Skip to Content
الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق لـ 28 مارس 2024 م

منتهى البيان
في حكمِ مَنْ أفطر ناسيًا في رمضان

أوَّلًا: نصُّ الحديث:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ ـ وَهُوَ صَائِمٌ ـ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ وأصحابُ السنن إلَّا النسائيَّ، واللفظُ لمسلمٍ(١).

ثانيًا: ترجمة راوي الحديث:

هو الصحابيُّ الجليل الحافظ المُكْثِرُ أبو هريرة رضي الله عنه، المعروفُ بكنيته، واخْتُلِفَ في اسْمِه على نحوِ ثلاثين قولًا، وأَشْهَرُها: عبد الرحمن بنُ صخرٍ الدَّوْسيُّ، مِنْ دَوْسِ بنِ عدنانَ بنِ عبد الله بنِ زهران، مِنَ اليمن، أَسْلَمَ عامَ خَيْبَرَ سنةَ سبعٍ مِنَ الهجرة، وقَدِمَ المدينةَ مُهاجِرًا وسَكَنَ الصُّفَّة، وكان قد شَهِدَ خَيْبَرَ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ لَزِمَه ووَاظَبَ عليه رغبةً في العلم، ويقول أبو هريرة رضي الله عنه مُحدِّثًا عن نَفْسِه: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُصْرَعُ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، فَيَقُولُ النَّاسُ: «إِنَّهُ مَجْنُونٌ»، وَمَا بِي جُنُونٌ، مَا بِي إِلَّا الْجُوعُ»(٢).

وقد كان رضي الله عنه أَكْثَرَ الصحابةِ روايةً وأوَّلَهُم على الإطلاق(٣)، وله في كُتُبِ الحديث أربعةٌ وسبعون وثلاثُمائةٍ وخمسةُ آلافِ حديثٍ (٥٣٧٤)(٤)، وله فضائلُ ومَناقِبُ.

وقد استعمله عُمَرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه على البحرين ثمَّ عَزَلَه، ثمَّ أرادَهُ على العمل فامتنع، وسَكَنَ المدينةَ ووَلِيَ إمرتَها، ونابَ عن مروان في إمرتها، وبها كانَتْ وفاتُه سنةَ سبعٍ وخمسين مِنَ الهجرة (٥٧ﻫ)، وقِيلَ: مات بالعقيق وحُمِلَ إلى المدينة، وصلَّى عليه الوليدُ بنُ عتبة بنِ أبي سفيان، وكان أميرًا على المدينة لعمِّه مُعاوية بنِ أبي سفيان رضي الله عنهما(٥).

ثالثًا: روايات الحديث:

الحديث رواه البخاريُّ مِنْ طريق هشامٍ الدستوائيِّ، عن ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بلفظ: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ..»(٦)، وفي «النذر» مِنْ طريق عَوْفٍ الأعرابيِّ عَنْ خِلَاس بنِ عمرٍو ومحمَّد بنِ سيرين عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بلفظ: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا ـ وَهُوَ صَائِمٌ ـ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ..»(٧).

ولأبي داود مِنْ طريقِ أَيُّوبَ، وَحَبِيبِ بنِ الشهيد، وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بلفظ: جَاءَ رَجُلٌ(٨) إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ؟» فَقَالَ: «اللهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»(٩).

والحديث في «سنن الترمذي» عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بلفظ: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا ـ وَهُوَ صَائِمٌ ـ فَلَا يُفْطِرْ؛ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ»(١٠).

وفي رواية الحاكم وابنِ حِبَّان والدارقطنيِّ مِنْ حديثِ أبي سَلَمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: «مَنْ أَفْطَرَ فِي [شَهْرِ] رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ»(١١)، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وهو صحيحٌ»(١٢).

وللدارقطنيِّ مِنْ طريقِ ابنِ عُلَيَّة عن هشامٍ عن ابنِ سيرين: «فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»(١٣).

وللحديث شاهدان:

أحدهما: ما أخرجه أحمد بإسناده عن بَشَّار بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ دِينَارٍ، عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إِسْحَاقَ [الغَنَوِيَّةِ] رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَنَاوَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْقًا فَقَالَ: «يَا أُمَّ إِسْحَاقَ أَصِيبِي مِنْ هَذَا»، فَذَكَرْتُ أَنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَبَرَدَتْ يَدِي: لَا أُقَدِّمُهَا وَلَا أُؤَخِّرُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكِ؟!» قَالَتْ: «كُنْتُ صَائِمَةً فَنَسِيتُ»، فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ: «آلْآنَ بَعْدَمَا شَبِعْتِ؟!»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتِمِّي صَوْمَكِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكِ»(١٤).

ثانيهما: ما أخرجه أحمد عن الحسن قال: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَنَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ»(١٥).

وللدارقطنيِّ طُرُقٌ أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه لكنَّها معلولةٌ.

رابعًا: مُفرَدات الحديث:

ـ «نَسِيَ»: مِنَ النسيان(١٦)، وهو مِنَ الألفاظ المُشترَكة، ويُطلَق على معنيَيْن(١٧):

الأوَّل: تركُ الشيء عن ذهولٍ وغفلةٍ، وهو خلافُ الذِّكر والحفظ.

الثاني: تركُ الشيء عن قصدٍ وتعمُّد، ومنه قولُه تعالى: ﴿نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡ[التوبة: ٦٧]، أي: تَرَكوا ذِكرَ اللهِ وما أَمَرهم به فعاملهم معاملةَ مَنْ نَسِيَهم(١٨)، كقوله تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰكُمۡ كَمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا[الجاثية: ٣٤]، وقولِه تعالى: ﴿فَنَسِيتَهَا‌ۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦[طه].

والمعنى الأوَّل هو الغالب، ويمكن تعريف النسيان ـ بهذا المعنى ـ بأنه: آفةٌ تَعرِض للإنسان أو معنًى وجدانيٌّ يعتري ذاكِرتَه بدون اختياره فتُوجِبُ عدمَ تذكُّرِ الشيء وقتَ حاجته إليه.

ـ الواو في «وهو صائمٌ»: واو الحال، أي: أنه «نَسِيَ ـ في حالِ صومه ـ فأَكَل أو شَرِب»(١٩).

ـ اللام في «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» لام الأمر، مُضارِعُه مجزومٌ، والميم مفتوحةٌ لأنه مضعَّفٌ(٢٠).

ـ «فَإِنَّمَا»: «إنَّما» أداةُ حصرٍ تُفيدُ الإثباتَ والنفي ـ عند الجمهور ـ وتُلحَق بالاستثناء مِنَ النفي الذي هو إثباتٌ إلحاقًا قياسيًّا(٢١)، ومعناها أنه: ما أَطعمَه ولا سَقَاهُ إلَّا اللهُ؛ فدلَّ ذلك على أنَّ النسيان مِنَ الله سبحانه، وأنَّه مِنْ لُطفه بعباده(٢٢).

ـ وعبارةُ: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»: تعليلٌ لكون الناسي لا يُفطِر، ووجهُ التعليل: أنَّه لمَّا كان الرِّزقُ مِنَ الله خالصًا لا يُضافُ إلى العبد ولا يُنسَب إليه لأنه لا تحيُّلَ له فيه؛ شُبِّه الأكلُ والشربُ ناسيًا به؛ لأنَّ النسيان لا صُنْعَ للعبد فيه(٢٣).

خامسًا: الفوائد والأحكام المُستنبَطة مِنَ الحديث:

تظهر الفوائدُ والأحكامُ على ما يأتي:

١ ـ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»: يدلُّ على أنَّ الآكل والشارب ناسيًا صومَه أنه صائمٌ حقيقةً ويمضي فيه، ولا يجب عليه القضاءُ(٢٤) ولا تَلْزَمه الكفَّارة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَفْطَرَ فِي [شَهْرِ] رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ»(٢٥)، ويؤيِّده روايةُ أبي داود في الرَّجل الذي جاء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُستفتِيًا له عمَّا يجب عليه، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «اللهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»(٢٦)، فلو كان القضاءُ والكفَّارة واجبَيْن لَبيَّنَهما له وأَمَره بهما؛ إذ «تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»(٢٧).

قال البسَّام ـ رحمه الله ـ: «ذلك أنَّ الكفَّارة شُرِعَتْ لتكفير الهفوات والذنوب، وترقيعِ النقص الذي حَصَل في العبادة، ومَنْ فَعَل ذلك ناسيًا فإنَّه لا ذَنْبَ عليه ولا نقصَ في عبادته لِتحتاجَ إلى تكفيرٍ وترقيعٍ، على أنَّ الكفَّارة عبادةٌ مِنَ العبادات، ولا تُشرَع إلَّا بنصٍّ مِنَ الشارع، ولم يُوجَدْ نصٌّ إلَّا في الجِماع في صيام شهر رمضان أداءً؛ لحرمة الزمن نفسِه»(٢٨).

٢ ـ وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»: دليلٌ ـ أيضًا ـ على أنَّ الصائم إذا أَكَل أو شَرِب ناسيًا فإنه يصحُّ صومُه فلا يُفطِر؛ لأنَّ أَمْرَه صلَّى الله عليه وسلَّم له بإتمامه يدلُّ على أنه صائمٌ حقيقةً، وهو مأمورٌ بإتمامِ صومه؛ إذ لو أَفطرَ لَمَا سُمِّيَ إتمامًا، ولو أَفطرَ لَمَا سُمِّيَ صومًا؛ فهذا هو الفرق بين العامد والناسي(٢٩).

٣ ـ وفي قوله: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»: دليلٌ آخَرُ على صحَّةِ صومه؛ لإشعاره بأنَّ الفعل الصادر مِنَ الناسي لا يُنسَب إليه؛ لأنه لا صُنْعَ له فيه، ولا تُضافُ مسؤوليةُ الحكم إليه؛ ويدلُّ على هذا المعنى قولُه تعالى: ﴿وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡ[البقرة: ٢٢٥]، والنسيانُ ليس مِنْ كَسْبِ القلب، وإنما الاعتبارُ للمقاصد في الأقوال والأفعال، فلو قَصَد الإفطارَ لَنُسِب الفعلُ إليه ولَأُضِيفَتْ مسؤوليةُ الحكم إليه(٣٠)، والمسألةُ خلافيَّةٌ سيأتي بيانُها في فقه الحديث.

٤ ـ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»: «هو كنايةٌ عن عدم الإثم؛ لأنَّ الفعل إذا كان مِنَ الله كان الإثمُ مُنتفِيًا»(٣١).

