الفتوى رقم: ٨٠٨

الصنـف: فتاوى الحديث وعلومه

في معنى قولِه صلى الله عليه وسلم: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»

السؤال:

ما المقصودُ من حديث: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»(١)؟ وهل تكفي النيةُ قبل الشُّرب أم لا بدَّ من التلفُّظ بالدعاء؟ أثابكم الله، وبارك في عِلمكم وعُمْركم.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فالمرادُ بقوله صلى الله عليه وسلم: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» هو حصولُ بَرَكةِ ماءِ زمزمَ بحَسَبِ نيَّة الشارب له، فإِنْ شَرِبَه للشِّبَع به أَشبعَه اللهُ، وإِنْ شَرِبه للاستشفاء به شَفَاهُ اللهُ، وإِنْ شَرِبه مُستعيذًا اللهَ أعاذه اللهُ، وهكذا، باستحضار نيَّاتٍ صالحةٍ عند شُرْبه ليحصل لأصحابها ما يَنْوُونَه بفضل الله عزَّ وجلَّ الذي يُؤتِيه مَنْ يشاء، واللهُ ذو الفضل العظيم.

قال المناويُّ رحمه الله عند شرحه ﻟ: «شِفَاءُ سُقْمٍ»: «أي: شفاءٌ مِنَ الأمراض إذا شُرِب بنيَّةٍ صالحةٍ رحمانيةٍ»(٢).

وقد وَرَد في بَرَكتها واستحبابِ شُربها أحاديثُ منها: قولُه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ؛ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمِ»(٣)، وقولُه صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ مَاءٍ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ؛ فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ وَشِفَاءٌ مِنَ السُّقْمِ»(٤)، وقد شَرِبَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وتَوَضَّأَ(٥).

أمَّا التلفُّظ بالدعاء ـ ففي حدود علمي ـ لم يَثْبُت في ذلك شيءٌ، أمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه كان إذا شَرِب ماءَ زمزمَ قال: «اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ»(٦) فضعيفٌ لا يصحُّ، ولكِنْ لا يمنع مِنَ الشرب منه بنيَّة العلم النافع والرزق الواسع والشفاء مِنْ كُلِّ داءٍ(٧).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

الجزائر في: ٣٠ من ذي القعدة ١٤٢٨ﻫ

الموافق ﻟ: ١٠ ديسمبر ٢٠٠٧م

 



(١) أخرجه ابنُ ماجه في «المناسك» باب الشرب مِنْ زمزم (٣٠٦٢) مِنْ حديثِ جابر ابنِ عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه المنذريُّ في «الترغيب والترهيب» (٢/ ١٣٦)، وابنُ القيِّم في «زاد المَعاد» (٤/ ٣٦٠)، وصحَّحه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (١١٢٣).

(٢) «فيض القدير» للمناوي (٣/ ٤٨٩).

(٣) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٩٦٥٩)، وهو في مسلمٍ دون قوله: «وشفاءُ سُقْمٍ» في «فضائل الصحابة» (٢٤٧٣)، مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه المنذريُّ في «الترغيب والترهيب» (٢/ ١٣٥)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٤٣٥).

(٤) أخرجه الطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (١١/ ٩٨) وفي «الأوسط» (٤/ ١٧٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. قال ابنُ حجرٍ: «رُوَاتُه موثوقون، وفي بعضهم مَقالٌ، لكنَّه قويٌّ في المتابعات» انظر: «فيض القدير» للمناوي (٣/ ٤٨٩)، وحَسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣/ ٤٥).

(٥) انظر الحديثَ الذي أخرجه عبد الله بنُ الإمام أحمد في «زوائد المسند» (١/ ٧٦) رقم: (٥٦٥)، مِنْ حديثِ عليٍّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٢/ ١٩)، وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ٤٥) وفي «تمام المِنَّة» (٤٦).

(٦) أخرجه الدارقطني في «سننه» (١٧٣٩)، والحاكم في «المستدرك» (١٧٣٩) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث ضعيفٌ، انظر: «الإرواء» للألباني (٤/ ٣٣٣).

(٧) هذا، وقد نصَّ العلماء أنَّه يُستحبُّ لِمَن شَرِبَ ماءَ زمزمَ أن يشرَبه بنيَّةٍ صالحةٍ ثمَّ يدعوَ عند شُربه أو بعد فراغه، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ١٤٤): «ويستحبُّ أن يشرب مِن ماء زمزمَ، ويتضلَّع منه، ويدعوَ عند شُربه بما شاءَ من الأدعية ولا يستحبُّ الاغتسال منها».

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)