الفتوى رقم: ١٢٦٨ 

الصنف: فتاوى الطهارة

في حكم التيمُّم للحَرَج مع وجود الماء

السؤال:

في جامعتي لا يُوجَدُ مُصلًّى، فأُضطَرُّ إلى أخذِ سجَّادةٍ معي لصلاة الظهر والعصر بين الحِصَص الدراسيَّة عند دخول وقتَيْهما!!! ولكنَّ المياهَ معدومةٌ، ودوراتِ المياه ليست نظيفةً، وإِنِ افترَضْنا أنِّي اشتريتُ قارورةَ ماءٍ فأنا أَجِدُ مشقَّةً في نزع الخمار والوقتُ ضيِّقٌ، وأحيانًا أُضطَرُّ أَنْ أحافظ على الوضوء منذ خروجي مِنَ البيت إلى وقت صلاة العصر؛ فهل يُشرَع لي التيمُّمُ وتكون صلاتي صحيحةً؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإذا وُجِد الماءُ أو أَمكنَ شراؤُه عند فقدِه فلا يُعدَل عنه إلى التيمُّم؛ لأنَّ التيمُّمَ مشروعٌ بدلًا مِنَ الوضوء والغُسلِ عند اقتضائهما في أحوالٍ خاصَّةٍ(١).

وللمتوضِّئة بالماء ـ سواءٌ كان موجودًا أو مشترًى ـ أَنْ تمسح على خمارها كُلِّيًّا ـ إِنْ شاءَتْ ـ دون نزعِه؛ لحديثِ بلالٍ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ وَالخِمَارِ»(٢)؛ أو جزئيًّا وذلك بأَنْ تمسح على مُقدِّمةِ رأسِها وخمارها؛ لحديثِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى العِمَامَة»(٣).

ولا يجوز لها أَنْ تصلِّيَ داخِلَ الحماَّم لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ»(٤).

ولها أَنْ تختار أيَّ مكانٍ طاهرٍ في الأرض تُصلِّي فيه، وتتوارى عن الأنظار؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»(٥)؛ والحكمةُ مِنَ التواري عن الأنظار بالنسبة للمرأة تتجلَّى في أَنْ لا يُنظَرَ إليها حين تتحجَّم عورتُها في حالة الركوع وفي حالة السجود خُصوصًا، فيُرَى منها تفاصيلُ جسمِها، فذلك التَّواري أحسنُ لها وأَوْلى.

أمَّا إذا لم يَسَعْها إيجادُ الماءِ وتَعذَّر عليها شراؤُه فلها أَنْ تتيمَّم بالتراب، فإِنْ لم تجد فتتيمَّمُ بغيره ممَّا صَعِد على وجه الأرض كالحجر أو الرَّمل أو نحوِ ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ[النساء: ٤٣؛ المائدة: ٦] الآية.

وليس على المرأة قضاءٌ فيما إذا صَلَّتْ بالتيمُّم مع وجود الماء وعدمِ القدرة على استعماله.

لكِنْ يجب عليها أَنْ تقضيَ الصلواتِ التي صَلَّتها بالتيمُّم مع وجود الماء أو القدرةِ على شرائه واستعماله؛ لِلُزومِ شرطيَّة الوضوء وانتفاءِ عُذرِ التيمُّم؛ لقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ‌ۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْ‌ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ[المائدة: ٦]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»(٦)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ»(٧).

هذا، وإذا كانت محافظتُها على الوضوء منذ خروجها مِنَ البيت ـ كما صرَّحَتْ به ـ تؤدِّي إلى شغلِ قلبِها بمُدافَعةِ الأخبثين ـ البول والغائط ـ فإنه يُكرَهُ لها الصلاةُ وهي على هذه الحالةِ كراهةً تنزيهيَّةً ـ ما لم يكن شديدًا ـ ولا تَبطُل؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ»(٨).

هذا وفي الأخير، يجدر التنبيهُ إلى أنه تقدَّم في فتاوَى سابقةٍ بيانُ حكمِ دراسة الإناث في الجامعة لغير العلوم الشرعيَّة(٩).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٤ رمضان ١٤٤١ ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧ مـــاي ٢٠٢٠م



(١) انظر الفتوى رقم: (٣٧) الموسومة ﺑ: «في حكم التيمُّم على فاقد مكانٍ آمنٍ للاغتسال» على الموقع الرَّسميِّ.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الطهارة» (٢٧٥) مِنْ حديثِ بلال بنِ رَبَاحٍ رضي الله عنه.

(٣) أخرجه مسلمٌ في «الطهارة» (٢٧٤) مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رضي الله عنه.

(٤) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابٌ في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاةُ (٤٩٢)، والترمذيُّ في «الصلاة» بابُ ما جاء أنَّ الأرض كُلَّها مسجدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّام (٣١٧)، وابنُ ماجه في «المساجد والجماعات» باب المواضع التي تُكرَهُ فيها الصلاةُ (٧٤٥)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٧٦٧).

(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «جُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا» (٤٣٨)، ومسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٥٢١)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحِيَل» بابٌ في الصلاة (٦٩٥٤)، ومسلمٌ في «الطهارة» (٢٢٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٧) أخرجه النسائيُّ في «الطهارة» بابُ فرضِ الوضوء (١٣٩) مِنْ حديثِ أبي المليح عن أبيه أسامةَ بنِ عُمَيْرٍ الهُذَليِّ رضي الله عنه، وابنُ ماجه في «الطهارة وسُنَنها» (٢٧٣) مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه، و(٢٧٤) مِنْ حديثِ أبي بكرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٧٤٦).

(٨) أخرجه مسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٥٦٠) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٩) انظر الفتوى رقم: (١٩١) الموسومة ﺑ: «في حكم دراسة المرأة للعلوم الشرعيَّة في الجامعة»، والفتوى رقم: (٦٧٦) الموسومة ﺑ: «في ارتباط منافع تعلُّم المرأة بالضوابط الشرعيَّة» على موقعي الرسميِّ.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)