٥ ـ فيه لُطفُ اللهِ بعباده ورَفعُ المَشَقَّةِ عنهم ونفيُ الحرجِ عليهم، حيث يسَّر للعبد الأكلةَ والشربةَ وقتَ أَنْ أَنْساهُ حالَه وصيامَه، فصار هذا الرِّزقُ مَسُوقًا إليه مِنَ الله وَحْدَه، لا حيلةَ للعبد فيه ولا فِعلَ(٣٢)؛ ويؤيِّد هذا روايةُ الترمذيِّ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ»(٣٣)، وروايةُ الدارقطنيِّ: «فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»(٣٤).

٦ ـ فيه دليلٌ على أنَّ الصوم باقٍ بحاله؛ لأنَّ النسيان مِنَ الله(٣٥)، وهو مِنَ الأفعال الضرورية التي لا تُضافُ مسؤوليةُ حُكمها وما يترتَّب عليها إلى فاعِلها، أي: أنه غيرُ مُؤاخَذٍ بها(٣٦)؛ قال الخطَّابيُّ(٣٧) ـ رحمه الله ـ: «النسيان مِنْ باب الضرورة، والضروراتُ مِنْ فعل الله سبحانه، ليست مِنْ فعل العباد؛ ولذلك أضاف الفعلَ في ذلك إلى الله سبحانه وتعالى»(٣٨).

غير أنَّ الناسي ومَنْ في حكمه يضمن ما أَتلفَه مِنْ أموالٍ، مِنْ بابِ ربط الأسباب بمُسبَّباتها، وهو الحكم الوضعيُّ الذي يتعلَّق بفعل المكلَّف، وغيرِ المكلَّف كالصبيِّ والمجنون والنائم والناسي والساهي والمعتوه ونحوِهم؛ فإنهم يُغرَّمون ما أَتْلفوه؛ لكون الحكم الوضعيِّ قد وُجِد سببُه وهو الإتلاف(٣٩)؛ ولذلك كان مِنْ شرط الضرورة أَنْ لا يكون الاضطرارُ سببًا في إسقاط حقوق الآدَميِّين لكونها مبنيَّةً على الشُّحِّ والضمان؛ وذلك جريًا على قاعدةِ: «الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ» إذ الضررُ يُزالُ بلا ضررٍ، وقاعدةِ: «لَا يَكُونُ الِاضْطِرَارُ مُبْطِلًا لِحَقِّ الغَيْرِ»؛ فما لَحِقَ الغيرَ مِنْ أضرارٍ يَلْزَمه تعويضُهم عنها(٤٠).

٧ ـ تخصيص الأكل والشرب ناسيًا بالذِّكر في الحديث لا يدلُّ على تقييد الحكم بهما ونفيِه عمَّا عَدَاهما؛ لذلك يُلحَق الجماعُ ناسيًا بهما ـ على الرأي الراجح(٤١) ـ لمُساواتِه بالطعام والشراب في أنَّ الإمساك عنه ركنُ الصوم ـ أوَّلًا ـ ولأنَّ النسيان فيه مِنَ الله كالأكل والشرب، وهو مِنَ الأفعال الضرورية ـ ثانيًا ـ ولأنَّ روايةَ الحاكمِ وغيرِه بلفظ: «مَنْ أَفْطَرَ فِي [شَهْرِ] رَمَضَانَ نَاسِيًا..» الحديث(٤٢) يُؤكِّدُ دخولَ الجماع في عمومِ لفظِ: «أَفطرَ» ـ ثالثًا ـ.

وإنَّما خَصَّ الحديثُ الأكلَ والشرب بالذِّكر دون الجماع والحجامة ـ على القول بتفطيرها للصائم ـ لأنَّ الغالبَ وقوعُ النسيان فيهما، وهما أكثرُ تناولًا فلا يُستغنى عنهما، بخلافِ نسيان الجماع والحجامة فنادرٌ بالنسبة إليهما؛ والمعلومُ ـ أصوليًّا ـ أنَّ مِنْ شروط العمل بمفهوم المُخالفة أَنْ لا يخرج الكلامُ مَخرَجَ الغالب(٤٣)؛ لذلك كان التخصيصُ بالغالب لا يقتضي مفهومًا، هذا مِنْ جهةٍ؛ ولأنَّ مفهوم الأكل والشرب ـ مِنْ جهةٍ ثانيةٍ ـ إنما هو تعليقُ الحكم باللقب، ومفهومُ اللقب لا يُعمَل به لضعفِه(٤٤)، «وقد أَقرَّ ببطلانه كُلُّ محصِّلٍ مِنَ القائلين بالمفهوم (٤٥)» (٤٦).

٨ ـ خُصَّ الأكلُ والشرب بالذِّكر في الحديث ـ كما تقدَّم ـ لأنهما مِنْ أعظم المُفطِّرات وأغلبِها وقوعًا، ومع ذلك عُفِيَ عن الناسي فِطرُه، ويمضي في صيامه؛ فدلَّ ذلك على أنَّ الحديثَ غيرُ قاصرٍ فيهما ولا في عبادةِ الصوم خاصَّةً، بل فيه توسعةٌ عظيمةٌ في صحَّة العبادات بالأفعال المحظورة على وجه النسيان(٤٧) فلا يُستثنى منها شيءٌ؛ فمَنْ فَعَل أيَّ مُفطِّرٍ ناسيًا صحَّ صومُه وأَتمَّه، ومَنْ تكلَّم في الصلاة ناسيًا فلا تَبْطُلُ صلاتُه، جريًا على قاعدةِ: «فِعْلُ المَحْظُورِ فِي العِبَادَةِ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ لَا يُخِلُّ»(٤٨).

٩ ـ ظاهرُ الحديث يدلُّ ـ بعمومه ـ على أنَّ الصائم إذا تكرَّر منه الإفطارُ في اليوم الواحد نسيانًا فإنَّ صومه صحيحٌ يجب إتمامُه؛ لأنه لم يَرِدْ في حكم الحديثِ ما يخصِّصُه بعددٍ معيَّنٍ، وهو ما يجري الحكمُ به عند العلماء.

ومِنَ المُستظرَفات في ذلك: ما أخرجه عبد الرزَّاق عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عمرِو بنِ دينارٍ: أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: «أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَنَسِيتُ، فَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ»، قَالَ: «لَا بَأْسَ، اللهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»، قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ، فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ»، قَالَ: «لَا بَأْسَ، اللهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»، قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ، فَنَسِيتُ وَطَعِمْتُ»، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تُعَاوِدِ الصِّيَامَ»(٤٩).

١٠ ـ ظاهرُ الحديث يَرُدُّ على مَنْ فرَّق بين قليل الأكل وكثيرِه فيمَنْ أَفطرَ ناسيًا؛ ذلك لأنه لم يَرِدْ في الحديثِ ما يقيِّده بالكثرة ولا بالقلَّة، ولا بالمرَّة ولا بالتَّكرار(٥٠)؛ وذَهَب بعضُ الشافعية إلى أنَّ الأكل والشربَ الكثير ناسيًا يُفسِد الصومَ، مع تَبايُنِ أقوالهم في معنى الكثير، وإِنِ اتَّفق الشافعيةُ على أنَّ القليل لا يُفطِّر الصائمَ الناسيَ، إلَّا أنَّ جمهورهم على القول بالتسوية بين القلَّة والكثرة(٥١).

ودليلُ المفرِّقين بين القلَّة والكثرة: أنَّ النسيان مع الكثرة نادرٌ؛ ولأجلِ ذلك تَبْطُلُ الصلاةُ بالكلام الكثير ناسيًا عند الشافعية.

وجوابُه: أنَّ التفريق بين القليل والكثير عارٍ عن دليلٍ صحيحٍ يسنده ـ أوَّلًا ـ وضَبْط الكثيرِ مِنَ القليل متعسِّرٌ ـ ثانيًا ـ ولأنَّ التفريق واقعٌ في مُقابَلةِ عموم النصِّ المتقدِّم ـ ثالثًا ـ ولأنه قياسٌ على الصلاة مع ظهور الفارق ـ رابعًا ـ ذلك لأنَّ للصلاة هيئةً تُذكِّر المصلِّيَ أنه فيها، فيندر ذلك في الصلاة بخلاف الصوم؛ فدلَّ ذلك على عدم التفريق بين القلَّة والكثرة؛ ويؤيِّده ما تقدَّم تخريجُه عن أمِّ إِسْحَاقَ [الغَنَوِيَّة] رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَنَاوَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْقًا فَقَالَ: «يَا أُمَّ إِسْحَاقَ أَصِيبِي مِنْ هَذَا»، فَذَكَرْتُ أَنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَبَرَدَتْ يَدِي: لَا أُقَدِّمُهَا وَلَا أُؤَخِّرُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكِ؟!» قَالَتْ: «كُنْتُ صَائِمَةً فَنَسِيتُ»، فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ: «آلْآنَ بَعْدَمَا شَبِعْتِ؟!»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتِمِّي صَوْمَكِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكِ»(٥٢)، كما يشهد له قصَّةُ أبي هريرة رضي الله عنه مع الرَّجل الذي لم يُعاوِد الصيامَ(٥٣).

سادسًا: مواقف العلماء مِنَ الحديث (فقه الحديث):

تحرير محلِّ النزاع:

اتَّفق الأئمَّةُ الأربعة ومَنْ وافقهم مِنَ العلماء على أنَّ مَنْ أَكَل أو شَرِب متعمِّدًا ذاكرًا لصومه مُقيمًا صحيحًا في يومٍ مِنْ شهر رمضان فإنه آثمٌ ويُفطِر ويجب عليه القضاءُ(٥٤)؛ قال ابنُ قدامة(٥٥) ـ رحمه الله ـ بعد ذِكر المفطِّرات: «إنه يفطر بالأكل والشرب بالإجماع، وبدلالة الكتاب والسنَّة، أمَّا الكتاب: فقول الله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ[البقرة: ١٨٧]: مَدَّ الأكلَ والشرب إلى تبيُّن الفجر، ثمَّ أَمَر بالصيام عنهما؛ وأمَّا السنَّة فقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي»(٥٦)؛ وأَجمعَ العلماءُ على الفطر بالأكل والشرب بما يُتغذَّى به، فأمَّا ما لا يُتغذَّى به فعامَّةُ أهل العلم على أنَّ الفطر يحصل به»(٥٧)، وقال في موضعٍ آخَرَ: «إنه متى أفطرَ بشيءٍ مِنْ ذلك فعليه القضاءُ، لا نعلم في ذلك خلافًا(٥٨)؛ لأنَّ الصوم كان ثابتًا في الذمَّة، فلا تَبرَأ منه إلَّا بأدائه، ولم يُؤدِّه، فبقي على ما كان عليه»(٥٩).

