الفتوى رقم: ٩٧٠

الصنف: فتاوى متنوِّعة - الآداب

في حكم تقبيل الرأس واليد

السؤال:

ما حكم تقبيل رأس الكبير في السِّنِّ كالجدِّ والجدَّة ونحوِهما؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فيجوز تقبيلُ الرأسِ واليدِ والجبهة على وجه الاحترام والإكرام؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَآهَا [أي: ابنتَه فاطمة رضي الله عنها] قَدْ أَقْبَلَتْ رَحَّبَ بِهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَا حَتَّى يُجْلِسَهَا في مَكَانِهِ، وَكَانَت إِذَا أَتَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَّبَتْ بِهِ، ثُمَّ قَامَتْ إِلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ، وَأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَرَحَّبَ وَقَبَّلَهَا»(١)، وعن أبي جُحَيفة رضي الله عنه قال: «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ، تَلَقَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَانَقَهُ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ»(٢)، وفي حديثِ أنسٍ رضي الله عنه قال: «فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ»(٣)، وثَبَتَ مِنْ حديثِ عائشةَ رضي الله عنها: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم«كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ»(٤)، وقد ثَبَتَ عن السلف العدلُ بين أولادهم في القُبَل، كما ثَبَتَ عنهم تقبيلُ اليد، فعن عبد الرحمن بنِ رَزينٍ قال: «مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ، فَقِيلَ لَنَا: «هَاهُنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ»، فَأَتَيْتُهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ يَدَيهِ فَقَالَ: «بَايَعْتُ بِهَاتَينِ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَأَخْرَجَ كَفًّا لَهُ ضَخْمَةً كَأَنَّهَا كَفُّ بَعِيرٍ، فَقُمْنَا إِلَيْهَا فَقَبَّلْنَاهَا»(٥)، وفي الباب أحاديثُ وآثارٌ كثيرةٌ.

هذا، وإذا كان تقبيلُ الرأسِ واليد جائزًا فلا ينبغي أَنْ يكون على وجه الاستمرار والدوام خشيةَ أَنْ تُعطَّلَ به سُنَّةُ المُصافَحةِ الثابتةِ مشروعيتُها بقوله وفِعْلِه صلَّى الله عليه وسلَّم وفعلِ أصحابه رضي الله عنهم، حيث إنهم كَانُوا«إِذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا، وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا»(٦)، فضلًا عن أنَّ المُصافَحةَ سببٌ شرعيٌّ لتكفيرِ ذنوب المُتصافِحَيْن وتساقُطِ خطاياهما، والحريصُ لا يُفوِّتُ مِثْلَ هذه المصلحةِ الشرعية، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ المُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ؛ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ»(٧).

ويجدر التنبيهُ على مسألتين:

الأولى: بخصوص حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه المتعلِّقِ بتقبيل اليد: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَهْ، إنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا الأَعَاجِمُ بِمُلُوكِهَا، وَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، وإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ»(٨)، فهو حديثٌ موضوعٌ، لا يقوى على مُعارَضةِ الأحاديث الصحيحة.

والثانية: لا رخصةَ في تقبيل الفم ـ كما تفعله الشيعةُ وغيرُها ـ ويُكْرَهُ ذلك لعدَمِ نقلِ هذا الفعلِ عن السلف الصالح، قال البغويُّ ـ رحمه الله ـ: «ومَنْ قَبَّل فلا يُقبِّل الفم، ولكِنِ اليدَ والرأس والجبهة»(٩)، وجاء في «الآداب الشرعية» لابن مُفْلِحٍ بيانُ وجهِ الكراهة بقوله: «ويُكْرَهُ تقبيلُ الفم؛ لأنه قلَّ أَنْ يَقَعَ كرامةً»(١٠).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٧ المحرَّم ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٤ جانفي ٢٠٠٩م

 


(١) أخرجه البخاريُّ في «الأدب المفرد» (٩٤٧)، وأبو داود في «الأدب»بابُ ما جاء في القيام (٥٢١٧)، والترمذيُّ في «المناقب»بابُ ما جاء في فضلِ فاطمةرضي الله عنها (٣٨٧٢)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. والحديث جوَّد إسنادَه الألبانيُّ في «المشكاة» (٤٦٨٩) وصحَّحه في «صحيح الأدب المفرد»(٧٢٩/ ٩٤٧)، وحسَّنه الوادعيُّ في «الصحيح المسند» (١٥٩١)، وأصلُه في الصحيحين دون مَحَلِّ الشاهد.

(٢) أخرجه الطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (١٤٧٠) مِنْ حديثِ أبي جُحَيْفة رضي الله عنه، ورواه أبو داود في «الأدب»بابٌ في قُبْلةِ ما بين العينين (٥٢٢٠)، عن الشعبيِّ مُرْسَلًا. والحديث جوَّد إسنادَه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٦/ ٣٣٥) عند الحديث رقم: (٢٦٥٧).

(٣) أخرجه البخاريُّ في «الجنائز» بابُ قول النبيِّ: «إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» (١٣٠٣) مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.

(٤) أخرجه البخاريُّ في «الجنائز» باب الدخول على الميِّت بعد الموت إذا أُدْرِجَ في أكفانه (١٢٤١) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٥) أخرجه البخاريُّ في «الأدب المفرد» (٩٧٣). والأثر حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الأدب المفرد» (٧٥١).

(٦) أخرجه الطبرانيُّ في «المعجم الأوسط» (١/ ٣٧) رقم: (٩٧) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه. قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٨/ ٧٥): «رواه الطبرانيُّ في «الأوسط»، ورجالُه رجالُ الصحيح»، وقال الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٦/ ٣٠٣) رقم: (٢٦٤٧): «فالإسناد جيِّدٌ».

(٧) أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (١/ ٨٤) رقم: (٢٤٥)، والبيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» (٨٥٥١)، مِنْ حديثِ حُذَيْفةَ بنِ اليَمان رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢٦٩٢).

(٨) أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (٦/ ٣٤٩) رقم: (٦٥٩٤)، وأبو يعلى في «المسند» (٦١٦٢)، والبيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» (٥٨٣٠). قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٥/ ٢١٢): «وفيه يوسف بنُ زيادٍ البصريُّ وهو ضعيفٌ»، وحَكَمَ عليه الألبانيُّ بالوضع في «السلسلة الضعيفة»(١/ ٢٠٤) و(٢/ ٤٤).

(٩) «شرح السنَّة»للبغوي (١٢/ ٢٩٣).

(١٠) «الآداب الشرعية» لابن مُفْلِح (٢/ ٢٧٥).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)