فصل [الاختلاف في تناول لفظ الجمع المذكر للنساء] | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



فصل
[الاختلاف في تناول لفظ الجمع المذكر للنساء]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص ١٩٣]:

«إِذَا وَرَدَ لَفْظُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ جَمَاعَةُ المُؤَنَّثِ إِلاَّ بدَلِيلٍ، لأَنَّ لِكُلِّ طَائِفَةٍ لَفْظًا يَخْتَصُّ بهِ فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ[الأحزاب: ٣٥]».

[م] لا خلاف بين العلماء في عدم دخول كلِّ واحد من المذكَّر والمؤنث في الجمع المختصّ به أحدهما كلفظ «الرجال» للمذكر، فإنَّ النساء لا يدخلن فيه اتفاقًا، أو لفظ «النساء» للمؤنث فإنَّ الرجال لا يدخلون فيه اتفاقًا، ولا خلاف في دخولهما في الجمع الذي لم تذكر فيه علامة التذكير ولا التأنيث كالبشر والناس، فإنَّ لفظ الجمع بهذا المعنى يتناول الذكور والإناث لغةً ووضعًا بالاتفاق، ومن هذا القبيل ـ أيضًا ـ أسماء الشرط والاستفهام التي لا تظهر فيها علامة التذكير والتأنيث، فإنَّ لفظ الجمع فيها يتناول الذكور والإناث بالاتفاق، وإنما الخلاف في هذه المسألة واقع في الجمع الذي ظهرت فيه علامة التذكير كالجمع بالواو والنون نحو: «مسلمون» و«مؤمنون»، أو الجمع بضمير الجمع نحو: «عملوا» و«جاهدوا» و«كلوا» و«اشربوا»، فهل هذا الجمع يتناول الإناث ؟ فالمصنِّف اختار مذهبَ القائلين أنَّ جماعة المؤنَّث لا يدخلن في الجمع الذي تبيَّنت فيه علامة التذكير إلَّا بدليل خارجي وهو مذهب جمهور الحنفية وبعض المالكية كالباقلاني وأكثر الشافعية وبعض الحنابلة كالطوفي(١)، وممَّا استدلَّ لهم المصنِّف أنَّ الله تعالى في الآية السابقة خصّ الذكور بخطاب والإناث بخطاب آخر، ولما حرص على تخصيصهنَّ بألفاظ مميَّزة دلَّ ذلك على عدم دخولهنَّ في الخطابات التي ظهرت علامة التذكير فيها إلَّا بقرينة أو دليل.

وقد أجيب عن هذا الدليل بأنَّ تخصيص الإناث بألفاظ ونون النسوة إنما هو للبيان والإيضاح والتأكيد عليهنَّ، وهذا لا يلزم عدم دخولهنَّ في اللفظ العامِّ، إذ قد يجيء لفظ عامٌّ شاملٌ للأعيان مع أنه يخصُّ بعض الأفراد بالذكر، كما يعطف الخاصّ على العامّ لمزيد اهتمام وتأكيد مثل قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ[البقرة: ٩٨] فإن تخصيص جبريل وميكال عليهما السلام بالذِّكر لا يلزم عدم دخولهما في لفظ «الملائكة» و«الرسل» فهما لفظان شاملان لكلِّ الملائكة والرسل، وكذلك لفظ «المسلمين» شامل للذكور والإناث، لكن لما عطف عليه لفظ «المسلمات» كان ذلك زيادة في التأكيد وتخصيصًا للشيء بالذِّكر.

هذا، ولعلَّ أصحَّ المذهبين قول القائلين بدخول النساء في الجمع الذي تبيّنت فيه علامة التذكير، سواء بالجمع بالواو والنون، أو الجمع بضمير الجمع، وهو ما عليه أكثر الحنابلة، وبعض الشافعية والمالكية، وهو رواية عن الإمام أحمد، ودليل صحّته انعقاد الإجماع على أنّ النساء يدخلن في الصيغة الخاصّة بالذكور في جميع خطابات الشرع العامَّة، وأكثر أوامره ونواهيه مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ[البقرة: ٤٣]، وقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا[الأعراف: ٣١]، وقوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ[سورة البقرة: ٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا[الإسراء: ٣٢]، فلو كانت صيغ هذه الأحكام والخطابات خاصّة بالذكور لما تعدَّى إلى الإناث، فدلَّ ذلك على دخولهنَّ في الجمع الذي ظهرت فيه علامة التذكير، ويؤيِّد ذلك أيضًا أنَّ المألوف عند العرب في خطاباتهم تغليب التذكير على التأنيث في حالة اجتماع الذكور والإناث ولو كان الذكر واحدًا، وقد وقع مثل هذا في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا[البقرة: ٣٨]، فكان الخطاب واردًا على «آدم» و«حواء» و«إبليس»، ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ»(٢)، فسمَّى الإقامةَ أذانًا من باب تغليب التذكير لشرفه، ومثله قوله تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ[النساء: ١١]، فغلب جانب الأب على الأمِّ، والأمثلة على قاعدة التغليب المعتادة عند العرب متكاثرة(٣)، وهي معمول بها في خطاباتهم وكلامهم، والقرآن الكريم إنما نزل بلغة العرب فدلَّ ذلك على أنَّ النساء يدخلن في الجمع الذي تبيَّنت فيه علامة التذكير ولا يخرجن إلَّا بدليل؛ ولأنَّ النساء شقائقُ الرجال ولا يخرجن من الخطاب الإلهي إلَّا بدليل.

هذا، ومن فروع هذه المسألة الاختلاف في:

ـ صحَّة دعاء المرأة بالجمع المذكَّر كأن تقول: «وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ»، «وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ»، فعلى من يرى دخولها في الجمع المذكَّر قال: يكفيها أن تقول ذلك بخلاف من منع ذلك إلَّا بدليل.

ـ ومن هذا القبيل الوصية والعطية، فمن قال لجمعٍ من الرجال والنساء: «وهبتكم عقاري» أو «لكم ثلث مالي بعد وفاتي» فعلى من يدخل النساء في خطاب الرجال بالجمع المذكَّر قال: يشاركن الرجالَ في العطية والوصية، وعلى المذهب الآخر الذي ارتضاه المصنِّف فلازمه أنَّ النساء لا حقَّ لهنَّ في العطية والوصية لافتقار الدليل الخارجي.

 



(١) انظر تفصيل الخلاف في المصادر المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» (١٩٤).

(٢) أخرجه البخاري (٢/ ١١٠)، ومسلم (٦/ ١٢٤)، وأبو داود (٢/ ٦٠)، والترمذي (١/ ٣٥١)، والنسائي (٢/ ٢٨)، وابن ماجه (١/ ٣٦٨) من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.

(٣) قال الخطابي في «معالم السنن» (٢/ ٦٠): «أراد بأذانين: الأذان والإقامة حمل أحد الاسمين على الآخر، والعرب تفعل ذلك كقولهم: الأسودين للتمر والماء، وإنما الأسود أحدهما، وكقولهم: سيرة العمرين يريد أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وإنما فعلوا ذلك لأنَّه أخفّ على اللسان من أن يثبتوا كلّ اسم منهما على حدته ويذكروه بخاصِّ صفته».

الزوار