Skip to Content
الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق لـ 28 مارس 2024 م

ردود وتعقيبات رقم: ١٦

تبرئة الشيخ ابنِ باديس وأسلاف الجمعية
مِنَ الانتساب إلى الأشاعرة والصوفية
[الجزء الأوَّل]

[إدارة الموقع]

مقدِّمة:

الحمد لله وَحْدَه،  والصلاةُ والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه ومَنِ اقتفى أثَرَه، أمَّا بعد:

فقَدْ كنَّا ـ في السنوات الأخيرة ـ نسمع كلامًا يثير العجبَ مِنْ بعض المتطاوِلين، يتجنَّوْنَ به على الشيخ المربِّي الإمامِ عبد الحميد بنِ باديس ـ رحمه الله ـ بالطعن والتبديع والإقصاء؛ قَصْدَ إخراجه مِنْ دائرة أهل السنَّة والجماعة والعقيدة السلفية، فها نحن ـ اليومَ ـ نسمع ما هو أعجبُ مِنْ ذلك؛ حيث يزعم بعضُهم في مقالٍ نُشِرَ في بعض المنتديات: أنَّ الشيخ ـ رحمه الله ـ وإخوانَه أعضاءَ الجمعيةِ كانوا على عقيدةٍ أشعريةٍ وأصولٍ صوفيةٍ.

ومِنْ وراءِ هذه الدعوةِ العريضة، يحصل لمُدَّعِيها ومَنْ على مذهبه الانتسابُ إلى علماء الجمعية، وما هذا إلَّا ليتمسَّحوا بهم لتسويغِ ما يسلكونه مِنْ طرائقهم البدعية، وتزكيةِ ما ينتمون إليه مِنْ مناهجهم الخَلَفية؛ فتكون بذلك حجَّةً لهم على أهل السنَّة، وبالتالي تُسَوَّق بضائعُهم الزائفة بين العامَّة مِنْ غير نكيرٍ، مستغِلِّين ما كان لعلماء الجمعية مِنْ أثرٍ حَسَنٍ في الدعوة والإصلاح، وشهرةٍ دعويةٍ تجديديةٍ في شمال إفريقيا، جعلَتْها تحظى ـ بعد الاستقلال ـ بالقَبول بين العامَّة والخاصَّة، وَايْمُ اللهِ مَنْ يقرأ كلامَ علماء الجمعية أو شيئًا منه فقط ممَّا يتعلَّق بمنهجهم وعقيدتهم مِنْ كُتُبهم ومقالاتهم ـ رحمهم الله ـ مباشَرةً أو بواسطةِ ما كَتَبه بعضُ الباحثين لَيعلمنَّ عِلْمَ اليقين زيفَ دعوَى صاحِبِ المقال، وصِدْقَ قولِ الشاعر أبي نوَّاسٍ عليه إذ قال:

قُلْ لِمَنْ يَدَّعِي سُلَيْمَى سَفَاهًا * لَسْتَ مِنْهَا وَلَا قُلَامَةَ ظُفْرِ

إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ سُلَيْمَى كَوَاوٍ * أُلْحِقَتْ فِي الهِجَاءِ ظُلْمًا بِعَمْرِو

وقال:

الحَمْدُ للهِ هَذَا أَعْجَبُ العَجَبِ * الهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ صَارَ فِي العَرَبِ

إِذَا نَسَبْتَ عَدِيًّا فِي بَنِي ثُعَلٍ * فَقَدِّمِ الدَّالَ قَبْلَ العَيْنِ فِي النَّسَبِ

فالقصد ظاهرٌ مِنْ نسبةِ صاحبِ المقال الجمعيةَ إلى ما سَبَقَ ذِكْرُه، وإلَّا فما الذي جَعَله يتناسى الحربَ التي كانَتْ بين علماءِ الجمعية وبين أسلافه مِنْ شيوخ الصوفية؟ وما حَمَله على أَنْ يكتم مُحْكَمَ ما خطَّتْه أناملُهم مِنْ صريحِ كلامهم في بيانِ صحيحِ اعتقادهم، مع كثرته في خُطَبهم ومقالاتهم التي منها: الانتسابُ إلى السلفية، والدعوةُ إلى الكتاب والسنَّة على فهمِ السلف الصالح، وردُّ التصوُّف ومَناهجِ المتكلِّمين؟(١) فقَدْ تَرَكَ صاحِبُ المقال كُلَّ ما عليه مِنَ النصوص الصريحة والعباراتِ الفصيحة المفصَّلة والمُحْكَمة، ثمَّ جَنَحَ إلى شُبَهٍ مِنْ: قولٍ لهم مُجْمَلٍ، أو فعلٍ محتملٍ، أو خطإٍ صاحِبُه فيه متأوِّلٌ؛ فجَعَله هو العمدةَ لِيَبنيَ عليه عقائدَهم ويؤصِّلَ به مناهِجَهم على ما يُحِبُّ هو ويرضى، دون أَنْ يذكر في مقاله كلمةً واحدةً ـ ولو عن واحدٍ مِنْ أعضائها الأصليِّين ـ فيها التبنِّي والانتسابُ الصريح إلى ما ألصقه بهم، وهذا ـ وربِّ الكعبة ـ لَمِنَ الظلم لعلماء الجمعية بإلزامهم ما لم يلتزموه ـ بل بما حاربوه طيلةَ حياتهم الدعوية ـ والغشِّ والتدليس على العامَّة لينفروا مِنْ دعوة الحقِّ ويرجعوا إلى التصوُّف، ثمَّ ليت صاحِبَ المقالِ كان آخذًا بأسلوب الحوار العلميِّ في إثباتِ دعواهُ، بل على العكس مِنْ ذلك تمامًا فإنَّنا نجده يَشْحَنُ مقالَه هذا بعباراتٍ تهكُّميةٍ فيها لمزٌ ونبزٌ وانتقاصٌ لأصحاب العقيدة السلفية حيث قال: «وغيرها مِنَ الأصليَّات عند سلفية اليوم ؟!»، «ومعلومٌ أنَّ الأشاعرة ليسوا مِنْ أهل السنَّة والجماعة عند السلفية المعاصِرة»، «فهل جمعيةُ العلماءِ المسلمين كانَتْ تُدرِّسُ الأجيالَ حَمَلَةَ دِينِ الله إلينا «التصوُّفي الخرافي!» و«عقيدة التعطيل!»؟»، و«كما تَصِفُهما السلفيةُ المعاصِرةُ فتأمَّلْ!»، «ومعلومٌ أنَّ التأويل والتفويض ـ عند السلفية المعاصِرة ـ: «ضلالٌ» و«تعطيلٌ»!»، «ومعلومٌ ـ أيضًا ـ أنَّ الأشاعرة مِنَ الفِرَق الضالَّة عند السلفية المعاصِرة فتأمَّلْ!»، «ومعلومٌ أنَّ هذا المذهبَ الذي نَقَضَه ابنُ العربيِّ هو مذهبُ السلفية المعاصِرة»، و«تأويلاتٌ محضةٌ وَفْقَ أصول الأشاعرة، وهي عند السلفية المعاصِرة مِنْ مذاهبِ أهل البِدَعِ والمُعطِّلة»؛ فبكلامه هذا يجلو لنا غَرَضُه المُشارُ إليه آنفًا ويتَّضحُ، كما قال الشاعرُ أبو الفتح كشاجم:

وَيَأْبَى الَّذِي فِي القَلْبِ إِلَّا تَبَيُّنًا * وَكُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَنْضَحُ

نصُّ الانتقاد:

وقبل الشروع في الردِّ عليه والجوابِ عن شُبَهه، يحسن بنا أَنْ ننقل مقالَه بعُجَره وبُجَره، ونعرضه كُلَّه بشعره ونثره؛ حتَّى يتسنَّى للقارئ النبيلِ الاطِّلاعُ على كُلِّ كلامه، والوقوفُ على جميعِ محتواه؛ فيسهل عليه ـ حينئذٍ ـ متابَعةُ نقدِه وردِّه؛ إذ سنكتفي ـ أثناءَ الردِّ ـ بنقلِ مَقَاطِعَ منه فقط.

فدونكم المقالَ المذكور:

«بسم الله، والصلاةُ والسلام على سيِّد خَلْقِ الله.

كَثُرَ الحديثُ مؤخَّرًا حول منهجِ جمعيةِ العلماء المسلمين الجزائريِّين في العقيدة على وجه الخصوص، ومثله معه موقف رموز الجمعية مِنْ بعض القضايا التي كَثُرَ فيها الجدالُ بين المؤيِّدين والمُثْبِتين لها مِنْ تراث الجمعية مِنْ ناحيةٍ، وبين المعارِضين لها والمستبعِدين لأَنْ تكون هذه الأمورُ مذهبًا للجمعية مِنْ جهةٍ أخرى!