واتَّفق جمهورُ العلماء ـ أيضًا ـ على أنَّ مَنْ أفطرَ ناسيًا أو ساهيًا في صيام التطوُّع فأَتمَّه فلا يَفْسُد صومُه، أو قَطَعه لعذرٍ فيه فلا قضاءَ عليه؛ قال أبو بكرٍ الرازيُّ(٦٠) ـ رحمه الله ـ: «اتَّفق فقهاءُ الأمصار على أنَّ أَكْلَ الناسي لا يُفْسِد صومَ التطوُّع»(٦١)، وقال ابنُ عبد البرِّ(٦٢) ـ رحمه الله ـ: «والفقهاء كُلُّهم مِنْ أهل الرأي والأثر يقولون: إنَّ المتطوِّع إذا أَفطرَ ناسيًا أو غَلَبه(٦٣) شيءٌ فلا قضاءَ عليه»(٦٤)، وقال ابنُ رشدٍ(٦٥) ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا حكم الإفطار في التطوُّع: فإنهم أجمعوا على أنه ليس على مَنْ دَخَل في صيامِ تطوُّعٍ فقَطَعه لعذرٍ قضاءٌ»(٦٦)، وهو المشهور عن مالكٍ ـ رحمه الله ـ قال: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَلْيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ ـ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ـ وَلَا يُفْطِرْهُ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَقْطَعُ صِيَامَهُ ـ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ـ قَضَاءٌ إِذَا كَانَ إِنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ»(٦٧).

واتَّفقوا على أنَّ مَنْ أَفطرَ بشيءٍ مِنَ المفطِّرات ناسيًا ـ سواءٌ كان صيامُه فرضًا أو تطوُّعًا ـ فلا إثمَ عليه؛ عملًا بحديثِ الباب وبحديثِ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»(٦٨).

غير أنَّ العلماء اختلفوا فيمَنْ أَفطرَ في صيام الفرض ناسيًا على مذهبين مشهورين، وسأتناول المذهبين بالعرض وسَوْق أدلَّتِهم، مع مناقشة الفريقين وتفنيدِ أدلَّتِهما، ثمَّ أختم المسألةَ ببيانِ سببِ الخلاف فيها، ثمَّ ترجيح المذهب المختار فيما يلي:

أ) مذاهب العلماء في المسألة:

اختلف العلماءُ في مسألةِ مَنْ أَفطرَ ناسيًا في صوم الفرض: هل يَفْسُد صومُه ويَلْزَمه القضاءُ أم لا؟ على مذهبين وهما:

مذهب الجمهور: أنَّ الصائم إذا أَفطرَ ناسيًا مُطلَقًا ـ سواءٌ في صيام الفرض أو النفل ـ فهو صائمٌ حقيقةً، ويمضي في صومه الصحيح، ولا يجب عليه القضاءُ، وهو مذهبُ جمهور السلف، وإليه ذَهَب أبو حنيفة وأصحابُه(٦٩) والحنابلة(٧٠) وجمهورُ الشافعية(٧١) وأهلُ الظاهر(٧٢).

مذهب مالك: أنَّ الصائم إذا أفطرَ ناسيًا في صيام الفرض دون التطوُّع فإنه يَفْسُد صومُه ويمضي فيه ويَلْزَمه القضاءُ، وهو قولُ شيخه ربيعة والليث بنِ سعدٍ وغيرِهم(٧٣)، وقال بعض الشافعية: إنه يُفطِر بالكثير دون القليل، مع اختلافهم في ضابط الكثرة(٧٤).

ب) أدلَّة مذاهب العلماء:

سأتناول أدلَّةَ مذهب الجمهور القائلين بأنَّ مَنْ أَفطرَ ناسيًا في صوم الفرض أو التطوُّع فإنَّ صيامه صحيحٌ يمضي فيه ولا قضاءَ عليه ـ أوَّلًا ـ ثمَّ أستتبعه ـ ثانيًا ـ بأدلَّةِ مالكٍ ـ رحمه الله ـ الذي خالف الحُكمَ في الفرض دون التطوُّع، فأَلزمَ المُفطِرَ الناسيَ ـ في صيام الفرض ـ المُضِيَّ فيه، مع وجوب القضاء عليه، وذلك على الوجه التالي:

١) أدلَّة الجمهور:

استدلَّ الجمهورُ في مسألةِ صحَّة صوم المُفطِر الناسي ـ في صيام الفرض ـ بالسنَّة والآثار والمعقول:

أمَّا السنَّة: فاستدلُّوا بحديث الباب والروايات الأخرى للحديث المتقدِّمة(٧٥)، والتي تدلُّ على صحَّة صوم المفطر الناسي مطلقًا مِنَ الوجوه التالية:

ـ أنه صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَره بالإتمام تخصيصًا له بصحَّة الصوم نسيانًا، فهو إتمامٌ لصومٍ صحيحٍ؛ ذلك لأنَّ لفظ «الإتمام» في الحديث يُحمَل على حقيقته الشرعية، فيُتمسَّك بها حتَّى يدلَّ دليلٌ أو قرينةٌ صارفةٌ إلى الحقيقة اللغوية(٧٦)، ونَقَل ابنُ بطَّالٍ عن ابنِ المنذر ـ رحمهما الله ـ قولَه: «وحجَّةُ القول الأوَّل: قولُه عليه السلام فيمَنْ أَكَل أو شَرِب ناسيًا: إنه يُتِمُّ صومَه؛ وغيرُ جائزٍ أَنْ يأمر مَنْ هذه صِفَتُه أَنْ يُتِمَّ صومَه فيُتِمَّه ويكونَ غيرَ تامٍّ، هذا يستحيل؛ وإذا أَتمَّه فهو صومٌ تامٌّ، ولا شيءَ على مَنْ صومُه تامٌّ»(٧٧).

ـ ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم علَّل أَمْرَه بالإتمام بأنَّ الله أَطعمَه وسَقَاه، فلا بُدَّ أَنْ يكون لهذه العلَّةِ أثرٌ في هذا الحكم، ولا أثرَ لها فيه إلَّا مِنْ جهةِ أَنْ يكون إتمامُ الصوم صحيحًا، فلو انتفى هذا المعنى لم يصحَّ التعليلُ به(٧٨).

ـ الحديث يدلُّ على بقاء الصوم على حاله صحيحًا لا يَفْسُد؛ لأنَّ النسيان كان مِنَ الله تعالى، وليس مِنْ كسب القلب، بمعنَى أنه مِنَ الأفعال الاضطرارية التي لا اختيارَ للعبد فيها ولا قدرةَ له مِنْ نفسه للتحكُّم فيها، فلا تُضافُ مسؤوليةُ حُكمها وما يترتَّب عليها إلى فاعلها، وإنما أُضيفَ إلى الله تعالى لوقوعه بفعلِ المكلَّف مِنْ غير قصدٍ(٧٩)؛ فالعبرةُ ـ إذن ـ إنما هي للمقاصد في الأقوال والأفعال، فلو قَصَد الفطرَ لَنُسِبَ إليه.

ومِنَ السنَّة ـ أيضًا ـ استدلُّوا بما في روايةِ أبي داود: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ؟» فَقَالَ: «اللهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»(٨٠)؛ ووجه الاستدلال بالحديث: أنَّ الرَّجلَ جاء مُستفتِيًا له عن الحكم وشاكًّا في فساد صومه مع الأكل والشرب نسيانًا، ومع ذلك لم يأمره بالقضاء، فلو كان القضاءُ واجبًا لَمَا أخَّر ذِكرَه؛ لأنَّ «تَأْخِيرَ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»(٨١).

أمَّا الآثار فإنه يؤكِّد دلالاتِ الأحاديث السابقةِ منها:

ـ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه المتقدِّم: أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَهُ فَقَالَ: «أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَنَسِيتُ، فَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ»، قَالَ: «لَا بَأْسَ، اللهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»، قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ، فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ» قَالَ: «لَا بَأْسَ، اللهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»، قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ، فَنَسِيتُ وَطَعِمْتُ»، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تُعَاوِدِ الصِّيَامَ»(٨٢).

ـ حديثُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه فِي الرَّجُلِ يَأْكُلُ وَهُوَ صَائِمٌ نَاسِيًا قَالَ: «لَا يُفْطِرُ؛ فَإِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَهَا اللهُ إِيَّاهُ»(٨٣).

فالشاهد مِنْ فتوى أبي هريرة وعليٍّ رضي الله عنهما أنهما لم يُبْطِلَا صيامَ المُفطِر الناسي لصومه، ولم يأمراه بالقضاء؛ وذلك مُوافِقٌ لِمَا تدلُّ عليه الأحاديثُ السابقة، علمًا أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه راوي الحديث؛ والمعلومُ تقعيدًا أنَّ «الرَّاوِيَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى».

أمَّا مِنَ المعقول فاستدلُّوا بما يلي:

ـ «أنَّ النسيان ـ في باب الصوم ـ ممَّا يغلب وجودُه، ولا يمكن دفعُه إلَّا بحرجٍ؛ فجُعِل عذرًا دفعًا للحرج»(٨٤).

ـ وأنَّ الصوم ليس فيه فعلٌ ظاهرٌ يفعله المكلَّفُ سوى الإمساكِ عن المفطِّرات؛ فدَخَل في باب التروك، وكان الفطرُ فيه مِنْ باب المنهيَّات؛ فإذا تقرَّر ذلك فإنَّ ارتكابَ الفعلِ المحظورِ في عبادة الصوم على وجه النسيان لا يُبْطِلها لتأثير النسيان في باب المنهيَّات دون المأمورات(٨٥).

٢) أدلَّة مذهب مالك:

استدل مالكٌ ـ رحمه الله ـ ومَنْ وافقه بالكتاب والسنَّة والقياس والمعقول:

فأمَّا مِنَ الكتاب فاستدلُّوا بقوله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ[البقرة: ١٨٧]؛ وجه دلالة الآية: أنَّ الله تعالى أَمَر بالإمساك عن المفطِّرات مِنْ طلوع الفجر، ثمَّ إتمام الإمساك إلى الغروب؛ والمُفطِر ناسيًا أَفسَدَ صومَه لأنه لم يُتْمِمْه، فينتقض الصومُ لفواتِ رُكنه وهو الإمساكُ الذي خَرَمه، فأَشبَهَ العامدَ في الحكم؛ وعليه فإنَّ على المُفطِرِ القضاءَ في رمضان ناسيًا باعتباره مكلَّفًا معذورًا يجب عليه القضاءُ ـ كالمريض والمسافر وغيرِهما ـ بنصِّ قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة: ١٨٤، ١٨٥](٨٦).

أمَّا مِنَ السنَّة فاستدلُّوا بما يلي:

ـ بحديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ لَا يُفَطِّرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ، وَالقَيْءُ، وَالِاحْتِلَامُ»(٨٧)؛ فظاهرُ الحديث يدلُّ على أنَّ ما عَدَا الثلاثَ المُستثنَيَاتِ مِنَ الحديثِ مفطِّرةٌ؛ فيدخل في ذلك الفطرُ نسيانًا وسهوًا.

