الفتوى رقم: ٢٣٠

الصنف: فتاوى الصلاة - الجمعة

في حكم الجمعة للمعلول

السؤال:

ما حكمُ صلاةِ الجمعة بالنسبة لشخصٍ لديه مُشكِلُ تمزُّقِ رباطٍ مِنْ أربطة الركبة، كما أنَّه يؤدِّي الصلاةَ كُلَّها وقوفًا؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ صلاةَ الجمعةِ واجبةٌ إلَّا مِنْ عذرٍ، والمرضُ الذي يُقعِد صاحِبَه ويشقُّ عليه أو يُخشى ـ مع تكلُّفِ الذهابِ إليها ـ زيادتُه أو بطؤه يُعَدُّ مِنَ الأعذار التي تُسْقِط الجمعةَ والجماعات؛ فإنَّه يجوز له أَنْ يصلِّيَ في البيت للحرج والمَشقَّة، وتسقطُ عنه الجماعةُ والجمعة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ [الحج: ٧٨]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»(١)، وقد روى الشيخان: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى»، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟» فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(٢)، وقد بوَّب له البخاريُّ: «باب الرخصة في المطر والعلَّةِ أَنْ يصلِّيَ في رَحْله»، والمرءُ موكولٌ إلى دِينه في تقديرِ حالته الصحِّية: عجزِها مِنْ قدرتها.

هذا، وإذا كان المُصلِّي لا يقدر على طيِّ ركبتَيْه لشدَّة الألم الذي يُصيبُه فعليه أَنْ يصلِّيَ على الصورة التي يقدر عليها؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»(٣)، ولقوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ [التغابن: ١٦]، وهو مُطابِقٌ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(٤)، ومِنَ الآية والحديثِ استخلص العلماءُ قاعدةَ: «المَعْسُورُ لَا يُسْقِطُ المَيْسُورَ».

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٤ شوَّال ١٤٢٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ جانفي ٢٠٠٠م

 


(١) أخرجه أبو داود في «الجمعة» باب الجمعة للمملوك والمرأة (١٠٦٧) مِنْ حديثِ طارق بنِ شهابٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣١١١).

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأذان» باب الرخصة في المطر والعلَّةِ أَنْ يصلِّيَ في رَحْله (٦٦٧)، ومسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٣٣)، مِنْ حديثِ محمود بنِ الربيع الأنصاريِّ رضي الله عنه عن عِتْبانَ بنِ مالكٍ رضي الله عنه.

(٣) أخرجه البخاريُّ في «تقصير الصلاة» باب: إذا لم يُطِقْ قاعدًا صلَّى على جنبٍ (١١١٧) مِنْ حديثِ عمران بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه.

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» باب الاقتداء بسننِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٧٢٨٨)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٣٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)