فهل كان ابنُ باديس: ضِدَّ الأشاعرة! حارَبَ التصوُّفَ حُلْوَه ومُرَّه! يُبدِّع المتوسِّلين بالنبيِّ ويرميهم بالشرك! يُبدِّع إحياءَ المولد النبويِّ الشريف!... وغيرها مِنَ الأصليَّات عند سلفية اليوم!؟

ماذا نجد في تراث الجمعية:

أوَّلًا: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تقرِّر تدريسَ التوحيد وَفْقَ أصول الأشاعرة، ومعلومٌ أنَّ الأشاعرة ليسوا مِنْ أهل السنَّة والجماعة عند السلفية المعاصِرة!

وقد كان العلَّامة ابنُ باديس أدرج ـ ضِمْنَ قائمة العلوم التي كان يدرِّسها لطلبة العلم ـ المتونَ التي تحكي أصولَ الأشاعرة في العقائد وأصولَ التصوُّف الصحيح في السلوك؛ كمتن ابنِ عاشرٍ المعروف ﺑ: «المرشد المعين على الضروريِّ مِنْ علوم الدين» للعلَّامة عبد الواحد بنِ عاشرٍ الفاسيِّ، الذي استفتح متنَه بقوله:

فِي عَقْدِ الَاشْعَرِي وَفِقْهِ مَالِكِ **** وَفِي طَرِيقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِكِ

فهل جمعية العلماء المسلمين كانَتْ تدرِّس الأجيالَ حَمَلَةَ دِينِ الله إلينا «التصوُّفي الخرافي!!!» و«عقيدة التعطيل!» كما تَصِفُهما السلفية المعاصِرة؟ فتأمَّلْ!

ثانيًا: قال الشيخ حمَّاني تلميذ العلَّامة ابنِ باديس ـ رحمهما الله ـ ومرآةُ جمعيةِ علماء(٢) المسلمين: «وقد قَبِل أسلافُنا تأويلَ الأشاعرة كما قَبِلوا تفويضَ السلف»(٣)، اﻫ.

وقال ـ أيضًا ـ ـ رحمه الله ـ: «ومَنْ تمعَّن في نصوص الشريعة جيِّدًا، ودَرَس حُجَجَ الفِرَق المتنازِعة بإنصافٍ؛ حَكَمَ بأنَّ الحقَّ بجانبِ أهل السنَّة والجماعة الذين منهم الأشاعرةُ»(٤)، اﻫ.

وها هو تلميذُ الجمعيةِ البارُّ الشيخ حمَّاني يُقرِّرُ أنَّ:

أ ـ سلفنا قَبِلَ التأويل.

ب ـ  سلفنا قَبِلَ التفويض.

ﺟ ـ الأشاعرة مِنْ أهل السنَّة والجماعة.

وكُلٌّ مِنَ التأويل والتفويض رضي بهما كبارُ علماء الأمَّة، قال الإمام النوويُّ في «المنهاج شرح صحيح مسلم بنِ الحجَّاج»:

«قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟» هذا الحديث مِنْ أحاديثِ الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء، سَبَقَ إيضاحُهما في «كتاب الإيمان». ومختصرهما أنَّ أحَدَهما ـ وهو مذهبُ جمهور السلف وبعضِ المتكلِّمين ـ: أنه يؤمن بأنها حقٌّ على ما يليق بالله تعالى، وأنَّ ظاهِرَها المتعارَفَ ـ في حقِّنا ـ غيرُ مرادٍ، ولا يتكلَّم في تأويلها مع اعتقادِ تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق، وعن الانتقال والحركات وسائر سِمَات الخَلْق. والثاني: مذهبُ أكثرِ المتكلِّمين وجماعاتٍ مِنَ السلف، وهو محكيٌّ هنا عن مالكٍ والأوزاعيِّ: أنها تُتأوَّل على ما يليق بها بحسَبِ مواطنها؛ فعلى هذا تأوَّلوا هذا الحديثَ تأويلين: أحَدُهما: تأويلُ مالك بنِ أنسٍ وغيرِه: معناه: تنزل رحمتُه وأمرُه وملائكتُه كما يقال: «فَعَلَ السلطانُ كذا» إذا فَعَله أتباعُه بأمره. والثاني: أنه على الاستعارة، ومعناه: الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. واللهُ أعلمُ»، اﻫ.

ومعلومٌ أنَّ التأويل والتفويض عند السلفية المعاصِرة: «ضلالٌ!» و«تعطيل!».

ومعلومٌ ـ أيضًا ـ أنَّ الأشاعرة مِنَ الفِرَق الضالَّة عند السلفية المعاصِرة! فتأمَّلْ!

ثالثًا: تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ـ إلى يومنا هذا ـ يدرِّسون لطَلَبَتِهم العقيدةَ الأشعرية التي تلقَّوْها مِنْ شيوخهم؛ كما يفعل الفاضلُ: الطاهر آيت علجت وغيرُه مِنْ إخوانه؛ وهُمْ أعلمُ بمنهج الجمعية في العقيدة مِنْ غيرهم، مصداقُه: قولُه تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ ١٤ [فاطر]، وقولُه ـ أيضًا ـ: ﴿فَسۡ‍َٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا ٥٩ [الفرقان]؛ فكيف نعدل عن قولِ ابنِ الدار في الدار؟! فتأمَّلْ!

رابعًا: الشيخ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ أوَّلُ مَنْ طَبَع وقام بتحقيقِ كتابِ «العواصم مِنَ القواصم» لقاضي قضاة المالكية الإمام ابنِ العربيِّ الأشعريِّ، فأثنى ابنُ باديس على الكتاب في مقالٍ حافلٍ، وخصَّ بالذِّكْر دَحْضَ صاحبِ الكتاب لعقائد الظاهرية والباطنية.

فإذا عَلِمْتَ أنَّ العلَّامة ابنَ العربيِّ أصَّلَ في كتابه هذا للعقيدة وَفْقَ أصول الأشاعرة، ونَقَضَ ـ وَفْقَ هذه الأصول ـ مذاهبَ الظاهرية في العقيدة، كالذين يحملون حديثَ النزول على ظاهِرِه كما ذَكَرَ ـ رحمه الله ـ؛ ظَهَر جليًّا مذهبُ العلَّامة ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ.

قال الشيخ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ في التعريف بكتابِ: «العواصم مِنَ القواصم» للإمام ابنِ العربي[«ابن باديس حياته وآثاره»، جمع ودراسة عمَّار طالبي، الجزء ٤ ص ١٢٩، طبعة دار الغرب الإسلامي]:

«قد كَتَبَ هذا الإمامُ في علوم الإسلامِ الكُتُبَ المُمتِعة الواسعة، وسار فيها كُلِّها على خطَّة البحث والتحقيق والنظر والاستدلال، بعلمٍ صحيحٍ وفكرٍ ثاقبٍ وعارضةٍ واسعةٍ، وعبارةٍ راقيةٍ في البلاغة، وأسلوبٍ حلوٍ جذَّابٍ في التعبير.

وهذا كتابُ: «العواصم مِنَ القواصم» مِنْ آخِرِ ما ألَّف، قد سار فيه على تلك الخطَّة، وجَمَعَ فيه ـ على صِغَرِ حجمِه بين سائر كُتُبه العلمية ـ فوائدَ جمَّةً وعلومًا كثيرةً؛ فتَعرَّضَ فيه لآراءٍ في العلم باطلةٍ، وعقائدَ في الدِّين ضالَّةٍ، وسَمَّاها: «قواصمَ»، وأعقبها بالآراء الصحيحة والعقائدِ الحقَّة المؤيَّدةِ بأدلَّتها النقلية، وبراهينِها العقلية المزيِّفةِ لتلك الآراء، والمُبْطِلة لتلك العقائد، وسمَّاها: «عواصمَ»؛ فانتظم ذلك مناظرةَ السفسطائيِّين(٥) والطبائعيِّين والإلاهيِّين، ومناظرةَ الباطنيةِ والحلولية، وأربابِ الإشارات مِنْ غُلاةِ الصوفية وظاهريةِ العقائد وظاهريةِ الأحكام، وغُلاةِ الشيعة والفِرْقةِ المتعصِّبة للأشخاص باسْمِ الإسلام»، اﻫ.

ثمَّ قال موضِّحًا طريقةَ الإمام ابنِ العربيِّ ـ رحمه الله ـ في كتابه ذاك: [نفس المصدر ٤، ص ١٢٩ ـ ١٣٠]:

«سالكًا [أي: ابن العربي] ـ في سبيل الاحتجاج لعقائد الإسلام، وإبطالِ العقائد المحدَثة عليه مِنَ المنتمين إليه ـ السبيلَ الأقوم الأرشد: سبيلَ الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي هي أدلَّةٌ نقليةٌ في نصوصها، عقليةٌ برهانيةٌ في مدلولها، وهذه الطريقةُ التي أرادها بقوله في هذا الكتاب: «وهكذا هي حقيقةُ الملَّة، مَنْ أراد أَنْ يُدْخِلَ فيها داخلةً رُدَّ عنها إليها بأدلَّتها»، وهي طريقةُ القرآن الذي اتَّضح به كمالُ الشريعة في عقائدها وأدلَّتها.