ـ بحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ»(٨٨)؛ وجه دلالة الحديث: أنَّ مَنْ أَفطرَ ـ في رمضان ـ ناسيًا فإنه يقضي عنه ـ بمفهومه ـ صومُ بعضِ الدَّهر، وهو قضاءُ يومٍ مكانَه(٨٩).

أمَّا مِنَ القياس فاستدلُّوا بما يلي:

ـ بقياس الصوم على الكلام في الصلاة ناسيًا: يُبطِلها، وكذلك الإحداثُ فيها؛ والقياس ـ في ذلك ـ أنَّ المُحدِث سهوًا في الصلاة تَبْطُل صلاتُه إِنْ ذَكَر بعد ذلك، فكذلك الأكلُ سهوًا في الصيام(٩٠).

ـ وبالقياس على ركعةٍ مِنَ الصلاة؛ «لأنَّ الفطر ضِدُّ الصوم، والإمساكَ ركنُ الصوم؛ فأَشبَهَ ما لو نَسِي ركعةً مِنَ الصلاة»(٩١).

ـ وبالقياس على المُجامِع في رمضان؛ فقَدْ جاء في الحديث: «وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ»(٩٢)، ولم يسأله جامَعَ عامدًا أو ناسيًا(٩٣)، وهذا يجري فيه العمومُ؛ عملًا بقاعدةِ: «تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ  يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ العُمُومِ فِي المَقَالِ، وَيَحْسُنُ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ»(٩٤).

ـ وبالقياس الأولويِّ على المريض؛ قال القاضي عبدُ الوهَّاب(٩٥) ـ رحمه الله ـ: «ولأنه أكلٌ في صومٍ مُفترَضٍ لا يسقط بالمرض كالمريض، ولأنَّ القضاء إذا وَجَب على المريض مع كونه أَعذَرَ مِنَ الناسي كان بأَنْ يجب على الناسي أَوْلى»(٩٦).

أمَّا مِنَ المعقول فاستدلُّوا:

ـ بأنَّ وجود الفطر مُضادٌّ للإمساك، ومُضادُّ الشيء مُعدِمٌ له لاستحالة اجتماع الضدَّيْن(٩٧).

ـ ولأنَّ الصوم عبادةٌ يَلزَم التمادي فيها بعد فسادها؛ لأن فسادها ـ في الغالب ـ بشهوة البطن والفَرْج وشدَّةِ الميل؛ لذلك كان المكلَّفُ بها مأمورًا بالتمادي فيها؛ فإنَّ الاستمرار في الإمساك والتمادي يُعَدُّ زجرًا للنفس، مع وجوب قضائها بعد ذلك(٩٨).

ج) مناقشة أدلَّة العلماء:

أتناول مناقشةَ أدلَّة الجمهور القائلين بأنَّ الصائم إذا أَفطرَ ناسيًا مطلقًا ـ سواءٌ في رمضان أو في غيره، فرضًا كان أو تطوُّعًا ـ فإنَّ صومه صحيحٌ ويمضي فيه، ولا يجب عليه القضاءُ، وما استدلُّوا به على مذهبهم مِنَ السنَّة والآثار والمعقولِ فأَجعلُه في فقرةٍ أُولى؛ ثمَّ أقوم بمناقشةِ أدلَّةِ مذهبِ مالكٍ ـ رحمه الله ـ ومَنْ وافقه، القائلين بأنَّ الصائم إذا أَفطرَ ناسيًا في صيام الفرض دون التطوُّع فإنَّ صومه يَفْسُد، ويَلْزَمه المُضِيُّ فيه وقضاؤه، وما استدلُّوا به على مذهبهم مِنَ الكتاب والسنَّة والقياس والمعقول فأَجعلُه في فقرةٍ ثانيةٍ.

الفقرة الأولى: مناقشة أدلَّة الجمهور:

يمكن مناقشةُ أدلَّة الجمهور مِنَ الزوايا التالية:

الزاوية الأولى: مِنَ السنَّة:

فقَدْ أجاب علماءُ المالكية عن حديث الباب والروايات الأخرى في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» بأنه ليس فيها سوى إثباتِ عُذر الناسي، وأنه ليس كالمُنتهِك العامد؛ وهذا يقتضي نفيَ الإثم والمؤاخذة عن الصائم لعلَّة النسيان، وسقوطَ الكفَّارة عنه؛ ولكنَّ هذا لا يدلُّ على صحَّةِ صيامه ولا على نفي القضاء؛ لأنَّ المطلوبَ منه صيامٌ لا يقع فيه خَرْمٌ؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ‌[البقرة: ١٨٧]؛ فلمَّا لم يأتِ به على وجه التمام بقي في ذِمَّته ولَزِمه قضاؤه(٩٩)؛ «لأنَّ صورة الصوم قد عُدِمَتْ، وحقيقتَه بالأكل قد ذَهَبَتْ؛ والشيءُ لا بقاءَ له مع ذهابِ حقيقته: كالحدثِ يُبْطِل الطهارةَ، سهوًا جاء أو عمدًا»(١٠٠).

وعدمُ ذِكر القضاء في الحديث لا يَلْزَم منه عدمُ وجوبه على الناسي؛ إذ يُحتمَل عدمُ ذِكره للعلم به، أو لم يُنقَل كما لم يُنقَل في حديث الأعرابيِّ المُجامِع لزوجته أمرٌ بقضائها(١٠١)؛ لذلك لا ينبغي التعلُّقُ بهذا؛ أو لعلَّ الحديث يُحمَل على صوم التطوُّع؛ فإنَّ صوم التطوُّع لا قضاءَ فيه لِمَنْ أَكَل ناسيًا ـ وقد تقدَّم(١٠٢) ـ إذ لا دليلَ يقيِّدُه بأنَّ وقوعه كان في رمضان.

إلَّا أنَّ القرطبيَّ ـ رحمه الله ـ تعقَّب هذا الجوابَ بقوله: «هذا ما احتجَّ به علماؤنا، وهو صحيحٌ لولا ما صحَّ عن الشارع ما ذَكَرْناه، وقد جاء بالنصِّ الصريح الصحيح، وهو ما رواه أبو هريرة عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» أخرجه الدارقطنيُّ(١٠٣) وقال: «تفرَّد به ابنُ مرزوقٍ ـ وهو ثِقَةٌ ـ عن الأنصاريِّ»، فزال الاحتمالُ وارتفع الإشكالُ»(١٠٤).

وقد حَمَل بعضُ المالكيةِ الزيادةَ في رواية الدارقطنيِّ على معنَى أَنْ لا قضاءَ عليه على الفور، أي: لا قضاءَ عليك الآنَ؛ ولا يخفى بُعدُ هذا التأويلِ وتعسُّفُه؛ لذلك تَعقَّبه ابنُ العربيِّ ـ رحمه الله ـ بأنه باطلٌ(١٠٥).

الزاوية الثانية: مِنَ الآثار:

وغايةُ ما تدلُّ عليه الآثارُ التي استدلَّ بها الجمهورُ إنما هو تأكيدٌ لدلالاتِ الأحاديث السابقة التي حُمِلَتْ على مذهب المالكية في رفع الإثم والمؤاخذة لعلَّة النسيان، أو تُحمَل على صيام التطوُّع ـ كما تقدَّم ـ علمًا بأنَّ هذه الآثارَ لا تقوى على معارضةِ أدلَّة المُخالِفين مِنَ الكتاب والسنَّة.

الزاوية الثالثة: مِنَ المعقول:

لا يُقِرُّ المالكيةُ ومَنْ وافقهم على أنَّ الصوم يدخل في باب التروك والمنهيَّات، وإنما هو صومٌ «قد فات رُكنُه، وهو مِنْ باب المأمورات؛ والقاعدةُ تقتضي: أنَّ النسيان لا يؤثِّر في طلب المأمورات»(١٠٦).

أمَّا بقيَّةُ وجوه الاستدلال بالمعقول فمردودةٌ لمعارضتها لأدلَّة المالكية مِنَ الكتاب والسنَّة والقياس والمعقول.

الفقرة الثانية: مناقشة أدلَّة المالكية:

يمكن مناقشةُ أدلَّة المالكية مِنَ الزوايا الآتية:

الزاوية الأولى: مِنَ الكتاب:

ليس في الآية المُستدَلِّ بها ما يدلُّ على وجوب القضاء إلَّا بنوعِ استنتاجٍ بالمعقول، وهو أنَّ الإتمام في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ[البقرة: ١٨٧] لم يأتِ على وجه التمام لوقوع الخرم ـ بالأكل والشرب ـ للإمساك المطلوب؛ لذلك يبقى وجوبُ القضاء قائمًا؛ ولا يخفى أنَّ هذا الاستدلالَ تُعارِضُه الأحاديثُ الدالَّةُ على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَره بالإتمام في قوله: «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»؛ فكان ذلك تخصيصًا له بصحَّةِ صومه إذا أَفطرَ ناسيًا، وهو محمولٌ على حقيقته الشرعية دون اللغوية لافتقارها إلى قرينةٍ صارفةٍ(١٠٧)، ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم علَّل أَمْرَه بالإتمام بأنَّ اللهَ أَطعمَه وسَقَاهُ؛ فدلَّ ذلك على أنَّ للعلَّة أثرًا في الحكم؛ ووجهُ التأثير فيه يتجلَّى في جانبِ كونِ إتمام الصوم صحيحًا، وهذا المعنى لو عُدِم لم يَبْقَ التعليلُ به صحيحًا(١٠٨)؛ وغيرُ جائزٍ أَنْ يأمر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَنْ صِفَتُه الفطرُ ناسيًا أَنْ يُتِمَّ صومَه فيُتِمَّه ويكونَ غيرَ تامٍّ؛ فإذا أَتمَّه فهو صيامٌ تامٌّ، لا يَلْزَمه قضاءٌ بعد تمامه.

ولو سُلِّم ـ جدلًا ـ عمومُ دلالةِ الآية على وجوب القضاء للعامد والناسي فقَدْ جاء الحديثُ يخصِّص مِنْ عمومه الناسيَ، عملًا بالجمع بين الدليلين، و«الإِعْمَالُ أَوْلَى مِنَ الإِهْمَالِ».

وأمَّا حملُ الحديث على التطوُّع فقَدْ أجاب عنه الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ بقوله: «وهو حملٌ غيرُ صحيحٍ واعتذارٌ فاسدٌ، يردُّه ما وَقَع في حديث الباب مِنَ التصريح بالقضاء»(١٠٩).

الزاوية الثانية: مِنَ السنَّة:

ـ أمَّا الاستدلال بحديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه مرفوعًا: «ثَلَاثٌ لَا يُفَطِّرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ، وَالقَيْءُ، وَالِاحْتِلَامُ»(١١٠) فقَدْ ضعَّفه الترمذيُّ ـ كما تقدَّم ـ وقال: «حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ حديثٌ غيرُ محفوظٍ»(١١١)، وضعَّفه الدارقطنيُّ ـ أيضًا ـ في «العِلَل»(١١٢) وغيرُهما(١١٣).

