ وابنُ حمدان(٢) الحنبلي وأبو الحسين الخياط(٣) المعتزلي(٤)، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد، وفي هذه المسألة اجتهادات أخرى(٥).

والصحيحُ من الأقوال مذهبُ الجمهور؛ لأنَّ لفظ «المؤمنين» في قوله تعالى: ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ[النساء: ١١٥]، ولفظ «الأُمّة» في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ»(٦) عامَّان في الجميع؛ ولأنَّ العِصْمَةَ عن الخطإ إنما تكون بجميع الأُمَّة لا بأكثرها، ويدلُّ على عدم صِحَّة الإجماع في اتفاق الأكثر ما وقع في زمن الصحابة رضي الله عنهم مثل مخالفة ابن عباس رضي الله عنهما لمعظم الصحابة في مسألة الجدِّ والإخوة، ومسألة العول، ومخالفة ابن مسعود رضي الله عنه لأكثر الصحابة في بعض مسائل المواريث، ومخالفة ابن عمر رضي الله عنهما في بعض مسائل الوضوء، والصلاة في الأماكن التي صَلَّى فيها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم موافقة، ومخالفة زيد بن أرقم لأكثر الصحابة في مسألة بيع العينة(٧) وغيرِها، فلو كان اتفاق الأكثر يُعَدُّ إجماعًا لَلَزِمَ الأقلَّ أو الواحدَ أن يعمل بذلك الإجماع ويتركَ اجتهادَه له، ولأنكروا مخالفتَه له.

هذا، ومن آثار هذه المسألة عدم جواز مخالفة الرأي الذي اتفق عليه الأكثر، وإلزام المكلَّف المقلِّد به، لعدم الاعتداد بمخالفة الواحد والاثنين في صِحَّة الإجماع، وهو مذهب ابنِ خويز منداد وغيرِه، أمَّا على مذهب الجمهور فلا يُسمَّى هذا الاتفاق إجماعًا وبالتالي تجوز مخالفته.

 



(١) هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي البغدادي الإمام المعروف بالجصاص، كان إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته، له مصنفات كثيرة، منها: «أحكام القرآن»، «شرح الأسماء الحسنى»، وشرح «الجامع» لمحمّد بن الحسن، و«شرح مختصر الكرخي»، وغيرها، توفي ببغداد سنة (٣٧٠ﻫ).

انظر ترجمته في: «الجواهر المضيئة للقرشي» (١/ ٨٤)، «طبقات المفسرين» للداودي (١/ ٥٦)، «طبقات المفسرين» للسيوطي (٥)، «الفوائد البهية» للكنوي (٢٧)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٧١).

(٢) هو أبو عبد الله نجم الدين أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان الحراني الحنبلي الفقيه الأصولي الأديب، صاحب التصانيف النافعة، منها: «نهاية المبتدئين» في أصول الفقه، و«المقنع» في أصول الفقه، و«الرعاية الكبرى»، و«الرعاية الصغرى» في الفقه، و«صفة المفتي والمستفتي». توفي سنة (٦٩٥ﻫ).

انظر ترجمته في: «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (٢/ ٢٣١)، «دول الإسلام» للذهبي (٢/ ١٩٨)، «المنهل الصافي» للأتابكي (١/ ٢٧٢)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ٤٢٨).

(٣) هو أبو الحسين عبد الرحيم بن محمّد بن عثمان الخياط، شيخ المعتزلة البغداديين وهو من نظراء الجُبَّائي، صنف كتاب «الاستدلال»، ونقض كتاب ابن الراوندي في فضائح المعتزلة وغيرها، توفي في القرن الرابع الهجري.

انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (١١/ ٨٧)، «طبقات المعتزلة» لابن المرتضى (٨٥)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٤/ ٢٢٠)، «لسان الميزان» لابن حجر (٤/ ٨).

(٤) نقل عنه هذا الرأي أبو الحسين البصري المعتزلي في «المعتمد» (٢/ ٤٨٦)، والآمدي في «الأحكام» (١/ ١٧٤).

(٥) انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (٢٧٨).

(٦) تقدم تخريجه، انظر: الرابط.

(٧) صورة بيع العِينة: أن يبيعَ رجلٌ سلعةً بثمنٍ (كمائة دينار) إلى أجلٍ معلوم كشهر، ثمَّ يبيع المشتري نفسَ السلعةِ إلى بائعها الأوَّل في الحالِ بأقلَّ من الثمن الذي باعها به (خمسون دينارًا مثلًا) وفي نهاية الأجل المحدَّد لدفع الثمن في العقد الأوَّل يدفع المشتري كاملَ الثمن، ويكون الفرق بين الثمنين لصاحب المتاع الذي باع بيعًا صُوريًّا، وللعلماء في تحريم هذه المعاملة وتجويزها قولان. [انظر هذه المسألة مفصَّلة في «مختارات من نصوص حديثية في فقه المعاملات المالية» للمؤلف (٢٤١)].

الزوار