وإذ لم يكن بُدٌّ مِنَ الخطإ لغير المعصوم فليس تفاضُلُ الناسِ في السلامة منه، وإنما تفاضُلُهم في قلَّته وكثرةِ الصواب التي تغمره، وللإمام ابنِ العربيِّ ـ في كتابه هذا ـ ممَّا ذكَرْناه في وصفِه مِنْ كمالٍ ما يذهب بما قد يكون فيه مِنْ بعضِ خطإٍ يسيرٍ لا يسلم منه بشرٌ، وحَسْبُ كتابِه هذا أَنْ يكون مَوْرِدًا معينًا لطُلَّابِ العقائد الإسلامية الحقَّةِ بأدلَّتها القاطعة، وأصولِ الإسلام الخالية ممَّا أَحْدَثه المُحْدِثون مِنْ خرابٍ وتدجيلٍ، وأَنْ يكون أنموذجًا راقيًا في التحقيق في البحث، والتعمُّقِ في النظر، والاستقلالِ في الفكر، والرجوعِ إلى الدليل، والاعتضادِ بأنظار الأئمَّة الكبار، وأَنْ يكون صفحةَ تاريخٍ صادقٍ لِمَا كانَتْ عليه الحالةُ الفكرية للمسلمين بالشرق والغرب في عصر المؤلِّف وهو القرنُ الخامس الهجريُّ، وكفى بهذا كُلِّه باعثًا لنا على طبعِه ونشرِه وتعميمِ فائدته»، اﻫ.

ومَنْ رَجَعَ إلى الكتاب المذكور: «العواصم مِنَ القواصم» يجد أنَّ العلَّامة ابنَ العربيِّ المالكيَّ يقصد بظاهرية العقائد: الذين يحملون المتشابِهَ على ظاهِرِه كحديث النزول وآيات الاستواء و... وغيرها، ومعلومٌ أنَّ هذا المذهبَ الذي نَقَضه ابنُ العربيِّ هو مذهبُ السلفية المعاصِرة، ومنه يُعْلَمُ منهجُ العلَّامة ابنِ باديس في العقيدة الموافِقُ لِمَا عليه جمهورُ علماء المسلمين؛ إذ لا يصحُّ شرعًا ولا عقلًا أَنْ يُثنيَ الشيخُ ابنُ باديس على عقائدِ «أهل البِدَع والضلال!» فتأمَّلْ!

خامسًا: الشيخ ابنُ باديس يتأوَّل في الأخبار الإضافية.

عَنْ ‏أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ‏أَنَّ رَسُولَ اللهِ ‏صلَّى الله عليه وسلَّم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ‏صلَّى الله عليه وسلَّم ‏وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللهِ ‏صلَّى الله عليه وسلَّم ‏سَلَّمَا، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ‏صلَّى الله عليه وسلَّم ‏قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ».

قال الشيخ ابنُ باديس عند شرحِ الحديث [«ابن باديس حياته وآثاره» جمع ودراسة: عمَّار الطالبي، الجزء الثاني، صفحة ٢٩٣، طبعة دار الغرب الإسلامي]: «فاستحيا اللهُ منه: تَرَك عقابَه ولم يَحْرِمه مِنْ ثوابٍ. أعرض: الْتَفَتَ إلى جهةٍ أخرى فذَهَبَ إليها. فأعرض اللهُ عنه: حَرَمه مِنَ الثواب»، اﻫ.

قال ربُّنا: ﴿وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧ [الذاريات]، قال الشيخ ابنُ باديس [«ابن باديس حياتُه وآثارُه»، جمع ودراسة: عمَّار طالبي، الجزء الثاني صفحة ٩٠، طبعة دار الغرب الإسلامي]: «بِأَيْدٍ: بقوَّةٍ»، اﻫ.

تأويلاتٌ محضةٌ وَفْقَ أصول الأشاعرة، وهي ـ عند السلفية المعاصِرة ـ مِنْ مذاهبِ «أهل البِدَع والمُعطِّلة!».

فتأمَّلْ!»، اﻫ.

جواب الإدارة:

هذا هو نصُّ المقال كاملًا، وقد حاوَل فيه صاحِبُه توضيحَ المنهج العقديِّ لعلماء الجمعية مِنْ تراثها ـ بزعمه ـ والناظرُ فيه يجد ـ بعد تحليله وتمحيصه ـ أنه يدور على مسألتين اثنتين:

الأولى: تتعلَّق بالأشعرية وأنَّ عقيدة الشيخ ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ كانَتْ موافِقةً لعقيدة الأشاعرة، ولم يكن الشيخُ ضِدَّها، وهكذا الجمعية، بل كانَتْ تدرِّسُ التوحيدَ على أصول هذه العقيدة.

الثانية: تتعلَّق بالتصوُّف وأنَّ الشيخ ابنَ باديس ـ رحمه الله ـ لم يُحارِبْه، بل كان يدرِّسُه للأجيال.

ثمَّ قام وحَشَدَ ـ لتعزيز دعواهُ ـ جملةً مِنَ الشُّبَه تتلخَّص فيما يلي:

الأولى: أنَّ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تقرِّرُ تدريسَ التوحيد وَفْقَ أصول الأشاعرة.

الثانية: أنَّ الشيخ حمَّاني الذي هو مِنْ تلاميذ ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ ومرآةُ جمعية العلماء المسلمين يُقرِّر في كلامٍ له أنَّ:

أ ـ السلف قبلوا التأويل،

ب ـ وقبلوا التفويض،

ﺟ ـ الأشاعرة مِنْ أهل السنَّة والجماعة.

الثالثة: تلامذة الجمعية إلى اليوم يُدرِّسون طَلَبتَهم العقيدةَ الأشعرية التي تلقَّوْها مِنْ شيوخهم كالفاضل آيت علجت.

الرابعة: ابنُ باديس أوَّلُ مَنْ طَبَع وحقَّق كتابَ: «العواصم والقواصم» لابن العربيِّ المالكيِّ الأشعريِّ، وقد أثنى على الكتاب وعلى دحضِ صاحبِه لعقائد الباطنية والعقائد الظاهرية، كالذين يحملون حديثَ النزول على ظاهِرِه.

الخامسة: أنَّ الشيخ ابنَ باديس يتأوَّل في الأخبار الإضافية، ثمَّ مثَّل بحديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ رضي الله عنه.

هذا مُجْمَلُ ما جاء في المقال، ولقد سَلَكْنا في الردِّ عليه مسلكين:

الأوَّل إجماليٌّ: وتَناوَلْنا فيه المسألتين اللَّتين عليهما بُنِيَ المقالُ، وهما: نسبةُ علماءِ الجمعية إلى الأشعرية والصوفية، وذلك بنقلِ ما هو صريحٌ في نقضِه مِنْ كلام علماء الجمعية، مبتدئين بما يتعلَّق بالأشعرية، ومُثنِّين بما يتعلَّق بالصوفية.

الثاني تفصيليٌّ: وتَناوَلْنا فيه الجوابَ عن الشُّبَه التي أَوْرَدَها واحدةً واحدةً.

وختَمْنا البحثَ ببيانِ منهج أهل الأهواء في إرادة النيل مِنْ أهل السنَّة بتعييرهم ونبزِهم بألقابٍ مشينةٍ.

أوَّلًا: الردُّ الإجمالي:

للجواب عن المسألتين المذكورتين آنفًا نترك القارئَ مع علماء الجمعية ورئيسها ـ رحمهم الله أجمعين ـ ليُفْصِحوا بأَنْفُسهم عن أصل عقيدتهم وتوجُّههم، وحقيقةِ انتسابهم وانتمائهم، ويجيبوا عن هذه التلبيساتِ التي طَرَحَها صاحبُ المقال.

(أ) المسألة الأولى: ما يتعلَّق بالأشعرية:

أمَّا ما يتعلَّق بالأشعرية، فدونك هذه النقول الصريحة في توضيح العقيدة السلفية: عقيدةِ أهل السنَّة ودعوتِهم، وانتسابِهم إليها وتبرُّئِهم مِنَ الأشعرية والطُّرُق الكلامية:

ـ جاء في أصول جمعية العلماء: «الأصل الخامس: سلوك السلف الصالح: «الصحابة والتابعين وأتباع التابعين» تطبيقٌ صحيحٌ لهدي الإسلام. والأصل السادس: فهومُ السلف الصالح أصدقُ الفهوم لحقائق الإسلام ونصوصِ الكتاب والسنَّة...»(٦).