علمًا أنه ـ على فرضِ صحَّة الحديث ـ لم يكن ـ في الحقيقة ـ نصًّا في القصر على الثلاث المذكورةِ فيه، بل هو نصٌّ في الانتهاء إليها، لا نصٌّ على منع الزيادة عليها؛ لورود الحديث في مُتعلَّق الحكم لا في نفس الحكم، فلا تُمنَع الزيادةُ على الثلاث كمَّا قرَّره الأصوليُّون؛ ولو قدَّرْنا ـ جدلًا ـ صحَّةَ الحديثين وسلامةَ دلالتهما على المطلوب لكانتا في معنى العامِّ المُعارَض بخصوصِ حديثِ الباب والرواياتِ الأخرى الصحيحة المُسنَدة المتقدِّمة، وهي أَوْلى بالتقديم والعمل.

ـ أمَّا الاستدلال بحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ» فقَدْ تقدَّم بيانُ ضعفِه عند تخريجه(١١٤)، وعلَّقه البخاريُّ بصيغة التمريض فلا ينتهض للاحتجاج به على وجوب القضاء، ولو سُلِّم العملُ بمفهومه ـ في هذا المَقامِ ـ لَلَزِم القولُ بأنَّ على الصائم الناسي صيامَ الدهر كُلِّه حتَّى يَجزيَ عنه ذلك اليومُ، وهو ـ بلا شكٍّ ـ احتجاجٌ بعيدٌ.

الزاوية الثالثة: مِنَ القياس:

ـ أمَّا القياس على الصلاة فهو في مُقابَلة النصِّ فلا يُقبَل(١١٥)، هذا مِنْ جهةٍ؛ وقد تَعقَّب ابنُ رشدٍ ـ رحمه الله ـ ـ مِنْ جهةٍ ثانيةٍ ـ هذا القياسَ بقوله: «وذلك أنَّا إِنْ قلنا: إنَّ الأصل هو أَنْ لا يَلْزَم الناسِيَ قضاءٌ حتَّى يدلَّ الدليلُ على ذلك وَجَب أَنْ يكون النسيانُ لا يُوجِبُ القضاءَ في الصوم؛ إذ لا دليلَ ـ هاهنا ـ على ذلك، بخلاف الأمر في الصلاة؛ وإِنْ قلنا: إنَّ الأصل هو إيجابُ القضاء حتَّى يدلَّ الدليلُ على رفعه عن الناسي فقَدْ دلَّ الدليلُ في حديثِ أبي هريرة على رفعه عن الناسي؛ اللَّهمَّ إلَّا أَنْ يقول قائلٌ: إنَّ الدليل الذي استثنى ناسِيَ الصوم مِنْ ناسي سائر العبادات التي رُفِع عن تاركها الحرجُ بالنصِّ هو قياسُ الصوم على الصلاة؛ لكنَّ إيجاب القضاءِ بالقياس فيه ضعفٌ، وإنما القضاء ـ عند الأكثر ـ واجبٌ بأمرٍ متجدِّدٍ»(١١٦).

ـ وأمَّا القياس على المُجامِع في رمضان فهو قياسٌ مع ظهور الفارق؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَر المُجامِع بالتوبة التي لا تكون إلَّا عن العمد، ولو سُلِّم ـ جدلًا ـ الأخذُ بعموم قاعدةِ: «ترك الاستفصال» فإنَّ حديثَ الباب مخصِّصٌ لذلك العموم؛ قال الشوكانيُّ(١١٧) ـ رحمه الله ـ: «ومِنَ الغرائبِ تمسُّكُ بعضِ المتأخِّرين في فساد الصوم ووجوبِ القضاء بما وَقَع في حديث المُجامِع بلفظِ: «وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» قال: ولم يسأله: هل جامَعَ عامدًا أو ناسيًا؟ وهذا يردُّه ما وَقَع في أوَّل الحديث، فإنه عند سعيد بنِ منصورٍ بلفظ: «فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تُبْ إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرْهُ، وَتَصَدَّقْ، وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ»»(١١٨)؛ والتوبةُ والاستغفار إنما يكونان عن العمد لا عن الخطإ؛ وأيضًا ـ بعد تسليمِ تنزيلِ تركِ الاستفصال منزلةَ العموم ـ يكون حديثُ الباب مخصِّصًا له، فلم يَبْقَ ما يُوجِبُ تَرْكَ العملِ بالحديث»(١١٩).

وقد ذَكَر ابنُ رشدٍ ـ رحمه الله ـ ضَعْفَ هذا القياسِ بنظرةٍ أخرى بقوله: «وأمَّا مَنْ أَوجبَ القضاءَ والكفَّارة على المُجامِع ناسيًا فضعيفٌ؛ فإنَّ تأثير النسيان في إسقاط العقوبات بيِّنٌ في الشرع، والكفَّارة مِنْ أنواع العقوبات، وإنما أصارهم إلى ذلك أخذُهم بمُجمَلِ الصفة المنقولة في الحديث، أعني: مِنْ أنه لم يُذكَر فيه أنه فَعَل ذلك عمدًا ولا نسيانًا، لكنَّ مَنْ أَوجبَ الكفَّارةَ على قاتل الصيد نسيانًا لم يحفظ أَصْلَه في هذا مع أنَّ النصَّ إنما جاء في المتعمِّد؛ وقد كان يجب على أهل الظاهر أَنْ يأخذوا بالمتَّفَق عليه، وهو: إيجابُ الكفَّارة على العامد إلى أَنْ يدلَّ الدليلُ على إيجابها على الناسي، أو يأخذوا بعمومِ قوله عليه الصلاةُ والسلام: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ»(١٢٠) حتَّى يدلَّ الدليلُ على التخصيص؛ ولكنَّ كِلَا الفريقين لم يَلزَمْ أصلَه، وليس في مُجمَلِ ما نُقِل مِنْ حديثِ الأعرابيِّ حجَّةٌ؛ ومَنْ قال مِنْ أهل الأصول: إنَّ تَرْك التفصيلِ في اختلاف الأحوال مِنَ الشارع بمنزلة العموم في الأقوال فضعيفٌ؛ فإنَّ الشارع لم يحكم قطُّ إلَّا على مفصَّلٍ، وإنما الإجمالُ في حقِّنا»(١٢١).

ـ أمَّا القياس على إفطار المريض المعذور فهو قياسٌ مع ظهور الفارق بين النسيان الذي ليس مِنْ كسبِ القلب لوقوعه مِنْ فعل المكلَّف مِنْ غيرِ قصدٍ، وبين المريض المتقصِّد للإفطار لعلَّة المرض؛ فهو وإِنْ كان معذورًا إلَّا أنه مِنْ كسبِ قلبه؛ لمكانِ قدرة العبد فيه واختيارِه، هذا مِنْ جهةٍ.

ومِنْ جهةٍ أخرى فقَدْ ثَبَت لكُلٍّ مِنَ الحالتين السابقتين حكمٌ مُختلِفٌ منصوصٌ عليه: ففي المرض أَوجبَ اللهُ القضاءَ في قوله تعالى: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة: ١٨٥]، بينما أَمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الصائمَ الناسيَ بالإتمام تخصيصًا له بصحَّة الصوم نسيانًا؛ معلِّلًا ذلك بأنَّ الله أطعمَه وسَقَاه، الدالِّ على أنَّ النسيان كان مِنَ الله تعالى قَدَرًا وشرعًا، وليس مِنْ كسبِ القلب، فافترقا.

ولأنَّ القياس ـ مِنْ جهةٍ ثالثةٍ وأخيرةٍ ـ قياسٌ فاسدٌ لا اعتبارَ له؛ لمقابلته لنصِّ حديثِ الباب الصحيحِ الصريح.

الزاوية الرابعة: مِنَ المعقول:

ـ وأمَّا الاستدلال بالمعقول مِنْ جهةِ أنَّ وجود الفطر مُضادٌّ للإمساك، ومُضادُّ الشيء مُعدِمٌ له؛ فإنما يصحُّ هذا التعليلُ عقلًا ويصدق على المتعمِّد، ولكنَّ البحث إنَّما هو في صحَّةِ صوم الناسي شرعًا، وقد وَرَد نصُّ الحديث على صحَّته لإشعاره بأنَّ الفعل الصادرَ منه لا يُنسَب إليه ـ كما تقدَّم(١٢٢) ـ وأمرُه بإتمامه يدلُّ على أنه صائمٌ حقيقةً؛ إذ هو مأمورٌ بإتمامِ صومه؛ إذ لو أعدمَ صومَه بالفطر لَمَا سُمِّيَ إتمامًا ولا صومًا؛ فهذا فرقٌ بين العامد والناسي(١٢٣).

ـ وأمَّا القول بأنَّ الصوم عبادةٌ يجب التمادي فيها بعد فسادها زجرًا للنفس مع وجوب قضائها، فغيرُ مُنتهِضٍ؛ لأنَّ المسألة المبحوثَ فيها إنما هي في دليل وجوب قضائها، لا في وجوب التمادي فيها؛ والمعلومُ أنَّ لفظَ «الإتمام» في حديثِ الباب يُحمَل على حقيقته الشرعية لا على حقيقته اللغوية؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بُعِث لبيان الأحكام الشرعية لا لتعريف الألقاب والمعاني اللغوية؛ لذلك كان حملُ اللفظ الشرعيِّ على حقيقته الشرعية أَوْلى وأَوكدَ.

هذا، وعلى كُلِّ حالٍ، فإنَّ الاستدلال بالمعقول يقع فاسدَ الاعتبار كسابقه، لمقابلته للنصِّ الشرعيِّ المتمثِّل في حديث الباب والروايات الأخرى المتقدِّمة للحديث(١٢٤).

