من وعظ الحريري في مقاماته | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 14 شوال 1445 هـ الموافق لـ 23 أبريل 2024 م



من وعظ الحريري في مقاماته

قال الحريري في المقامة الصنعانية:

«أيُّها السادر في غُلَوائِهِ، السادِلُ ثوْبَ خُيَلائه، الجامحُ في جهالاته، الجانحُ إلى خُزَعبلاته، إلامَ تسْتَمرُّ على غَيِّكَ، وتَستَمْرئُ مرعى بغْيِكَ؟ وحَتَّامَ تتَناهَى في زهوِكَ، ولا تَنْتَهي عن لهوك! تُبارِزُ بمَعصيتك مالِكَ ناصيتك! وتجترئ بقبح سيرتك على عالِم سريرتك! وتتوارى عن قريبك وأنت بمرأى رقيبك! وتستخفي من مملوكك وما تخفى خافيةٌ على مليكك! أتظنُّ أنْ ستنفعك حالُك إذا آنَ ارتحالُك؟ أو ينقذُك مالُك حين توبِقُك أعمالُك؟ أو يُغْني عنك ندمُك إذا زلَّتْ قدمُك؟ أو يعطفُ عليك معشرُك يوم يضمُّك محشرُك؟ هلَّا انتهجْتَ محجَّةَ اهتدائك، وعجَّلْتَ معالجةَ دائك، وفَلَلْتَ شَباةَ اعتدائك، وقدَعْتَ نَفْسَك فهي أكبرُ أعدائك؟ أمَا الحِمامُ ميعادُك فما إعدادُك؟ وبالمَشيبِ إنذارُكَ، فما أَعذارُكَ؟ وفي اللحد مَقيلُكَ، فما قِيلُكَ؟ وإلى الله مَصيرُك، فمَن نصيرُك؟ طالما أيْقَظَكَ الدهرُ فتَناعَسْتَ، وجذَبَكَ الوعْظُ فتقاعَسْتَ! وتجلَّتْ لك العِبَرُ فتَعامَيْتَ، وحَصْحَصَ لكَ الحقُّ فتمارَيْتَ، وأذْكَرَكَ الموتُ فتناسيتَ، وأمكنك أنْ تُؤاسِيَ فما آسيْتَ! تُؤثِرُ فِلسًا توعِيهِ على ذِكْرٍ تَعيهِ، وتَختارُ قَصْرًا تُعْلِيهِ على بِرٍّ تُولِيهِ، وتَرْغَبُ عَنْ هادٍ تستهديه إلى زادٍ تستهديه، وتُغلِّبُ حُبَّ ثوبٍ تشْتَهيهِ على ثوابٍ تشْتَريهِ، يَواقيتُ الصِّلاتِ أعْلَقُ بقَلبِكَ منْ مَواقيتِ الصَّلاةِ، ومُغالاةُ الصَّدُقاتِ آثَرُ عندك من مُوالاةِ الصَّدَقاتِ، وصِحافُ الألْوانِ أشْهى إلَيْكَ منْ صَحائِفِ الأدْيانِ، ودُعابَةُ الأقْرانِ آنَسُ لك منْ تِلاوَةِ القُرْآنِ! تأمُرُ بالعُرْفِ وتَنتَهِكُ حِماهُ، وتَحْمي عنِ النُّكْرِ ولا تتحاماهُ! وتُزحزِحُ عنِ الظلم ثمَّ تغشاهُ، وتخشى الناسَ واللهُ أحقُّ أنْ تخشاه! ثمَّ أنْشَدَ:

تَبًّا لِطَالِبِ دُنْيَا * ثَنَى إِلَيْهَا انْصِبَابَهْ

مَا يَسْتَفِيقُ غَرَامًا * بِهَا وَفَرْطَ صَبَابَهْ

وَلَوْ دَرَى لَكَفَاهُ * مِمَّا يَرُومُ صُبَابَهْ»

[«مقامات الحريري» (٤)]