ـ وجاء في تقرير الجمعية لرسالة الشيخ مبارك الميلي المسمَّاة: «الشرك ومظاهره» بقلم الكاتب العامِّ للجمعية: الشيخ العربي التبسِّي ـ رحمه الله ـ: «فإنَّ الدعوة الإصلاحية التي يقوم بها دُعاةُ الإصلاح في العالَمِ الإسلاميِّ، وتقوم بها جمعيةُ العلماء في القطر الجزائريِّ ـ خاصَّةً ـ تتلخَّص في دعوة المسلمين إلى العلم والعمل بكتابِ ربِّهم وسنَّةِ نبيِّهم، والسيرِ على منهاج سلفهم الصالح في أخلاقهم وعباداتهم القولية والاعتقادية والعملية»(٧).

ـ وقال الشيخ عبد الحميد بنُ باديس ـ رحمه الله ـ في بيانِ طريقة أهل السنَّة والجماعة في أسماء الله وصفاته، وأنها قائمةٌ على ركنين هما الإثبات والتنزيه: «عقيدة الإثبات والتنزيه: نُثْبِتُ له تعالى ما أَثْبَتَه لنَفْسِه على لسان رسوله مِنْ ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه، وننزِّهه في ذلك عن مماثَلةِ أو مشابَهةِ شيءٍ مِنْ مخلوقاته، ونُثْبِتُ الاستواءَ والنزول ونحوَهما، ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيفٍ، وبأنَّ ظاهِرَها المتعارَفَ ـ في حقِّنا ـ غيرُ مُرادٍ»، اﻫ(٨).

ونَقَل تلميذُه الأستاذ محمَّد صالح رمضان ـ رحمه الله ـ في حاشيةِ تحقيقه ﻟ: «العقائد الإسلامية» كلامًا للشيخ ـ رحمه الله ـ قاله في الدرس حول هذه الفقرة، فقال الأستاذ ـ رحمه الله ـ حاكيًا: «روينا البيتين التاليين عن أستاذنا الإمام وقت الدرس، ولا ندريهما لمَنْ؟ وهما:

فَنَحْنُ مَعْشَرَ فَرِيقِ السُّنَّهْ * السَّالِكِينَ فِي طَرِيقِ الجَنَّهْ

نَقُولُ بِالإِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهْ * مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ وَلَا تَشْبِيهْ»(٩)

وقال ـ رحمه الله ـ: «ونحن ـ مَعْشَرَ المسلمين ـ قد كان منَّا للقرآن العظيمِ هجرٌ كثيرٌ في الزمان الطويل وإِنْ كنَّا به مؤمنين، بَسَطَ القرآنُ عقائدَ الإيمانِ كُلَّها بأدلَّتها العقلية القريبة القاطعة، فهَجَرْناها وقلنا: تلك أدلَّةٌ سمعيةٌ لا تحصِّل اليقينَ، وأخَذْنا في الطرائق الكلامية المعقَّدة وإشكالاتها المتعدِّدة واصطلاحاتها المُحدَثة؛ ممَّا يصعِّب أَمْرَهُ على الطلبة فضلًا عن العامَّة»(١٠).

وقال ـ رحمه الله ـ: «اعلموا ـ جَعَلكم اللهُ مِنْ وُعَاةِ العلم، ورَزَقكم حلاوةَ الإدراك والفهم، وجمَّلكم بعزَّة الاتِّباع، وجنَّبكم ذلَّة الابتداع ـ: أنَّ الواجب على كُلِّ مسلمٍ في كُلِّ مكانٍ وزمانٍ: أَنْ يعتقدَ عقدًا يتشرَّبه قلبُه، وتسكن له نفسُه، وينشرح له صدرُه، ويلهج به لسانُه، وتنبني عليه أعمالُه: أنَّ دِينَ الله تعالى ـ مِنْ عقائد الإيمان، وقواعد الإسلام، وطرائق الإحسان ـ إنما هو في القرآن والسنَّةِ الثابتة الصحيحة، وعملِ السلف الصالح مِنَ الصحابة والتابعين وأتباعِ التابعين، وأنَّ كُلَّ ما خَرَجَ عن هذه الأصول، ولم يَحْظَ لديها بالقَبول ـ قولًا كان أو عملًا أو عقدًا أو احتمالًا ـ فإنه باطلٌ مِنْ أصله، مردودٌ على صاحِبِه، كائنًا مَنْ كان في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ؛ فاحفظوها واعملوا بها؛ تهتدوا وترشدوا إِنْ شاء اللهُ تعالى»(١١).

وقال الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: «وهذا درسٌ مِنْ دروسه ينشره ـ اليومَ ـ في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها مِنَ الكتاب والسنَّة تلميذُه الصالحُ كاسْمِه: محمَّد الصالح رمضان، فجاءَتْ عقيدةً مُثْلَى يتعلَّمها الطالبُ، فيأتي منه مسلمٌ سلفيٌّ موحِّدٌ لربِّه بدلائل القرآن كأحسنِ ما يكون المسلم السلفيُّ، ويستدلُّ على ما يَعتقِدُ في ربِّه بآيةٍ مِنْ كلام ربِّه، لا بقول السنوسيِّ في «عقيدته الصغرى»: «أمَّا برهانُ وجودِه تعالى فحدوثُ العالَم»(١٢).

وقال ـ رحمه الله ـ وهو يصوِّرُ لنا: كيف كان التدريسُ في العقيدة، وأنَّ الناس لم يزالوا في المغرب مقلِّدين لطريقة الأشعريِّ إلى أَنْ جاء الشيخ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ فأَحْيَا طريقةَ السلف: «وأمَّا مغربُنا هذا مع الأندلس فلم يتَّسِعْ فيه علمُ الكلام إلى هذا الحدِّ، وإِنْ كانوا يدرسونه على هذه الطريقة ويقلِّدونه ويدينون باتِّباعِ رأي الأشعري، ولم يؤلِّفوا فيه كتابًا ذا بالٍ إلَّا الإمام محمَّد بن يوسف السنوسي التلمساني؛ فإنه ألَّف فيه على طريقة المشارقة عِدَّةَ كُتُبٍ شاعَتْ وانتشرَتْ في الشرق والغرب، وقُرِّرَتْ في أكبرِ المعاهد الإسلامية كالأزهر، حتَّى جاءَتْ دروسُ الإمامِ ابنِ باديس، فأَحْيَا بها طريقَ السلفِ في دروسه، ومنها هذه الدروسُ، وأكملَتْها جمعيةُ العلماء، فمِنْ مبادئها التي عَمِلَتْ لها بالفعل: لزومُ الرجوع إلى القرآن في كُلِّ شيءٍ، لا سيَّما ما يتعلَّق بتوحيد الله؛ فإنَّ الطريقة المُثْلى في الاستدلالِ على وجود الله وصفاته وما يرجع إلى الغيبيَّات لا يكون إلَّا بالقرآن(١٣)؛ لأنَّ المؤمن إذا استند في توحيد الله وإثباتِ ما ثَبَتَ له، ونفيِ ما انتفى عنه، لا يكون إلَّا بآيةٍ قرآنيةٍ مُحكَمةٍ؛ فالمؤمنُ إذا سوَّلَتْ له نفسُه المخالَفةَ في شأنٍ مِنْ أمور الآخرة أو مِنْ صفات الله فإنها لا تُسوِّل له مخالَفةَ القرآن»(١٤).

ـ وقال الشيخ مبارك الميلي ـ رحمه الله ـ مبيِّنًا أنَّ العقيدة السلفية هي الأصلُ في أهل المغرب، وإنما دخلَتْهم الأشعريةُ بسببِ ابنِ تُومَرْت: «وكان أهلُ المغرب سلفيِّين حتَّى رَحَلَ ابنُ تُومَرْت إلى الشرق وعَزَمَ على إحداثِ انقلابٍ بالمغرب سياسيٍّ علميٍّ دينيٍّ، فأخَذَ بطريقة الأشعريِّ ونَصَرها، وسمَّى المرابطين السلفيِّين: مجسِّمين، وتمَّ انقلابُه على يد عبد المؤمن؛ فتمَّ انتصارُ الأشاعرة بالمغرب، واحتجبَتِ السلفيةُ بسقوط دولة صنهاجة؛ فلم يَنْصُرْها بعدهم إلَّا أفرادٌ قليلون مِنْ أهل العلم في أزمنةٍ مختلفةٍ»(١٥).

وقال ـ رحمه الله ـ: «فنحن بالعقيدة السلفيَّة قائلون، ولِمَا مات عليه الأشعريُّ مُوافِقون»(١٦).