د) سبب الاختلاف:

يرجع ـ في نظري ـ سببُ الاختلاف ـ في هذه المسألة ـ إلى ما يأتي:

ـ هل يُحمَل لفظُ «الإتمام» في الحديث على حقيقته الشرعية لانتفاء القرينة الصارفة، أم يُحمَل على حقيقته اللغوية لوجود قرينةٍ صارفةٍ؟

ـ هل يُحمَل قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» على الإخبار بعدم الإثم والمؤاخذة لعلَّة النسيان مع بقاءِ لزومِ قضاءِ صومه، أم يُحمَل على عذرِ الناسي وصحَّةِ صومه وعدمِ قضائه له؟

ـ هل الصيام يَندرِج ضِمنَ المأموراتِ التي لا يؤثِّر النسيانُ فيها، أم أنه يندرج في المنهيَّات والتروكِ التي يؤثِّر النسيانُ في حكمها؟

ـ هل حديثُ الباب مِنْ خبر الواحد الذي لا يُعمَل به إذا خالف قواعدَ المذهب ويُقدَّم القياسُ عليه(١٢٥)، أم أنَّ الحديثَ نَفْسَه قاعدةٌ مُستقِلَّةٌ في الصيام لا يقبل المعارضةَ بالقياس؟

فمَنْ رأى أنَّ لفظ «الإتمام» في الحديث يُحمَل على حقيقته الشرعية لانتفاء القرينة الصارفة، ولا يجوز أَنْ يُؤمَر بإتمامِ صومه ويكونَ غيرَ تامٍّ، ورأى أنَّ قوله: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» يُحمَل على عذرِ الناسي وبقاءِ الصوم على حاله صحيحًا لا قضاءَ عليه لأنَّ النسيان كان مِنَ الله تعالى وليس مِنْ كسبِ القلب، ورأى أنَّ الصيام لا يدخل في المأمورات، وإنما يندرج تحت المنهيَّات والتروك، فيؤثِّر النسيانُ في حكمها، ورأى أنَّ حديثَ الباب نَفْسَه قاعدةٌ مُستقِلَّةٌ في الصيام لا تقبل المعارضةَ بالقياس؛ قال: إنَّ الصائم إذا أَفطرَ ناسيًا مطلقًا ـ سواءٌ في صيام الفرض أو النفل ـ فهو صائمٌ حقيقةً، ويمضي في صومه الصحيح، ولا يجب عليه القضاءُ، وهو مذهبُ جمهور السلف، وإليه ذَهَب أبو حنيفة وأصحابُه والحنابلةُ وجمهورُ الشافعية وأهلُ الظاهر ـ كما تقدَّم(١٢٦) ـ.

ومَنْ رأى أنَّ لفظ «الإتمام» في الحديث يُحمَل على حقيقته اللغوية لوجود الأدلَّة الصارفة عنها، ورأى أنَّ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» يُحمَل على الإخبار بعدم الإثم والمؤاخذة لعلَّة النسيان مع بقاء وجوبِ قضائه عليه، لدخول الصيام في المأمورات التي لا يؤثِّر النسيانُ في حكمها، ورأى أنَّ حديث الباب مِنْ خبر الواحد الذي لا يُعمَل به إذا خالف قواعدَ المذهب، ورأى أنَّ القياس يقتضي تشبيهَ ناسي الصوم بناسي الصلاة فيُقدَّم على ظاهر الحديث(١٢٧)؛ قال: إنَّ الصائم إذا أَفطرَ في صيام الفرض دون التطوُّع فإنه يَفْسُد صومُه، لكنَّه يمضي فيه ويَلزَمه قضاؤه، وهو مذهبُ مالكٍ، وهو قولُ شيخِه ربيعةَ والليث بنِ سعدٍ وغيرِهم ـ كما سبق بيانُه(١٢٨) ـ.

ﻫ) الرأي المختار:

بعد النظر في أدلَّة الفريقين ومناقشتِها فإنَّ الذي يظهر راجحًا هو مذهبُ الجمهورِ القائلُ بإسقاط القضاء عمَّنْ أَكَل أو شَرِب ناسيًا لقوَّةِ دليله وصحَّةِ نظره، وذلك للأسباب التالية:

ـ لأنَّ الإتمام في الحديث يُحمَل ـ في الأصل ـ على حقيقته الشرعية إِنْ لم يُوجَدْ صارفٌ عنها إلى إرادة اللغوية، وهو مذهبُ جمهور الأصوليِّين، وهو التحقيقُ، خلافًا لأبي حنيفة في تقديم اللغوية، أو لمَنْ قال: يصير اللفظُ مُجمَلًا.

وأدلَّة المالكية ـ في الجملة ـ لا تنتهض صوارفَ، إمَّا لضعفِ سندها، أو لعدمِ قوَّتِها في معارضتها لحديث الباب، أو لكونها أقيسةً واقعةً في مقابلة النصِّ، أو لظهور الفرق بين المقيس والمقيس عليه، أو لأسبابٍ أخرى تقدَّم ذِكرُها في المناقشة(١٢٩).

ـ ولأنَّ النسيان كان مِنَ الله تعالى، وهو ـ سبحانه ـ الذي أطعمه وسَقَاه، فليس هذا الأكلُ والشرب ممَّا يُضافُ إليه حتَّى يفطر به؛ إذ لا اختيارَ له فيه ولا قُدرةَ، فليس ـ إذن ـ مِنْ كسبِ قلبه؛ وإنما يُفطِر بما فَعَله قصدًا، «وهذا بمنزلةِ أكله وشُربه في نومه؛ إذ لا تكليفَ بفعل النائم ولا بفعل الناسي»(١٣٠).

ـ ولأنَّ أثر تعليل أمرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالإتمام بأنَّ الله تعالى أَطعمَه وسَقَاه يتجلَّى ـ بوضوحٍ ـ مِنْ حيثيةِ كون إتمام الصوم يُعَدُّ صحيحًا؛ إذ لو انتفَتْ هذه الحيثيةُ لم يَبْقَ للتعليل بها وجهٌ(١٣١).

ـ ولأنَّ الصيام يدخل في باب التروك والمنهيَّات؛ إذ ليس فيه فعلٌ ظاهرٌ يفعله المكلَّفُ سوى الإمساكِ عن المفطِّرات؛ فارتكابُ المحظور فيه ينتفي فيه القضاءُ مثلما ينتفي عنه الإثمُ والمؤاخذةُ لعلَّة النسيان؛ ويبقى صيامُه تامًّا صحيحًا وهو الأغلبُ(١٣٢)؛ وإذا سُلِّم ـ جدلًا ـ أنَّ الصيام داخلٌ في باب المأمور، «والقاعدةُ أنَّ النسيان لا يؤثِّر في المأمورات، فيجاب عنه بأنَّ غايةَ هذه القاعدةِ المدَّعاة أَنْ تكون بمنزلة الدليل؛ فيكون حديث الباب مخصِّصًا لها»(١٣٣).

ـ ولأنه لا يُسلَّم أنَّ حديث الباب مِنْ خبر الواحد الذي لا يُعمَل به إذا خالف القاعدةَ، بل إنَّ خبر الواحد ـ في حدِّ ذاته ـ حجَّةٌ قائمةٌ و«قاعدةٌ مُستقِلَّةٌ بالصيام؛ فمَنْ عارضه بالقياس على الصلاة أَدخلَ قاعدةً في قاعدةٍ، ولو فُتِح بابُ ردِّ الأحاديث الصحيحة بمثلِ هذا لَمَا بقي مِنَ الحديث إلَّا القليلُ»(١٣٤)، «ولَرَدَّ مَنْ شاء ما شاء»(١٣٥).

وعليه، فحديثُ الباب حجَّةٌ مُستقِلَّةٌ تدلُّ على أنَّ الصائم إذا أَفطرَ ناسيًا مُطلقًا ـ سواءٌ في صيام الفرض أو النفل، أو في الأكل الكثير أو القليل ـ فهو صائمٌ حقيقةً ويمضي في صومه، ولا يجب عليه القضاءُ مِنْ جهة، وليس عليه إثمٌ ولا مؤاخذةٌ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ وذلك لعلَّة النسيان؛ وهذه الحجَّةُ المُستقِلَّة تشهد لمذهب جمهور السلف بأنه أقوى دليلًا وأصحُّ نظرًا وأَشبهُ بدلالة الكتاب والسنَّةِ والقياس، وأَحقُّ بالاتِّباع والعمل.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٣ شوَّال ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٧ جويلية ٢٠١٨م



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» (٤/ ١٥٥) باب الصائم إذا أَكَل أو شَرِب ناسيًا، وفي «الأيمان والنذور» (١١/ ٥٤٩) باب: إذا حَنِث ناسيًا في الأيمان، ومسلمٌ في «الصيام» (٨/ ٣٥) باب: أكلُ الناسي وشُربُه وجِماعُه لا يفطِّر، وأبو داود في «الصوم» (٢/ ٧٨٩) بابُ مَنْ أَكَل ناسيًا، والترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ١٠٠) بابُ ما جاء في الصائم يأكل أو يشرب ناسيًا، وابنُ ماجه في «الصيام» (١/ ٥٣٥) بابُ ما جاء فيمَنْ أَفطرَ ناسيًا.

(٢) أخرجه أبو نُعَيْمٍ في «الحِلْية» (١/ ٣٧٨)، وهو في البخاريِّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» (١٣/ ٣٠٣) بابُ ما ذَكَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وحضَّ على اتِّفاقِ أهلِ العلم.. بلفظ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الجَائِي فَيَضَعْ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وَيُرَى أَنِّي مَجْنُونٌ، وَمَا بِي مِنْ جُنُونٍ، مَا بِي إِلَّا الجُوعُ».

(٣) وسببُ ذلك لزومُه مجالسَ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ومُواظَبتُه عليها، ودعاؤه صلَّى الله عليه وسلَّم له؛ يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «وَاللهُ المَوْعِدُ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَصْحَبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ المُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ القِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَحَضَرْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا فَقَالَ: «مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ إِلَيْهِ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي»، فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ حَتَّى قَضَى حَدِيثَه ثُمَّ قَبَضْتُهَا إِلَيَّ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ» [أخرجه أحمد في «مسنده» (٢/ ٢٤٠)].

أمَّا عن كُنيتِه رضي الله عنه فقَدْ أَخرجَ الترمذيُّ (٥/ ٦٨٦) عن عبد الله بنِ رافعٍ قال: قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «لِمَ كُنِّيتَ أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قَالَ: «أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي؟» قُلْتُ: «بَلَى ـ وَاللهِ ـ إِنِّي لَأَهَابُكَ»، قَالَ: «كُنْتُ أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي، فَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ، فَكُنْتُ أَضَعُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ، فَإِذَا كَانَ النَّهَارُ ذَهَبْتُ بِهَا مَعِي فَلَعِبْتُ بِهَا؛ فَكَنَّوْنِي: أَبَا هُرَيْرَةَ».

(٤) انظر: «الباعث الحثيث» لأحمد شاكر شرح «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (١٨٧).

