إنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن

كان رجلٌ يقال له أبو دلامة، فقيل للخليفة المنصور: «إنَّ أبا دلامة لا يحضر الصلاةَ لأنه معتكفٌ على الخمر، وقد أفسد فتيانَ العسكر، فلو أمرته بالصلاة معك لأصلحته وغيره»، فلمَّا دخل عليه قال: «أبو دلامة الماجن!» قال: «يا أمير المؤمنين، ما أنا والمجون وقد ساورتُ بابَ قبري»، فقال الأمير: «عنِّي من استكانتك وتضرُّعك، وإيَّاك أن تفوتك صلاةُ الظهر والعصر في مسجدي، فإن فاتتك لأُحسننَّ أدبَك ولأطيلن حبسك»، فوقع في شرِّ أمرٍ، فلزم المسجد أيَّاما ثمَّ كتب رقعةً ودفعها إلى المهديِّ، فأوصلها إلى أبيه وفيها:

«أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ الخَلِيفَةَ لَزَّنِي * لِمَسْجِدِهِ وَالقَصْرِ مَا لِي وَلِلْقَصْرِ

أُصَلِّي بِهِ الأُولَى جَمِيعًا وَعَصْرَهَا * فَوَيْلِي مِنَ الأُولَى وَوَيْلِي مِنَ العَصْرِ

أُصَليِّهِمَا بِالكُرْهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدِي * فَمَا لِيَ فِي الأُولَى وَفِي العَصْرِ مِنْ أَجْرِ

يُكَلِّفُنِي ـ مِنْ بَعْدِ مَا شِبْتُ ـ تَوْبَةً * يَحُطُّ بِهَا عَنِّي الثَّقِيلَ مِنَ الوِزْرِ

وَوَاللهِ مَا لِي نِيَّةٌ فِي صَلَاتِهَا * وَلَا البِرُّ وَالإِحْسَانُ وَالخَيْرُ مِنْ أَمْرِي

لَقَدْ كَانَ فِي قَوْمِي مَسَاجِدُ جَمَّةٌ * وَلَمْ يَنْشَرِحْ يَوْمًا لِغِشْيَانِهَا صَدْرِي

وَمَا ضَرَّهُ ـ وَاللهُ يَغْفِرُ ذَنْبَهُ ـ * لَوَ انَّ ذُنُوبَ العَالَمِينَ عَلَى ظَهْرِي»

فقال الخليفة: «صدق، دعوه يُضلُّ من يشاء، وما يضرُّني ذلك! واللهِ لا يفلح هذا أبدًا، فدعوه يفعل ما يشاء».

قلت: وهذا فعلٌ غير صحيحٍ من الخليفة، إذ ينبغي على من ولَّاه الله أمْرَ المسلمين أن يأخذ على أيدي السفهاء والفسَّاق، وأن لا يَدَعهم يفعلون ما يشاءون، حتى يستقيم المجتمع، وتنتشر الفضيلة، وينحسر شرُّ الأشرار.

[«شرح مقامات الحريري» (٣/ ٤)]

 

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)