ـ ويُخْبِرُ الشيخ أبو يعلى الزواوي ـ رحمه الله ـ ـ بكلامٍ واضحٍ جليٍّ لا غبارَ عليه يفهمه العامُّ والخاصُّ ـ أنه وإخوانَه على العقيدة السلفية، وأنهم متبرِّئون مِنَ الأشعرية وغيرِها مِنَ المذاهب الكلامية؛ فيقول: «أمَّا أنا ومَنْ على شاكلتي مِنْ إخواني الكثيرين فلا شريعةَ لنا ولا دِينَ ولا ديوانَ إلَّا الكتاب والسنَّة وما عليه محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابُه وعقيدةُ السلف الصالح؛ فلا اعتزالَ ولا ماتريديَّ ولا أشعريَّ، وذلك أنَّ الأشاعرة تفرَّقوا واختلفوا، أيِ: المتقدِّمون منهم والمتأخِّرون، ووقعوا في ارتباكٍ مِنَ التأويل والحيرة في مسائلَ يطول شرحُها»(١٧).

ـ قال الشيخ العربي التبسِّي ـ رحمه الله ـ: «ونحن نعرض عملَهم هذا ونَقِيسُه بالهدي النبويِّ وعملِ السلف؛ فذلك الدِّينُ، وما لم يُعْرَف في تلك الأيَّام بعمومٍ أو خصوصٍ فليس مِنَ الدِّين؛ فإنكارُه قُرْبةٌ، والاعترافُ به بدعةٌ»، اﻫ(١٨).

وقال ـ رحمه الله ـ: «بهذا الأصلِ صار الدِّينُ لا يمكن أَنْ يُؤْخَذَ بحكم العوائد والمحاكاة، ولا تعلُّمه مِنَ الجاهلين، وإنما يُؤْخَذ ـ حقًّا ـ تعلُّمًا عن أهل العلم الحقيقيِّين، الذين يَستمِدُّون فهومَهم مِنْ عناصر الدِّين الأوَّليَّة التي هي الكتاب والسنَّة على مقتضى فهوم الأوَّلين مِنْ علماء الإسلام، الذين إذا تكلَّموا على العقائد بيَّنوها وبيَّنوا مآخِذَها وأدلَّتها، وشرحوا ما أُذِن لهم شرحُه، وتوقَّفوا فيما لا مجالَ للعلم فيه، أو ردُّوه إلى ما وَضَحَ معناه وظَهَر مغزاه»(١٩).

ـ قال الشيخ الطيِّب العقبي ـ رحمه الله ـ في قصيدته: «إلى الدين الخالص»:

«أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ مُعْتَقَدِي **** يَبْتَغِي مِنِّيَ مَا يَحْوِي الفُؤَادْ

إِنَّنِي لَسْتُ بِبِدْعِيٍّ وَلَا **** خَارِجِيٍّ دَأْبُهُ طُولُ العِنَادْ

يُحْدِثُ البِدْعَةَ فِي أَقْوَامِهِ **** فَتَعُمُّ الأَرْضَ نَجْدًا وَوِهَادْ

...

مَذْهَبِي شَرْعُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى**** وَاعْتِقَادِي سَلَفِيٌّ ذُو سَدَادْ

خُطَّتِي عِلْمٌ وَفِكْرٌ نَظَرٌ **** فِي شُؤُونِ الكَوْنِ، بَحْثٌ وَاجْتِهَادْ

وَطَرِيقُ الحَقِّ عِنْدِي وَاحِدٌ * مَشْرَبِي مَشْرَبُ قُرْبٍ لَا ابْتِعَادْ»

(ب) المسألة الثانية: ما يتعلَّق بالتصوُّف:

أمَّا ما يتعلَّق بالتصوُّف فحَسْبُ القارئِ في الجوابِ عنه هذه النقولاتُ مِنْ كلام علماء الجمعية ـ رحمهم الله ـ الصريحِ في إنكار دعوتهم على الصوفية وطرائقهم:

ـ نبتدئ ـ أوَّلًا ـ بإلقاءِ نظرةٍ في الأصول التي قد قامَتْ عليها الجمعيةُ وبنَتْ عليها دعوتَها، والتي قد ذُكِرَتْ تحت عنوان: «دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصولها»(٢٠)، وحينئذٍ نجد أنَّ منها: تبديع الطُّرُق الصوفية، وذلك في ما يلي: «الأصل السادسَ عشرَ: الأوضاع الطُّرقية بدعةٌ لم يَعرِفْها السلف، ومبناها كُلِّها على الغُلُوِّ في الشيخ، والتحيُّز لأتباع الشيخ، وخدمةِ دار الشيخ وأولاد الشيخ، إلى ما هنالك مِنَ الإذلال والاستغلال، ومِنْ تجميد العقول وإماتةٍ للهِمَم وقتلٍ للشعور، وغير ذلك مِنَ الشرور»(٢١).

وهذا الأصل ـ كغيره مِنَ الأصول ـ يلتزم بمضمونه كُلُّ أعضاء الجمعية مِنْ غير استثناءٍ، ولو لم يكن مِنَ الأدلَّة إلَّا هذا على تضليل علماء الجمعية للصوفية لَكفى به دليلًا؛ حيث جُعِل تبديعُهم مِنْ أصول دعوتهم.

ـ وهذه مجلَّةُ: «الشهاب» تشنُّ الغارةَ على مراكز الطرقية بقذائف الحقِّ بلا هوادةٍ حتَّى ارتفعَتْ رايةُ السلفية عاليةً في البلاد يستبشر بها العِبَادُ، سواءٌ العاكفُ منهم والباد، كالشيخ العلَّامة تقيِّ الدِّين الهلاليِّ ـ رحمه الله ـ لمَّا بَعَث برسالةٍ إلى المجلَّة يشجِّع إخوانَه القائمين عليها، ويعبِّر فيها عن سروره بجهودهم التي أنارَتِ الظلماتِ وأزالَتِ الخرافاتِ، وقد نُشِرَتْ هذه الرسالةُ في العدد: (١١٧) مِنَ المجلَّة، وممَّا ذُكِر فيها ما يلي: «جاءنا مِنَ الأخ الفاضل العالم السلفيِّ الأستاذ صاحِبِ الإمضاء ما يلي: «مكَّة المشرَّفة، ١١ صفر ١٣٤٦ إلى حضرة الفاضل ... أمَّا بعد: فقَدْ أطلعني على جريدتكم الغرَّاء المسمَّاةِ ﺑ: «الشهاب»، ولَنِعْمَ الشهابُ هي على رؤوس أعداء الله القبوريِّين والطرقيِّين أعداءِ الحقِّ وغَنَمِ الشيطان الرجيم، أطلعني عليها الأخُ الصالح الشيخُ؛ فكدتُ أطير فرحًا؛ لأنِّي تركتُ البلادَ مُظْلِمةً مُدْلَهِمَّةً بالخرافات والشرك، وكنتُ أظنُّها لا تزال تتخبَّط في ظلماتها، فإذا بأَشِعَّةِ النور أشرقَتْ عليها بسببِ أمثالكم وأمثالِ أستاذِكم الشيخِ عبد الحميد بنِ باديس؛ فنحن نُشْهِدُ اللهَ على محبَّتكم وموالاتكم؛ فإلى الأمام أيُّها الإخوان»»(٢٢).

ـ وقال محمَّد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ في مَعْرِضِ الموازنة بين علم الكلام والتصوُّف: أيُّهما أشرُّ وأضرُّ؟: «أمَّا المذاهب الكلامية فلم يكن أثرُها بالقليل في تفرُّق المسلمين وتمزُّق شملِهم، ولكِنْ لمَّا كان موضوعُها البحثَ في وجود الله وإثبات الصفات، وما يجب له مِنْ كمالٍ وما يستحيل عليه مِنْ نقصٍ ـ كُلُّ ذلك مِنْ طريق العقل ـ كانَتْ دائرتُها محدودةً، وكان التعمُّقُ فيها مِنْ شأن الخواصِّ، وقَعَد بالعامَّة عن الدخول في معترَكها إحساسُها بالتقصير في أدواته مِنْ جدلٍ وعقليَّاتٍ يُحتاج إليها في مَقامات المناظرة والحجاج؛ فليس علمُ الكلام كعلم التصوُّف مطيَّةً ذلولًا يندفع لركوبها العاجزُ والحازم؛ فالتصوُّفُ شيءٌ غامضٌ يُسعى إليه بوسائلَ غامضةٍ، ويسهل على كُلِّ واحدٍ ادِّعاؤه والتلبُّسُ به؛ فإِنْ خاف مُدَّعِيهِ الفضيحةَ لم يُعْدَمْ سلاحًا مِنَ الجَمْجَمَة والرَّمز وتسميةِ الأشياء بغير أسمائها، ثمَّ الفزع إلى لزوم السمت، والتدرُّع بالصمت، والإعراض عن الخَلْق، والانقطاع والهروب منهم، ما دام هذا كُلُّه معدودًا في التصوُّف وداخلًا في حدوده»(٢٣).