(٥) انظر ترجمته وأحاديثَه في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٢/ ٣٦٢، ٤/ ٣٢٥)، «مسند أحمد» (٢/ ٢٢٨، ٥/ ١١٤)، «المَعارِف» لابن قتيبة (٢٧٧)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٤/ ١٧٦٨)، «مستدرك الحاكم» (٣/ ٥٠٦)، «جامع الأصول» لأبي السعادات بنِ الأثير (٩/ ٩٥)، «الكامل» (٣/ ٥٢٦) و«أُسْد الغابة» (٥/ ٣١٥) كلاهما لأبي الحسن بنِ الأثير، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» (٢/ ٥٧٨) و«طبقات القُرَّاء» (١/ ٤٣) و«الكاشف» (٣/ ٣٨٥) و«دُوَل الإسلام» (١/ ٤٢) كُلُّها للذهبي، «البداية والنهاية» لابن كثير (٨/ ١٠٣)، «مَجْمَع الزوائد» للهيثمي (٩/ ٣٦١)، «وفيات ابنِ قنفذ» (٢١)، «الإصابة» (٤/ ٢٠٢) و«تهذيب التهذيب» (٢/ ٢٦٢) كلاهما لابن حجر، «طبقات الحُفَّاظ» للسيوطي (١٧)، «شذرات الذهب» لابن العماد (١/ ٦٣)، «الفكر السامي» للحجوي (١/ ٢/ ٢٤٧)، ومؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (١٩٨).

(٦) أخرجه البخاريُّ في «الصوم» (٤/ ١٥٥) بابُ الصائم إذا أَكَل أو شَرِب ناسيًا.

(٧) أخرجه البخاريُّ في «الأيمان والنذور» (١١/ ٥٤٩) باب: إذا حَنِث ناسيًا في الأيمان، وابنُ ماجه في «الصيام» (١/ ٥٣٥) بابُ ما جاء فيمَنْ أَفطرَ ناسيًا.

(٨) قال ابنُ حجر في «فتح الباري» (٤/ ١٥٦): «وهذا الرَّجلُ هو أبو هريرة راوي الحديث».

(٩) أخرجه أبو داود في «الصوم» (٢/ ٧٨٩ ـ ٧٩٠) بابُ مَنْ أَكَل ناسيًا.

(١٠) أخرجه الترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ١٠٠) بابُ ما جاء في الصائم يأكل أو يشرب ناسيًا، قال الترمذيُّ: «حديثُ أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ».

(١١) أخرجه ابنُ خزيمة في «صحيحه» (٣/ ٢٣٩)، وابنُ حِبَّان في «صحيحه» (٨/ ٢٨٧)، والدارقطنيُّ في «سننه» (٢/ ١٥٨)، والحاكم في «مستدركه» (١/ ٤٣٠) وصحَّحه على شرط مسلمٍ ووافقه الذهبيُّ، وأخرجه البيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٢٩) وقال: «كُلُّهم ثِقَاتٌ»، وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٨٧).

(١٢) «بلوغ المَرام» لابن حجر (٢/ ٣٢٧) ومعه: «سُبُل السلام».

(١٣) أخرجه الدارقطنيُّ في «سننه» (٢/ ١٥٧ ـ ١٥٨) وقال: «إسنادٌ صحيحٌ، وكُلُّهم ثِقَاتٌ».

(١٤) أخرجه أحمد في «مسنده» (٦/ ٣٦٧) مِنْ حديثِ أمِّ حكيمٍ بنتِ دينارٍ، عن مولاتها أمِّ إسحاق الغَنَوية رضي الله عنها. سَكَت عنه ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٤/ ١٥٧)، وقال الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٨٨): «وهذا سندٌ ضعيفٌ؛ أمُّ حكيمٍ هذه لا تُعرَف، وبشَّارٌ مُختلَفٌ فيه».

(١٥) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢/ ٣٩٥، ٤٩٣) عن الحسن بلاغًا. قال الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٨٨): «وإسنادُه مُرسَلٌ صحيحٌ».

(١٦) انظر الفرقَ بين النسيان والسهو في: «الفروق في اللغة» للعسكري (١/ ٣٦٩)، والفرق بين النسيان والغفلة في: «مدارج السالكين» لابن القيِّم (٢/ ٤٥١).

(١٧) انظر: «الكُلِّيَّات» لأبي البقا (٥٠٦).

(١٨) انظر: «تفسير ابنِ كثير» (٢/ ٣٦٨)، «فتح القدير» للشوكاني (٢/ ٣٧٩).

(١٩) «رياض الأفهام» للفاكهاني (٣/ ٤٠٠).

(٢٠) انظر: «شذا العرف» للحملاوي (٣٨).

(٢١) انظر: المصادِرَ الأصولية المُثبَتة على هامشِ تحقيقي لكتاب «الإشارة» (٣٣٣)؛ علمًا أنَّ المُثبِتين للحصر ـ وهُم الجمهور ـ يختلفون في الجهة التي تدلُّ على الحصر: أهي النطق أم الفهم؟

(٢٢) انظر: «توضيح الأحكام» للبسَّام (٢/ ٦٨٩).

(٢٣) انظر: المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.

(٢٤) انظر: «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد ومعه: «العدَّة» للصنعاني (٣/ ١٦٨)، «شرح عمدة الأحكام» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٥٧)، «رياض الأفهام» للفاكهاني (٣/ ٤٠٠)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦)، «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٢٧)، «توضيح الأحكام» للبسَّام (٢/ ٦٩١).

(٢٥) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ١١).

(٢٦) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٩).

(٢٧) انظر: «الإنارة» للمؤلِّف شرح «كتاب الإشارة» للباجي (٨١)، وانظر تفصيلَ المذاهبِ وأدلَّتها في هذه المسألةِ في: المصادر المُثبَتة على هامش كتاب «الإشارة» للباجي بتحقيقي (٢١٥).

(٢٨) «توضيح الأحكام» للبسَّام (٢/ ٦٩١).

(٢٩) انظر: «شرح مسلم» للنووي (٨/ ٣٥)، «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد ومعه: «العدَّة» للصنعاني (٣/ ١٦٨)، «شرح العمدة» ـ كتاب الصيام ـ لابن تيمية (١/ ٤٥٧)، «رياض الأفهام» للفاكهاني (٣/ ٤٠٠)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦)، «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٢٧)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٧٥)، «توضيح الأحكام» للبسَّام (٢/ ٢٩٠).

(٣٠) انظر: «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٦٨)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦)، «توضيح الأحكام» للبسَّام (٢/ ٦٩٠).

(٣١) «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٧٧).

(٣٢) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦، ١٥٧).

(٣٣) سبق تخريجه، انظر: (#الهامش ١٠).

(٣٤) سبق تخريجه، انظر: (#الهامش ١٣).

(٣٥) أي: أنَّ الله أنسى المُكلَّفَ صومَه، ورَزَقه الطعامَ والشراب، فصار غيرَ مكلَّفٍ بهذا الفعلِ مِنْ أجل النسيان؛ إذ لا صُنعَ له فيه، وإنما هو فعلُ الله فقط قَدَرًا وشرعًا، فيسقط قلمُ التكليف عن هذا الفعلِ لأنَّ فِعلَ الله لا يتوجَّه إليه التكليف، [انظر: «شرح العمدة» ـ كتاب الصيام ـ لابن تيمية (١/ ٤٥٨)، «توضيح الأحكام» للبسَّام (٢/ ٦٩٠)].

(٣٦) يقسِّم العلماءُ أفعالَ العباد إلى قسمين:

أفعال اضطرارية: لا اختيارَ للعبد فيها ولا قدرةَ له مِنْ نفسه على التحكُّم فيها، فهذا القسمُ مِنَ الأفعال لم تختلف المذاهبُ العَقَديةُ في أنه مخلوقٌ لله قولًا واحدًا؛ لأنَّ الحركاتِ الاضطراريةَ ليسَتْ فعلًا مختارًا للعبد، وإنما هي صفةٌ له؛ ولهذا لا يتعلَّق التكليفُ بالأفعال الاضطرارية، ولا يترتَّب عليها ـ أصلًا ـ ثوابٌ ولا عقابٌ.

أفعال اختيارية: تحصل بإرادة المكلَّف واختيارِه، وله سلطةٌ وقدرةٌ على التحكُّم فيها، فهذه هي التي يتعلَّق بها التكليفُ والثواب والعقاب، [راجِعْ: «تحفة الأنيس شرح عقيدة التوحيد للإمام ابن باديس» للمؤلِّف (٩٢)]

(٣٧) هو أبو سليمان حمدُ بنُ محمَّد بنِ إبراهيم بنِ خطَّابٍ الخطَّابيُّ البُسْتيُّ الشافعيُّ، كان إمامًا في الفقه والحديث، أديبًا عالمًا مُحقِّقًا، له تآليفُ منها: «مَعالِمُ السنن»، و«غريبُ الحديث»، و«إصلاحُ غَلَطِ المُحدِّثين». تُوُفِّيَ سنة: (٣٨٨ﻫ).

انظر ترجمته في: «معجم الأُدَباء» لياقوت (٤/ ٢٤٦)، «اللباب» لابن الأثير (١/ ٤٥٢)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٢/ ٢١٤)، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذهبي (١٧/ ٢٣)، «طبقات الإسنوي» (١/ ٢٢٣)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١١/ ٢٣٦)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (١/ ١٥٦)، «بغية الوُعَاة» (٢٣٩) و«طبقات الحُفَّاظ» (٤٠٤) كلاهما للسيوطي، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ١٢٧)، «الرسالة المُسْتَطْرَفة» للكتَّاني (٤٤)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٣/ ١٣٣)، ومؤلَّفي: «الإعلام» (٧١).

(٣٨) «معالم السنن» للخطَّابي مع «سنن أبي داود» (٢/ ٧٩٠)، وانظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٩١).

(٣٩) راجِعِ الفوارق بين الحكم التكليفيِّ والوضعيِّ في مؤلَّفي: «الفتح المأمول» (٨٦، ١١٥).

(٤٠) انظر: ضوابطَ قاعدةِ: «الضروراتُ تبيح المحظورات» في الفتوى رقم: (٦٤٣) على الموقع الرسميِّ.

(٤١) وهذا خلافًا لمالكٍ في وجوب القضاء دون الكفَّارة كما سيأتي، وللمشهور مِنْ مذهبِ أحمد في وجوب القضاء والكفَّارة استدلالًا بقصَّة الأعرابيِّ المُجامِع في نهار رمضان؛ إذ لم يستفصل منه صلَّى الله عليه وسلَّم: هل كان جماعُه عن نسيانٍ أم عمدًا؟ على ما نَقَله عنه ابنُ رشدٍ مبيِّنًا فيه سببَ اختلاف العلماء في المسألة؛ حيث قال في «بداية المجتهد» (٢/ ٦٥) ما نصُّه: «إذا جامع ناسيًا لصومه: فإنَّ الشافعيَّ وأبا حنيفة يقولان: لا قضاءَ عليه ولا كفَّارةَ، وقال مالكٌ: عليه القضاء دون الكفَّارة، وقال أحمد وأهلُ الظاهر: عليه القضاءُ والكفَّارة؛ وسببُ اختلافهم في قضاء الناسي: معارضةُ ظاهر الأثر في ذلك للقياس». وانظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ١٢٠).

والجواب عن هذه الجزئيةِ نتعرَّض إليه عند #الزاوية الثالثة مِنَ الفقرة الثانية المتعلِّقة بمناقشةِ أدلَّة المالكية مِنَ القياس.

