الله أكبر، إنْ صحَّ الخبر | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الأربعاء 15 شوال 1445 هـ الموافق لـ 24 أبريل 2024 م



الله أكبر، إنْ صحَّ الخبر

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:

أُنبئتُ عن يوسف بن خليلٍ الحافظ قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الله بنُ أبي الفوارس محمَّدِ بن عليِّ بن حسنٍ الخزَّاز الصوفيُّ البغداديُّ ببغداد قال: سمعتُ القاضيَ أبا بكرٍ محمَّد بن عبد الباقي بن محمَّدٍ البزَّاز الأنصاريَّ يقول: «كنتُ مجاورًا بمكَّة ـ حرسها الله تعالى ـ فأصابني يومًا من الأيَّام جوعٌ شديدٌ لم أجد شيئًا أدفع به عنِّي الجوعَ، فوجدتُ كيسًا من إبريسمٍ مشدودًا بشرابةٍ من إبريسمٍ أيضًا، فأَخذتُه وجئت به إلى بيتي، فحللتُه فوجدتُ فيه عقدًا من لؤلؤٍ لم أرَ مثله، فخرجتُ فإذا الشيخ ينادي عليه، ومعه خرقةٌ فيها خمسمائة دينارٍ وهو يقول: «هذا لمن يَردُّ علينا الكيسَ الذي فيه اللؤلؤ»، فقلت: «أنا محتاجٌ، وأنا جائعٌ، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به وأردُّ عليه الكيسَ»، فقُلت له: «تعال إليَّ»، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامةَ الكيس، وعلامةَ الشرابة، وعلامةَ اللؤلؤ وعَدَدَه، والخيطَ الذي هو مشدودٌ به، فأخرجتُه ودَفعتُه إليه فسلَّم إليَّ خمسمائة دينارٍ، فما أخذتُها، وقلت: «يجب عليَّ أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاءً»، فقال لي: «لا بدَّ أن تأخذ»، وألحَّ عليَّ كثيرًا فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى، وأمَّا ما كان مني فإنِّي خرجتُ من مكَّة وركبتُ البحرَ، فانكسر المركبُ وغرق الناس وهلكت أموالُهم، وسلمتُ أنا على قطعةٍ من المركب، فبقيتُ مُدَّةً في البحر لا أدري: أين أذهب؟ فوصَلتُ إلى جزيرةٍ فيها قومٌ، فقعَدتُ في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحدٌ إلَّا جاء إليَّ وقال: «علِّمني القرآنَ»، فحصل لي من أولئك القوم شيءٌ كثيرٌ من المال».

قال: «ثمَّ إنِّي رأيتُ في ذلك المسجد أوراقًا من مصحفٍ، فأخذتُها أقرأ فيها فقالوا لي: «تحسن تكتب؟» فقلت: «نعم»، فقالوا: «علِّمْنا الخطَّ»، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنتُ أعلِّمهم، فحصل لي أيضًا من ذلك شيءٌ كثيرٌ، فقالوا لي بعد ذلك: «عندنا صبيَّةٌ يتيمةٌ ولها شيءٌ من الدنيا نريد أن تتزوَّج بها»، فامتنعتُ، فقالوا: «لا بدَّ»، وألزموني، فأجبتُهم إلى ذلك، فلمَّا زفُّوها إليَّ مددتُ عيني أنظر إليها، فوجدتُ ذلك العقد بعينه معلَّقًا في عنقها، فما كان لي حينئذٍ شغلٌ إلَّا النظر إليه، فقالوا: «يا شيخ، كسرتَ قلبَ هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ولم تنظر إليها»، فقصصتُ عليهم قصَّةَ العقد، فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلتُ: «ما بكم؟» فقالوا: «ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبيَّة، وكان يقول: «ما وجدتُ في الدنيا مسلمًا إلَّا هذا الذي ردَّ عليَّ هذا العقد»، وكان يدعو ويقول: «اللَّهمَّ اجمع بيني وبينه حتى أزوِّجه بابنتي»، والآن قد حصلت»، فبقيتُ معها مدَّةً ورُزقتُ منها بولدين، ثمَّ إنها ماتت فورثتُ العقد أنا وولداي، ثمَّ مات الولدان، فحصل العقدُ لي فبعتُه بمائة ألف دينارٍ، وهذا المال الذي ترَوْنَ معي من بقايا ذلك المال». هكذا ساق هذه الحكايةَ يوسف بن خليلٍ الحافظ في «معجمه».

[«ذيل طبقات الحنابلة» نقلًا عن «طُرَفٍ ومُلَحٍ» للسديس (١/ ٤٤٣)]