وقال ـ رحمه الله ـ: «إنَّ الخلاف بيننا وبين هؤلاء ليس في مسائلَ علميةٍ محصورةٍ يَعُدُّونها في كُلِّ بلدٍ بعددٍ ويُكْثِرون حولها اللغطَ؛ ليُوهِموا الناسَ أنَّ الخلاف علميٌّ ... وإنما الخلافُ بيننا وبينهم في طُرُقهم وزواياهم، وما يرتكبونه باسْمِها مِنَ المُنْكَرات التي فرَّقَتْ كلمةَ المسلمين، وجعلَتِ الدِّينَ الواحدَ أديانًا، فقلنا لهم ولا نزال نقول: «لا طُرُقيَّةَ في الإسلام»، وأقَمْنا على ذلك الأدلَّةَ مِنَ الدِّين وتاريخِه الأوَّلِ والعقلِ ومقتضَياته»(٢٤).

وقال ـ رحمه الله ـ: «ومِنْ مَكْرِها الكُبَّار أَنْ تعمد إلى العلماء ـ وهُمْ ألسنةُ الإسلام المنافِحةُ عنه ـ فترمِيَها بالشلل والخرس، وتصرفها في غيرِ ما خُلِقَتْ له؛ فقَدِ ابْتَلَتْ هذه الطُّرُقُ علماءَ الأمَّةِ في القديم بوساوسها وأوهامها حتَّى سكتوا لها عن باطِلِها، ثمَّ لم تكتفِ منهم بالسكوت، بل تَقاضَتْهم الإقرارَ لها والتنويهَ والتمجيد، وابْتَلَتْهم في الحديث بدُرَيْهِماتها ولُقَمِها، حتَّى زادوا على السكوت والإقرارِ الاتِّباعَ والانتسابَ والوقوفَ بالأعتاب، حتَّى أصبَحْنا نرى العالِمَ المؤلِّفَ يعرِّف نَفْسَه للناس في صدرِ تأليفه بمثلِ قوله: فلان المالكيُّ مذهبًا الأشعريُّ عقيدةً التيجانيُّ طريقةً»(٢٥).

ويقول ـ رحمه الله ـ: «أَمَا ـ واللهِ ـ ما بَلَغ الوضَّاعون للحديث، ولا بلغَتِ الجمعياتُ السرِّية ولا العلنية الكائدةُ للإسلام مِنْ هذا الدِّينِ عُشْرَ مِعْشارِ ما بلغَتْهُ مِنْ هذه الطُّرُقِ المشؤومة»(٢٦).

تتمِيمٌ: [انتصار علماء الجمعية للشيخ محمَّد بنِ عبد الوهَّاب ودفاعُهم عن دعوته]

إليك أيُّها القارئ المنصفُ هذه النقولاتِ مِنْ كلام علماء الجمعية الصريح ـ أيضًا ـ في الدفاع عن دعوة الشيخ محمَّد بنِ عبد الوهَّاب السلفيَّة والانتصارِ لها، وأنها ودعوةَ الجمعية شيءٌ واحدٌ، وأنهما متَّفِقتان تمامًا، وما ذلك إلَّا لاشتراكهما في المبدإ والغاية مِنَ الدعوة للتوحيد والاتِّباع، ونبذِ كُلِّ ما يُناقِضُ ذلك مِنَ الشرك والابتداع، وإنما تعمَّدْنا النقلَ مِنْ كلامهم فيما يتعلَّق بدعوة الشيخ محمَّد بنِ عبد الوهَّاب ـ وإِنْ لم يتعرَّضْ لها صاحِبُ المقال ـ إِذْ لا شكَّ أنه ـ إلى الآن ـ بارٌّ بأسلافه مِنْ الصوفية والأشاعرة في معاداته لمَنْ لقَّبوهم بالوهَّابيَّة؛ فأرَدْنا بذلك أَنْ نُبيِّن أنَّ الوهَّابية التي حذَّر منها أسلافُه ـ قديمًا ـ هي الوهَّابيةُ التي انتصر لها الأسلافُ مِنْ علماءِ الجمعية، وهي الوهَّابيةُ ـ حديثًا ـ التي نَبَزها ﺑ: «سلفية اليوم» و«السلفية المعاصِرة»؛ فلماذا فرَّق بينها وهي شيءٌ واحدٌ؟ ولِمَ يُنْكِرُ على مَنْ أثنى عليه الشيخ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ وإخوانُه، بل دافعوا عنه وعن دعوته وانتصروا لها؟ فهل هذا لجهلِه بحقيقة الأمر، أم لأنَّ الوهَّابية ـ المَقيتة عند أسلافه ـ لا تزال قائمةً بدورها ـ إلى الآن ـ باسْمِ: «سلفية اليوم أو المعاصِرة» ـ كما لقَّبها هو ـ ممَّا يَستوجبُ العداوةَ استصحابًا للأصل، أمَّا «جمعية العلماء» فلم تَبْقَ قائمةً بدورها الإصلاحيِّ ـ الآنَ ـ على النحو الذي كان في عهدِ مؤسِّسيها أو إلى زمنٍ قريبٍ حتَّى بايَنَتْ سبيلَهم ورَضِيَتْ بمُخالِفيهم وتَرَضَّتْهم حتَّى رَضُوا عنها ـ ردَّها اللهُ ردًّا جميلًا ـ فحالُهَا مِثْلُ صنيعِ صاحبِ هذا المقالِ المنتصر للصوفية والأشعرية؛ فالحكمُ عنده يدور مع عِلَّته وجودًا وعدمًا؟

ودعوة أهل السنَّة والجماعة واحدةٌ وإِنْ تَعدَّدَ مجدِّدوها، وتَغايَرَ ما لقَّبها به نابِزُوها، وتَباعدَتْ أقطارُها وأمصارها، واختلفَتْ أزمانُها وأعصارها، وليس ذلك إلَّا لأهل السنَّة، أمَّا أهلُ البدعة فهُمْ مختلفون ولو كانوا في قطرٍ واحدٍ وزمانٍ واحدٍ.

ودونك ما قاله الشيخ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ في تقريرِ هذا المعنى في مقدِّمةٍ كَتَبها لرسالة الشيخ العلَّامة عبد الله بنِ الشيخ محمَّد بنِ عبد الوهَّاب إلى الشيخ العلَّامة عبد الله الصنعانيِّ، وذلك لمَّا نَشَرها في «الشهاب» نقلًا عن مجلَّةِ «المنار»: «لم يَزَلْ في هذه الأمَّةِ في جميع أعصارها وأمصارها مَنْ يُجاهِدُ في سبيلِ إحياءِ السنَّة وإماتةِ البدعة بكُلِّ ما أُوتِيَ مِنْ قدرةٍ، ولمَّا كانَتْ كُلُّ بدعةٍ ضلالةً مُحْدَثةً لا أَصْلَ لها في الكتاب ولا في السنَّة؛ كان هؤلاء المجاهِدون كُلُّهم (يَدْعُون الناسَ إلى الرجوع ـ في دِينهم ـ إلى الكتاب والسنَّة وإلى ما كان عليه أهلُ القرون الثلاثة: خيرُ هذه الأمَّة، الذين هُمْ أَفْقَهُ الناسِ فيها، وأَشَدُّهم تمسُّكًا بهما)، هذه الكلماتُ القليلةُ المحصورةُ بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفةُ منذ نشأتها، ويُجاهِدُ فيه المصلحون مِنْ أنصارها... وهي ما كان يدعو إليه الشيخ محمَّد بنُ عبد الوهَّاب ـ رحمه الله ـ، وهي ما كان يدعو إليه جميعُ المصلحين في العالَم الإسلاميِّ... الكتابُ واحدٌ، والسنَّة واحدةٌ، والغاية ـ وهي الرجوعُ إليهما ـ واحدةٌ؛ فبالضرورة تكون الدعوةُ واحدةً، بلا حاجةٍ إلى تعارفٍ ولا ارتباطٍ، وإِنْ تَباعَدَتِ الأعصارُ والأمصار، هذه الحقيقةُ يتعامى عليها المبتدعون ذوو الإعراض عنها؛ فيصوِّرون ـ مِنْ خيالاتهم ـ أشباحًا وهميَّةً للدعوة الإصلاحية الدينيَّة المحضة التي نقوم بها؛ فيقولون عنها: «عبدوية»، ويقولون عنها: «وهَّابية»، ويقولون ويقولون ... وهم في الجميع متقوِّلون، يتقوَّل المتقوِّلون على هذه الدعوةِ على ظهورِ حقيقتها ووضوحِ طريقتها، ويخصِّصون أتباعَ الشيخ ابنِ عبد الوهَّاب بالقسط الكبير، وقد وقَفْنا في رصيفتنا: مجلَّةِ «المنار» الغرَّاء على كتابٍ للشيخ ابنِ عبد الوهَّاب، فيه بيانُ ما كان يدعو إليه مِنْ توحيدٍ واتِّباعٍ، وهو قاطعٌ لكُلِّ خصمٍ يقول عنه بجهلٍ أو افتراءٍ، نقَلْناهُ عنها ونشَرْناه فيما يلي..»(٢٧).

