الفتوى رقم: ١٢٥٦

الصنف: فتاوى متنوعة ـ ألفاظ في الميزان

في حكم عبارة «غضب السماء»

السؤال:

جاء على لسان أحد الأدباء بيتٌ شعريٌّ عن «الأُمِّ» حيث قال:

فَكَأَنَّ هَذَا الصَّوْتَ رَغْمَ حُنُوِّهِ **** غَضَبُ السَّمَاءِ عَلَى الغُلَامِ قَدِ انْهَمَرْ

فهل يجوز هذا القول؟ وهل يجوز ذِكرُه؟ بارك الله فيكم.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فعبارة «غضب السَّماء»، و«رحمة السَّماء»، و«عدالة السَّماء»، وغيرها يَكثُرُ استعمالُهَا على لسان الكُفَّار الملحدين، وكذلك تجري في مقالات الأدباء المعاصرين والشُّعراء المُحدَثين وفي كُتبهم، وما جاء في السُّؤال من شِعر عن الأمِّ واحدٌ منها، ولا يصحُّ ـ شرعًا ـ نسبةُ الغضب أو الرَّحمة أو العدالة وغيرها إلى السَّماء ولو على سبيل الإسناد المجازي؛ لأنَّ السَّماء والأرض وغيرَهما مِن الكائنات هي مفعولات الله ومخلوقاتُه ـ أوَّلًا ـ فلا إرادةَ لها مطلقة ولا اختيار، وإنّما هي خاضعة لأمر الله وتدبيره وتقديره كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ١١[فُصِّلت]، ولِمَا فيه ـ ثانيًا ـ مِن إضافة غضب الله أو رحمة الله أو عدلِ الله إلى غيره، أو تشبيهه به سبحانه، وهو يُؤدِّي ـ بطريق أو آخَرَ ـ إلى معنًى شركيٍّ فاسدٍ في الرُّبوبية(١).

لذلك كان حَرِيًّا بالمسلم ـ لحماية جَنَاب التوحيد ـ أن يصون لسانَه وقلمَه من شوائب الشرك، ويبتعدَ عن الكلمات والعبارات التي تحمل معانيَ فاسدةً، ويَترُكَ مشابهةَ الكُفَّار والملحدين وكلِّ مَن تأثَّر بهم في لهجاتهم وأسلوب حديثهم وعبارات كلامهم، خاصَّة ما يُؤدِّي منها إلى المِساسِ بتوحيد المسلم وعقيدته.

والجدير بالتنبيه: أنَّ العباراتِ السَّابقةَ المحذَّر مِن استعمالها لأجل إضافتها إلى غير الله مجازًا ونسبتها إلى السَّماء تأثيرًا لا يضرُّ إذا جِيءَ بعبارةٍ تؤدِّي معنًى ـ في ذاته ـ صحيحًا لبيان جهةِ حدوثِها، كَأَنْ يُقالَ عن نزول السُّيول الطُّوفانية ـ مثلًا ـ: بأنَّها مصائبُ سماويةٌ، أو بحدوث الصَّواعق والشُّهب المُحْرِقة بأنَّها كوارثُ سماويةٌ، فإنَّ المقصود منها جِهةُ نزولِ الشُّهُب والأمطار والسُّيولِ، وهو السَّماء على نحو قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ٤٣[النور].

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٢ﻫ
المُوافـــق ﻟ: ٠٥ جــانــــفي ٢٠٢١م

 



(١) انظر الفتوى الموسومة ﺑ: «في الاستسقاء بالأنواء ومدى جواز تسمية المطر بالنوء» برقم: (٤١٩).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)