الفتوى رقم: ١١٦٢

الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية

في أفضل الأنعام في الأضحية

السؤال:

هل تجوز الأضحية بالمعز؟ وما هو الأفضلُ في الأضحية؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا يجزئ في الأضحية إلَّا بهيمةُ الأنعام؛ لقوله تعالى: ﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰم [الحج: ٣٤]، وهي أزواجٌ ثمانيةٌ تصحُّ مِنَ الجنسين(١)، متمثِّلةً في: الجمل والناقة، والثور والبقرة، والكبش والنعجة، والتيس والعنز، ولكِنْ لا يجزئ مِنَ المعز إلَّا الثنيُّ وهو ما له سنةٌ فما فوقه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»(٢)، وأمَّا الجَذَعُ مِنَ المعز فقَدْ نَقَل ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ إجماعَ العلماء على عدمِ إجزائها في الأضحية(٣).

وأفضلُ الضحايا ـ عند الجمهور ـ يظهر على هذا الترتيب: الإبل ثمَّ البقر ثمَّ الغنم، وهذا الأخير على نوعين: الضأن ويليه المعز، وممَّا استدلُّوا به قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، ..»(٤)، وعلَّلوا الأفضليةَ بغلاء الثمن وهي علَّةٌ منصوصةٌ في حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟» قَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»(٥)، ولا يخفى أنَّ الإبل والبقر أعلى ثمنًا وَأكثرُ نفعًا وأكبرُ أجسامًا وأعودُ فائدةً: حُمولةً وطعمًا.

وخالَفَ في ذلك المالكيةُ ورتَّبوا الأفضليةَ على علَّة طِيب اللحم، فكان أفضلُها: الضأنَ ثمَّ البقر ثمَّ الإبل، واستدلُّوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧ [الصافَّات]، أي: بكبشٍ عظيمٍ، ولأنَّ: «النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ..»(٦)، وهو صلَّى الله عليه وسلَّم لا يفعل إلَّا الأفضل.

والظاهر ـ عندي ـ أنَّ مذهب الجمهور أقوى تقديمًا لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على فعلِه، ولأنه ـ بغضِّ النظر عن استدلالهم بالدليل المبيِّن لمَقامِ الأفضلية بين بهيمة الأنعام ـ فقد علَّلوا أفضليةَ الترتيب بعلَّةٍ منصوصٍ عليها، بينما المالكية علَّلوا بعلَّةٍ مُستنبَطةٍ، وما هو مقرَّرٌ ـ أصوليًّا ـ في بابِ قواعدِ الترجيح بالمعاني أنَّ العلَّة المنصوص عليها مقدَّمةٌ على غير المنصوص عليها؛ لأنَّ نصَّ صاحبِ الشرع عليها دليلٌ على صحَّتها وتنبيهٌ على لزوم اتِّباعها، ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد يترك الأفضلَ لبيانِ الجواز أو لِفِعْلِ الأيسر، ولكِنْ يمكن توجيهُ مذهب المالكية على أنَّ المضحِّيَ بالضأن أفضلُ مِنَ الشريك المُقاسِمِ في الإبل أو في البقر، وهو رأيٌ له اعتبارُه ووجاهتُه.

هذا، وإذا كان الأفضلُ في أنواع بهيمة الأنعام ما رتَّبه الجمهورُ، وتقرَّرَتْ صحَّةُ الأضحية مِنَ الجنسين إلَّا أنَّ التضحية بالذَّكَر أفضلُ منها بالأنثى؛ لعمومِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أفضل الرِّقاب: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا».

أمَّا لون الأضحية فأفضلُها البيضاء (العفراء) وهي أفضلُ مِنَ السوداء؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضحَّى بكبشين أملحين، والأملح: الأبيض الخالص البياض(٧)، وإذا كان السوادُ حول عينيها وفمِها وفي رجلَيْها أَشْبَهَتْ أضحيةَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٨)، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «أفضلُها البيضاء ثمَّ الصفراء ثمَّ الغبراء ـ وهي التي لا يصفو بياضُها ـ ثمَّ البلقاء ـ وهي التي بعضُها أبيضُ وبعضها أسودُ ـ ثمَّ السوداء، وأمَّا قولُه في الحديث الآخَرِ: «يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ»(٩) فمعناه أنَّ قوائمه وبطنَه وما حول عينيه أسودُ»(١٠).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر: ١٣ رمضان ١٤٣٤ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ جويلية ٢٠١٣م

 


(١) لقوله تعالى: ﴿ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٤٣وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا[الأنعام: ١٤٣ـ ١٤٤]. هذا، وليس في ترتيب الضأن والمعز قبل الإبل والبقر في الآية تقديم أفضلية لنوعها، وإنما هو أسلوبٌ قرآنيٌّ بديعٌ يتجلَّى فيه الترقِّي من الأدنى إلى الأعلى.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٣) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٣) انظر: «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٢٣/ ١٨٥).

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجمعة» بابُ فضلِ الجمعة (٨٨١)، ومسلمٌ في «الجمعة» (٨٥٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) أخرجه أحمد (٢١٥٠٠)مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١١٠٥)، وفي روايةٍ: «أَعْلَاهَا ثَمَنًا...»: أخرجها البخاريُّ في «العتق» باب: أيُّ الرِّقاب أفضلُ؟ (٢٥١٨)، وفي أخرى: «وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا..»: أخرجها مسلمٌ في «الإيمان» (٨٤).

(٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأضاحي» بابُ وضعِ القدم على صَفْحِ الذبيحة (٥٥٦٤)، ومسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٦)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.

(٧) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١٣/ ١٢٠).

(٨) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٦/ ٣٠٨).

(٩) أخرجه مسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٧) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(١٠) «شرح مسلم» للنووي (١٣/ ١٢٠).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)