ويقول الشيخ ـ رحمه الله ـ في كلامٍ له يؤكِّد فيه أنَّ الدعوة واحدةٌ لأنَّ الحقَّ واحدٌ وإِنْ لم يَتعارفِ الداعون إليها، كما هو شأنُ الجمعية ودعوةِ الشيخ ابنِ عبد الوهَّاب ـ رحمه الله ـ، قال: «وأصبحَتِ الجماعةُ الداعية إلى الله يُدْعَوْنَ مِنَ الداعين إلى أَنْفُسِهم: «الوهَّابيِّين»، ولا ـ واللهِ ـ ما كنتُ أملك ـ يومئذٍ ـ كتابًا واحدًا لابن عبد الوهَّاب، ولا أعرف مِنْ ترجمةِ حياته إلَّا القليلَ، وواللهِ ما اشتريتُ كتابًا مِنْ كُتُبِه إلى اليوم، وإنما هي أُفَيْكَاتُ قومٍ يهرفون بما لا يعرفون، ويحاولون إطفاءَ نورِ الله ما لا يستطيعون، وسنُعْرِضُ عنهم ـ اليومَ ـ وهُمْ يَدْعوننا: «وهَّابيِّين» كما أعرَضْنا عنهم بالأمس وهُمْ يَدْعوننا: «عبداويِّين»، ولنا أسوةٌ بمواقفِ أمثالِنا مع أمثالهم مِنَ الماضين»(٢٨).

ـ وقال الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ ما يزيد تأكيدًا لِمَا سَبَق: «يا قومِ، إنَّ الحقَّ فوق الأشخاص، وإنَّ السنَّة لا تُسمَّى باسْمِ مَنْ أحياها، وإنَّ الوهَّابيِّين قومٌ مسلمون يُشارِكونكم في الانتساب إلى الإسلام، ويفوقونكم في إقامةِ شعائره وحدودِه، ويفوقون جميعَ المسلمين في هذا العصر بواحدةٍ وهي: أنهم لا يُقِرُّون البدعةَ، وما ذَنْبُهم إذا أنكروا ما أنكره كتابُ اللهِ وسنَّةُ رسوله، وتَيسَّرَ لهم مِنْ وسائلِ الاستطاعة ما قَدَروا به على تغيير المُنْكَر؟ أإذا وافَقْنا طائفةً مِنَ المسلمين في شيءٍ معلومٍ مِنَ الدِّين بالضرورة، وفي تغيير المُنْكَرات الفاشيةِ عندنا وعندهم ـ والمُنْكَرُ لا يختلف حكمُه باختلاف الأوطان ـ تنسبوننا إليهم تحقيرًا لنا ولهم، وازدراءً بنا وبهم، وإِنْ فرَّقَتْ بيننا وبينهم الاعتباراتُ؛ فنحن مالكيُّون برغم أنوفكم، وهُمْ حنبليُّون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهُمْ في الجزيرة، ونحن نُعْمِلُ في طريقِ الإصلاحِ الأقلامَ، وهُمْ يُعْمِلون فيها الأقدامَ، وهم يُعْمِلون في الأضرحةِ المَعاولَ، ونحن نُعْمِلُ في بانيها المَقاوِل»(٢٩).

ـ وقال الشيخ الطيِّب العقبي ـ رحمه الله ـ: «هذا، وإنَّ دعوتَنا الإصلاحية ـ قبل كُلِّ شيءٍ وبعده ـ هي دعوةٌ دينيَّةٌ محضةٌ، لا دَخْلَ لها في السياسة ألبتَّةَ، نريد منها تثقيفَ أمَّتنا وتهذيبَ مجتمعنا بتعاليمِ دِينِ الإسلام الصحيحة، وهي تتلخَّص في كلمتين: أَنْ لا نعبد إلَّا اللهَ وَحْدَه، وأَنْ لا تكون عبادتُنا له إلَّا بما شَرَعَه وجاء مِنْ عنده... ثمَّ ما هي هذه الوهَّابيَّةُ التي تَصَوَّرها المتخيِّلون أو صوَّرها لهم المجرمون بغير صورتها الحقيقيَّة؟ أهي حزبٌ سياسيٌّ؟... أم هي مذهبٌ دينيٌّ وعقيدةٌ إسلاميةٌ كغيرها مِنَ العقائد والمذاهب التي تنتحلها وتَدِينُ بها مذاهبُ وجماعاتٌ مِنَ المسلمين؟ وإذا كانَتِ الوهَّابية: هي عبادةَ الله وَحْدَه بما شَرَعه لعباده؛ فإنها هي مذهبُنا ودِينُنا ومِلَّتُنا السمحةُ التي نَدِينُ اللهَ بها، وعليها نحيا وعليها نموت ونُبْعَثُ ـ إِنْ شاء اللهُ ـ مِنَ الآمنين»(٣٠).

ـ وقال الشيخ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ دفاعًا عن أتباع الشيخ محمَّد بنِ عبد الوهَّاب وبيانًا لعقيدتهم السلفيَّة: «قام الشيخ محمَّد بنُ عبد الوهَّاب بدعوةٍ دينيَّةٍ؛ فتَبِعه عليها قومٌ فلُقِّبوا ﺑ: «الوهَّابيِّين»، لم يَدْعُ إلى مذهبٍ مُستقِلٍّ في الفقه؛ فإنَّ أتباعه النجديِّين كانوا قبله ولا زالوا ـ إلى الآن بعده ـ حنبليِّين؛ يدرسون الفقهَ في كُتُبِ الحنابلة، ولم يَدْعُ إلى مذهبٍ مُستقِلٍّ في العقائد؛ فإنَّ أتباعه كانوا قبله ولا زالوا ـ إلى الآن ـ سنِّيِّين سلفيِّين: أهلَ إثباتٍ وتنزيهٍ، يؤمنون بالقَدَرِ ويُثْبِتون الكسبَ والاختيار، ويصدِّقون بالرؤية، ويُثْبِتون الشفاعة، ويترضَّوْن عن جميع السلف، ولا يُكفِّرون بالكبيرة، ويُثْبِتون الكرامة، وإنما كانَتْ غايةُ دعوةِ ابنِ عبد الوهَّاب: تطهيرَ الدِّين مِنْ كُلِّ ما أَحْدَثَ فيه المُحْدِثون مِنَ البِدَعِ في الأقوال والأعمال والعقائد، والرجوعَ بالمسلمين إلى الصراط السويِّ مِنْ دِينِهم القويمِ بعد انحرافهم الكثير وزَيْغِهم المُبين، لم تكن هاتِهِ الغايةُ التي رمى إليها بالقريبة المَنال ولا السهلةِ السُّبُل؛ فإنَّ البِدَعَ والخرافاتِ باضَتْ وفرَّخَتْ في العقول، وانتشرَتْ في سائر الطوائف وجميعِ الطبقات على تعاقُبِ الأجيال في العصور الطوال؛ يَشِبُّ عليها الصغيرُ، ويشيب عليها الكبيرُ، أقام لها إبليسُ مِنْ جنده مِنَ الجنِّ والإنس أعوانًا وأنصارًا، وحُرَّاسًا كبارًا مِنْ زنادقةٍ مُنافِقين، ومعمَّمين جامدين محرِّفين، ومتصوِّفةٍ جاهلين، وخُطَباءَ وضَّاعين، فما كانَتْ ـ وهذا الرسوخُ رسوخُها، وهذه المَنَعَةُ مَنَعَتُها ـ لِتقوى على فعلِها طائفةٌ واحدةٌ ﻛ: «الوهَّابيِّين» في مدَّةٍ قليلةٍ، ولو أعدَّتْ ما شاءَتْ مِنَ العُدَّة، وارتكبَتْ ما استطاعَتْ مِنَ الشدَّة ... إنَّ الغاية التي رمى إليها ابنُ عبد الوهَّاب وسعى إليها أتباعُه هي التي لا زال يسعى إليها الأئمَّةُ المجدِّدون والعلماءُ المُصْلِحون في جميع الأزمان»(٣١).

