الفتوى رقم: ١١٠٩

الصنف: فتاوى طبِّية

في حكم رقية العجماوات والجمادات

السؤال:

هل الرقية خاصَّةٌ بالآدميِّين أو عامَّةٌ؟ وهل تصحُّ الرقيةُ أو الدعاءُ للعجماوات والجمادات خشيةَ العين؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فليست الرقيةُ خاصَّةً بالآدميِّين، بل هي عامَّةٌ تصلح للآدميِّ ولغيرِه؛ فقَدْ روى ابنُ أبي شيبة في «الدعاء»: «الدابَّة يُصيبُها الشيءُ بأيِّ شيءٍ تُعَوَّذُ به» عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه موقوفًا: «…وَانْفُثْ فِي مَنْخِرِهِ الأَيْمَنِ أَرْبَعًا، وَفِي الأَيْسَرِ ثَلَاثًا، وَقُلْ: لَا بَأْسَ، أَذْهِبِ البَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا يَكْشِفُ الضُّرَّ إِلَّا أَنْتَ»(١)، قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ: «وهو يحتمل أَنْ يكون قال ذلك لشيءٍ سَمِعَه مِنْ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأَنْ يكون قالَهُ اعتمادًا على التجريب وَقَعَ له، أو لمَنْ في عصره مِنَ العرب أو لمَنْ قبلهم؛ فقَدْ كان للعرب رُقًى يَرْقُون بها مُخْتَلِفةٌ مُتعدِّدةٌ، ولا يَخْفاكَ أنَّ الرقية الثابتةَ عن رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم في العين ليست بخاصَّةٍ في بني آدَمَ، بل ثابتةٌ لكُلِّ مَنْ أصابَتْه العينُ مِنْ آدَمِيٍّ أو غيرِه»(٢).

قلت: ويُؤيِّدُ مشروعيةَ الدعاءِ للعجماوات ما صحَّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ»(٣).

وقد ذَكَرَ ابنُ القيِّم قصَّةَ الناقةِ المعيونةِ التي عُولِجَتْ برقية العين(٤).

هذا، والجماداتُ هي الأخرى تَتأثَّرُ بالوحي المنزَّلِ بما يعلمه الخالقُ ولا يُدْرِكُه الخَلْقُ إلَّا لمَنْ يَشاءُ الله؛ فمِنْ ذلك قولُه تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِ[البقرة: ٧٤]؛ فهي خشيةٌ بإدراكٍ لا يعلمه إلَّا الله تعالى، وقولُه تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُ[الأحزاب: ٧٢]؛ ففيه تصريحٌ بأنَّ هذه الجماداتِ تأبى وتخافُ بإرادةٍ وإدراكٍ يعلمه اللهُ تعالى، ومِنَ الأحاديث الدالَّةِ على تَأثُّرِ الجماداتِ: حنينُ الجِذْعِ الذي كان يخطب عليه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم جَزَعًا لفِراقِه(٥)، وتسليمُ الحَجَرِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٦)، وقَدْ صرَّح اللهُ تعالى بمِثْلِه في قوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡ[الإسراء: ٤٤].

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٧ رجب ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٩ جوان ٢٠١١م


(١) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٢٩٣٨٩).

(٢) «تحفة الذاكرين» للشوكاني (٢٦٥).

(٣) أخرجه أبو داود في «النكاح» بابٌ في جامِعِ النكاح (٢١٦٠)، وابنُ ماجه في «التجارات» بابُ شراء الرقيق (٢٢٥٢)، مِنْ حديثِ عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جَدِّه عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٨٧٦).

(٤) «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٤/ ١٧٤).

(٥) أخرجه البخاريُّ في «البيوع» باب النجَّار (٢٠٩٥) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٦) أخرجه مسلمٌ في «الفضائل» (٢٢٧٧) مِنْ حديثِ جابر بنِ سَمُرَة رضي الله عنهما.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)