الفتوى رقم: ٩٢٠

الصنـف: فتاوى الحدود والديات - الديات

في شرط دية جراح العمد

السـؤال:

ما حكم من اعتدى على غيره بآلة حادَّةٍ ترتَّب عليه جرح على ذراعه وجزء من إبطه؟ وبارك الله فيكم.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فاعلم أنَّ جراح العمد لا تجب فيها القصاص إلاَّ إذا كان ممكنًا، بحيث يكون مساويًا لجراح المجني عليه من غير زيادة ولا نقص، لذلك كانت الخارِصة، وهي: التي تشق الجلد قليلاً، والباضِعة: التي تشقُّ اللحم بعد الجلد، والدَّامِية أو الدامغة: التي تُنْزِل الدم، والمتلاحمة وهي: التي تغوص في اللحم، وغيرها إلاَّ الموضحة: وهي التي تكشف عن العظم، كلَّها لا قصاص فيها لعدم إمكان مراعاة المماثلة والمساواة فيها؛ ذلك لأنَّ المماثلة المشروعة بقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]، وقوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، إذا كانت لا تتحقَّق إلاَّ بمجاوزة القدر أو بمخاطرة أو إضرار فإنَّه لا يجب القصاص فيها، وإنَّما تجب الدِّيَة بشرطها، وشرطها تمام البرء من الجراحة التي أصيب بها المجني عليه، وتُؤمَّن السِّراية، فإذا سرت الجناية إلى أجزاء أخرى من البدن ضمنها الجاني، ودليله حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: «أَنَّ رَجُلاً طَعَنَ رَجُلاً بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَجَاءَ إِلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَأَقَادَهُ، ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَرجْتُ، فَقَالَ صَلَى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَأَبْعَدَكَ اللهُ وَبَطلَ عَرَجُكَ، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ»(١).

وبناءً عليه فإذا برئ وعاد إلى هيئته فليس فيه عقل أو دية؛ لأنَّه لم يحدث شيء للمجني عليه سوى الألم ولا قيمة لمجرَّد الألم لكن عليه أجر الطبيب وثمنُ الدواء ومصاريف النقل، وإذا برء ولم يعد إلى هيئته بحيث ظهر النقص أو العتل فيه بعد البرء فتُقَوَّم ديَّتُه وعقله على حساب ما حدث له من نقص.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٢ رجب ١٤٢٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ أكتوبر ١٩٩٩م


(١) أخرجه أحمد في «مسنده»: (٧٠٣٤)، والدارقطني في «سننه»: (٣/ ٨٨)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (١٦٥٥٠)، من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «الإرواء»: (٢٢٣٧).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)