ـ وقال الشيخ أبو يعلى الزواوي ـ رحمه الله ـ في مقالٍ بعنوان: «الوهَّابيُّون سنِّيُّون، وليسوا بمعتزلةٍ كما يقولون هنا عندنا بالجزائر»: «إنَّ ابنَ عبد الوهَّاب حنبليٌّ، وإنما هو عالِمٌ إصلاحيٌّ، وأتباعُه ـ السلطان ابنُ السعود ورعيَّتُه وإمارتُه النجدية ـ إصلاحيُّون سلفيُّون سنِّيُّون حقيقيُّون على مذهبِ أحمدَ الإمام، وعلى طريقةِ الإمام تقيِّ الدِّين ابنِ تيميَّة في الإصلاح والعناية التامَّة بالسنَّة»(٣٢).

وقال ـ رحمه الله ـ: «ولهذا قلتُ وما زِلْتُ ولن أزالَ أقولُ: إنَّ المالكيَّ الذي يطعن في الوهَّابيِّين يطعن في مالكٍ ومذهبِه مِنْ حيث يشعر أو لا يشعر، أو لأنه جاهلٌ أو متجاهِلٌ»(٣٣).

ـ يُتْبَع ـ

 


(١) وسيأتي نقلُ شيءٍ منه موثَّقًا بالمرجع والصفحة.

(٢) كذا قال صاحِبُ المقال، والصواب: «العلماء».

(٣) «فتاوى الشيخ أحمد حمَّاني»(٢/ ٥٩٧)، منشوارت وزارة الشؤون الدينية ـ الجزائر.

(٤) انظر:«فتاوى الشيخ أحمد حمَّاني»(١/ ٢٦١)، منشوارت وزارة الشؤون الدينية ـ الجزائر.

(٥) سَقَط مِنَ المقال قولُه: «الفلاسفة» قبل «السفسطائيِّين».

(٦) «مِنْ وثائق جمعية العلماء المسلمين» (١٧).

(٧) انظر: «رسالة الشرك ومظاهره» لمبارك الميلي (٢٧).

(٨) «العقائد الإسلامية» (٧٣).

(٩) انظر: تعليق محمَّد الصالح رمضان على «العقائد الإسلامية» (٧٣).

(١٠) «آثار ابنِ باديس»(١/ ٤٠٧)، جمع وترتيب: عمَّار طالبي.

(١١) «آثار ابنِ باديس»(٣/ ٢٢٢)، جمع وترتيب: عمَّار طالبي.

(١٢) «العقائد الإسلامية» (١٨).

(١٣) ومَنْ رَجَعَ إلى كتابه المذكور: «العقائد الإسلامية مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية» عَلِمَ يقينًا أنَّ مُرادَه ليس مجرَّدَ الرجوع إلى الكتاب والاكتفاء به عن السنَّة ومعارضَتها به فيما سَكَتَ عنه ونطقَتْ به مِنَ الأخبار والأحكام ـ كما هو صنيعُ القرآنيِّين ـ إذ طردُ هذا لا يمكن، وهو مِنْ أقبحِ البِدَع؛ فكما أنه لا يكون ممتثِلًا لأمرِ الله المُجْمَلِ بالصلاة مَنْ لم يعتبر ـ في الجملة ـ شروطَها وهيئاتِها الواردةَ في السنَّة، فإنه لا يكون عاملًا بالكتاب مَنْ ضَرَبَ به بيانَه مِنَ السنَّة أو عارَضَ السنَّةَ ـ فيما استقلَّتْ بحكمِه ـ بسكوتِ القرآن عنه، وإنما مُرادُه هو: الرجوعُ إلى الكتاب، ومِنَ الرجوعِ إليه: الرجوعُ إلى بيانه في السنَّة؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٧[الحشر]، وبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ» [انظر: «صحيح الجامع» (٨١٨٦)].وما استقلَّتِ السنَّةُ بحكمه عن الكتاب فهو كمِثْلِ ما وَرَد فيها مِنْ بيانه؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُوتِيَ القرآنَ ومِثْلَه مِنَ السنَّة معه، وجَعَلَ ما حرَّم اللهُ كما حرَّم رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم، وما كان في السنَّة فهو في كتاب الله؛ لأنها بيانٌ لِمَا أجملَتْه آياتُ الأمر بطاعة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومنها الآيةُ المذكورة، ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَبْطَلَ مِنَ الشروط ما لم يكن في كتاب الله، وهو المخالِفُ لمدلولِ الكتاب والسنَّة.

تنبيه: قد يُظَنُّ مِنْ هذا البابِ صنيعُ بعضِ الأئمَّة رحمهم الله مِنْ معارَضةِ بعض السنَّة كالآحاد بعمومات الكتاب واعتذارهم عن تخصيصه أو نسخِه بها لظنِّيَّتها في الثبوت، وهذا الصنيعُ ـ مع مرجوحيَّته على الصحيح ـ ليس مِنْ باب الاكتفاء بالقرآن عن السنَّة؛ لاعتبارهم السنَّةَ ـ في الجملة ـ بشروطٍ اشترطوها في أحوالٍ ـ مع اختلافهم في تلك الشروط ـ وقُصاراها في هذا الموضعِ اشتراطُهم تواترَها لأجلِ نسخِ المتواتر أو تخصيصِه، فليُتنبَّهْ.

(١٤) «العقائد الإسلامية» (٢٠).

(١٥) «تاريخ الجزائر في القديم والحديث» لمبارك الميلي (٧١١ ).

(١٦) «الشرك ومظاهره» لمبارك الميلي (٢٦).

تنبيه: في الجملة الأخيرة مِنْ كلام الشيخ مبارك الميلي ـ رحمه الله ـ إشارةٌ إلى ما كان مِنَ الإمام أبي الحسن الأشعريِّ في آخِرِ حياته مِنَ الرجوع إلى عقيدة السلف، وقد قرَّر هذا في كتابه: «الإبانة عن أصول الديانة»، وهو آخِرُ كُتُبه، وممَّا قال فيه (ص٢٠): «قولُنا الذي نقول به، وديانتُنا التي نَدِينُ بها: التمسُّكُ بكتاب ربِّنا عزَّ وجلَّ وبسنَّةِ نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وما رُوِي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمَّةِ الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بنُ محمَّد بنِ حنبلٍ ـ نضَّر الله وَجْهَه، ورَفَع درجتَه، وأجزل مَثوبتَه ـ قائلون، ولِمَا خالَفَ قولَه مخالِفون؛ لأنه الإمامُ الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان اللهُ به الحقَّ، ودَفَع به الضلالَ، وأوضح به المنهاجَ، وقَمَع به المُبتدِعين وزيغَ الزائغين وشكَّ الشاكِّين؛ فرحمةُ اللهِ عليه مِنْ إمامٍ مقدَّمٍ، وجليلٍ معظَّمٍ، وكبيرٍ مفخَّمٍ».

وقد كان الإمام أبو الحسن الأشعريُّ في أوَّل أمرِه على مذهب المعتزلة، وبقي على ذلك إلى سنِّ الأربعين يقرأ على أبي عليٍّ الجبَّائي، ثمَّ انتقل إلى المذهب الكُلَّابيِّ وهي مرحلةٌ ثانية مرَّ بها ـ وإليها ينتسب كُلُّ مَنْ يزعم أنه أشعريٌّ ـ قبل أَنْ يضع رَحْلَه على متنِ سفينةِ السلف مع أهل السنَّة والجماعة؛ ليسير على منهجِ أهلِ الحديث ويتخلَّى عن طريقةِ ابنِ كُلَّابٍ.

(١٧) «الإسلام الصحيح» لأبي يعلى الزواوي (٩٤).

(١٨) «بدعة الطرائق في الإسلام» للتبسِّي (٢٨).

(١٩) «المقالات» (٢/ ٢٧).

(٢٠) «مِنْ وثائقِ جمعية العلماء المسلمين» (١٥).

(٢١) «مِنْ وثائقِ جمعية العلماء المسلمين» (١٩).

(٢٢) العدد ١١٧ مِنَ «الشهاب» (١٥ ـ ١٦).

(٢٣) «آثار محمَّد البشير الإبراهيمي» (١/ ١٦٦).

(٢٤) «آثار محمَّد البشير الإبراهيمي» (١/ ٣٠٣).

(٢٥) «آثار محمَّد البشير الإبراهيمي» (١/ ١٧٠).

(٢٦) «آثار محمَّد البشير الإبراهيمي» (١/ ١٧١).

(٢٧) العدد ١٦٤ مِنْ جريدة: «الشهاب» (٢ ـ ٣).

(٢٨) العدد ٣ مِنْ جريدة: «السنَّة النبوية» (١).

(٢٩) انظر: «آثار الإبراهيمي» (١/ ١٢٣ ـ ١٢٤).

(٣٠) العدد ٢ مِنْ جريدة: «السنَّة» (٧).

(٣١) «آثار ابن باديس» (٥/ ٣٢ ـ ٣٣).

(٣٢) العدد ٩٨ مِنَ «الشهاب» (٢).

(٣٣) العدد ٧ مِنْ جريدة: «الصراط السويِّ» (٧).