الشغف بالكتاب
كتاب «الجمهرة» لابن دريدٍ مرجعٌ من مراجع أهل الأدب، أملاه بحلبٍ تلميذُه أبو عبد الله الحسينُ بن أحمد بن خالويه المتوفَّى في سنة (٣٧٠ﻫ) على جهابذةٍ مشاهيرَ منهم أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس، وكانت عند تلميذه أبي عليٍّ القالي بمنزلة الروح من الجسد، حتى إنه أعطِيَ فيها ثلاثمائة مثقالٍ ذهبًا فأبى! فلمَّا اشتدَّت حاجتُه إلى الإنفاق على عياله باعها بأربعين مثقالًا!!!
وكتب عليها هذه الأبيات:
أَنِسْتُ بِهَا عِشْرِينَ عَامًا وَبِعْتُهَا * وَقَدْ طَالَ وَجْدِي ـ بَعْدَها ـ وَحَنِينِي
وَمَا كَانَ ظَنِّي أَنَّنِي سَأَبِيعُهَا * وَلَوْ خَلَّدَتْنِي فِي السُّجُونِ دُيُونِي
وَلَكِنْ لِعَجْزٍ وَافْتِقَارٍ وَصِبْيَةٍ * صِغَارٍ عَلَيْهِمْ تستهلُّ شُؤُونِي
فَقُلْتُ ـ وَلَمْ أَمْلِكْ سَوَابِقَ عَبْرَتِي ـ * مَقَالَةَ مَكْوِيِّ الفُؤَادِ حَزِينِ
وَقَدْ تُخْرِجُ الحَاجَاتُ يَا أُمَّ مَالِكٍ * كَرَائِمَ مِنْ رَبٍّ بِهِنَّ ضَنِينِ
فلمَّا رأى الذي اشتراها هذه الأبياتَ كاد يذوب أسًى وعطْفًا على صاحبها، ثمَّ أرسلها إليه ومعها أربعون مثقالًا ذهبًا أخرى، فلمَّا وصلتْه كان كأنما رُدَّتْ إليه روحُه.
[«شرح مقصورة ابن دريد» لعبد الوصيف محمَّد (٩)]