(٤٢) سبق تخريجه، انظر: (#الهامش ١١).

(٤٣) انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني بتحقيقي (٦٠٩) والمصادِرَ الأصولية المُثبَتة على هامشه.

(٤٤) مفهوم اللقب أضعفُ المفاهيم، وهو تقييد الحكم أو الخبر باسْمٍ مطلقًا، سواءٌ كان اسْمَ جنسٍ أو اسْمَ جمعٍ أو اسْمَ عينٍ، لقبًا كان أو كنيةً أو اسْمًا؛ فلا يدلُّ على نفي الحكم عمَّا عَدَاه عند الجمهور؛ وقد قال بحجِّيَّته الدَّقَّاقُ مِنَ الشافعية، ونُسِب القولُ إلى ابنِ خويز منداد وابنِ القصَّار مِنَ المالكية؛ وفصَّل ابنُ السمعانيِّ في تعليق الحكم بالاسْمِ، [انظر: «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٢٩)]؛ كما قسَّم ابنُ تيمية مفهومَ اللقب إلى نوعين: لقبِ جنسٍ ولقبٍ يجري مجرى العَلَم، وبيَّن أنَّ سياق الكلام إذا كان يقتضي التخصيصَ فإنه يُحتجُّ به على الصحيح: كقوله تعالى: ﴿فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَ[الأنبياء: ٧٩]، وقولِه: ﴿كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ ١٥[المطفِّفين]؛ أمَّا إذا كان التخصيصُ لسببٍ يقتضيه فلا يُحتجُّ به باتِّفاق الناس، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حقِّ المضروب الذي نهى عن لعنه: «لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ ـ مَا عَلِمْتُ ـ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ» [أخرجه البخاريُّ في «الحدود» (١٢/ ٧٥) بابُ ما يُكرَه مِنْ لعنِ شارب الخمر، وأنه ليس بخارجٍ مِنَ المِلَّة، مِنْ حديثِ عمر رضي الله عنه]، لم يكن هذا دليلًا على أنَّ غيرَه لا يحبُّ اللهَ ورسوله، بل ذَكَر ذلك لأجل الحاجة إليه ليَنْهى بذلك عن لعنه، [«منهاج السنَّة النبوية» لابن تيمية (٧/ ٣٣١)].

انظر تفصيلَ المذاهب في المصادر الأصولية المُثبَتة على هامشِ: «مفتاح الوصول» للتلمساني بتحقيقي (٦٢٢)، ومؤلَّفي: «الإنارة» شرح «الإشارة» للباجي (٣٤٥).

(٤٥) «المستصفى» للغزَّالي (٢/ ٢٠٤) بتصرُّف.

(٤٦) انظر: «رياض الأفهام» للفاكهاني (٣/ ٤٠٠)، «الإحكام» لابن دقيق العيد ومعه: «العدَّة» للصنعاني (٣/ ١٧٠)، «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٢٧).

(٤٧) تنبيه: هذا حكمٌ خاصٌّ بالأفعال المحظورة على وجه النسيان أو الخطإ، بينما الأفعال المأمور بها فلا تسقط بتركها نسيانًا أو خطأً؛ إذ لا يخرج المكلَّفُ مِنْ عُهدةِ امتثال الأمر إلَّا بفعله، مِثل تركِ الصلاة أو الإخلال بشيءٍ مِنْ أركانها نسيانًا أو خطأً: لم تسقط عن المكلَّف وتبقى في ذِمَّته حتَّى يأتيَ بها؛ وهذا الحكم يسري في سائر العبادات، فلا عُذرَ للمكلَّف في تركها؛ والواجبُ أَنْ يفعل المأمورَ به على قَدْر الاستطاعة؛ لقوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ[التغابن: ١٦]؛ ولمَّا كان الصومُ مِنْ باب التروك، والواجبُ فيه الإمساك عن المفطِّرات؛ كان الفطرُ فيه فعلًا محظورًا منهيًّا عنه، فإِنْ وَقَع ذلك منه ناسيًا أو مُخطِئًا كان وجودُ الفعل كعدمه في حقِّ الله تعالى لقوله: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا[البقرة: ٢٨٦]، قال تعالى: «قَدْ فَعَلْتُ» [أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (٢/ ١٤٦) بابُ بيانِ تجاوُزِ الله تعالى عن حديث النفس، والترمذيُّ في «تفسير القرآن» (٥/ ٢٢١) باب: ومِنْ سورة البقرة، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [أخرجه الطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (٣/ ٩٥)، والحاكم في «المستدرك» (٢/ ١٩٨)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٧/ ٣٥٦)، مِنْ طريقِ الأوزاعيِّ عن عطاءٍ عن عُبَيد بنِ عُمَيرٍ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما مرفوعًا]؛ وفي لفظ ابنِ ماجه في «الطلاق» (١/ ٦٥٩) بابُ طلاق المُكرَه والناسي: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي ...»؛ وللحديث طُرُقٌ أخرى منها حديثُ أبي ذرٍّ وأبي هريرة وأبي الدرداء وابنِ عمر رضي الله عنهم؛ قال السخاويُّ في «المقاصد الحسنة» (٣٧١): «ومجموعُ هذه الطُّرُقِ يُظْهِرُ أنَّ للحديث أصلًا»، وقد صحَّحه ابنُ حزمٍ في «الإحكام» (٥/ ١٤٩)، وقال النوويُّ في «الأربعين»: «حديثٌ حسنٌ».

انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٦٤)، «الدراية» (١/ ١٧٥) و«التلخيص الحبير» (١/ ٢٨١) كلاهما لابن حجر، «كشف الخفاء» للعجلوني (١/ ٥٢٢)، «جامع العلوم والحِكَم» لابن رجب (٣٥٠)، «المقاصد الحسنة» للسخاوي (٣٦٩)، «إرواء الغليل» للألباني (١/ ١٢٣).

فهذا هو الفرق بين ترك المأمور مِنَ العبادات ـ نسيانًا أو خطأً ـ وبين فعلِ المحظور، [انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٦١)، «التعليقات على عمدة الأحكام» للسعدي (٢٨٣ ـ ٢٨٤)].

وقد يُستثنَى مِنْ هذا الأصلِ مواضعُ تَغلَّظ حكمُها لأنها داخلةٌ إمَّا في باب الإتلاف أو ما شابهه. [انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٦٢)].

(٤٨) «القواعد والأصول الجامعة» للسعدي (٧٦) القاعدة (٢٧): «الفرق بين مَنْ تَرَك المأمورَ سهوًا أو جهلًا: أنه لا تبرأ الذمَّةُ إلَّا بفعلِه، وبين مَنْ فَعَل المحظورَ وهو معذورٌ بجهلٍ أو نسيانٍ: أنه يُعذَرُ وتصحُّ عبادتُه». [وانظر: «التعليقات على عمدة الأحكام» للسعدي (٢٨٤)].

(٤٩) أخرجه عبد الرزَّاق في «المصنَّف» (٤/ ١٧٤) رقم: (٧٣٧٨).

(٥٠) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٧)، «شرح العمدة» ـ كتاب الصيام ـ لابن تيمية (١/ ٤٦٢).

(٥١) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٣٢٤)، «مغني المحتاج» للشربيني (١/ ٤٣٠)، «نهاية المحتاج» للرملي (٣/ ١٧٢)؛ وقد ضَبَط بعضُهم الكثيرَ بثلاثِ لُقَمٍ؛ لأنَّ اللُّقَم الثلاثَ تستدعي زمانًا طويلًا في مَضغِهنَّ، [انظر: «الشرح الكبير» للرافعي (٣/ ٢٠٣)].

(٥٢) سبق تخريجه، انظر: (#الهامش ١٤).

(٥٣) سبق تخريجه، انظر: (#الهامش ٤٩).

(٥٤) انظر: «اختلاف الأئمَّة العلماء» لابن هبيرة (١/ ٢٣٨)، «الإنصاف» للمرداوي (٣/ ٢٨٠)، «المجموع» للنووي (٦/ ٣١٢).

(٥٥) هو أبو محمَّدٍ عبدُ الله بنُ أحمد بنِ محمَّد بنِ قُدامة المقدسيُّ الدمشقيُّ الحنبليُّ الملقَّب ﺑ «مُوفَّق الدِّين»، أحَدُ الأئمَّة الأعلام، كان ـ رحمه الله ـ ثِقَةً حجَّةً نبيلًا، كامِلَ العقل، غزيرَ العلم، شديدَ التثبُّت، وغيرها مِنْ صفات العلماء العاملين، له مصنَّفاتٌ نافعةٌ أشهرُها: «المغني» و«الكافي» و«المُقنِع» و«العمدة» في الفقه، و«روضة الناظر» في أصول الفقه، وكتابُ «التوَّابين» و«المتحابِّين في الله» في الزهد والفضائل. تُوُفِّيَ سنة: (٦٢٠ﻫ).

انظر ترجمته في: «دُوَل الإسلام» (٢/ ٩٣) و«سِيَر أعلام النُّبَلاء» (٢٢/ ١٦٥) كلاهما للذهبي، «فوات الوفيات» للكتبي (٢/ ١٥٨)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ٩٩)، «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (٢/ ١٣٣)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ٨٨)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٢/ ٢٢٧).

(٥٦) أخرجه البخاريُّ في «الصوم» (٤/ ١٠٣) بابُ فضلِ الصوم، ومسلمٌ في «الصيام» (٨/ ٣١) بابُ فضلِ الصيام، ومالكٌ في «الموطَّإ» في «الصيام» (١/ ٢٨٧ ـ ٢٨٩) بابُ جامع الصيام، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥٧) «المغني» لابن قدامة (٣/ ١٠٢ ـ ١٠٣).

(٥٨) كذا نفى ابنُ قدامةَ العِلمَ بالخلاف في هذه المسألة، ولعلَّه نَقَل الإجماعَ عن الأئمَّة الأربعة ومَنْ وافقهم؛ وإلَّا فإنه قد خالف فيها ابنُ حزمٍ في «المحلَّى» (٦/ ١٨٠) وتَبِعه ابنُ تيمية كما في «الاختيارات» (٩٧) فقالا: إنه لا قضاءَ على المُفطِر بالأكل والشرب وغيرِهما متعمِّدًا، باستثناء القيء لوجود الدليل الخاصِّ؛ وسببُ الخلاف في المسألةِ يرجع إلى القضاء: هل هو بالأمر الجديد أم بالأمر الأوَّل؟

وما عليه جمهورُ الأصوليِّين وأهلُ التحقيق: أنَّ القضاء بأمرٍ جديدٍ لا بالأمر الأوَّل؛ أمَّا الأمر بالقضاء في حديث المُجامِع ـ على فرضِ صحَّتِه ـ فهو مِنْ تمامِ كفَّارته على ما أفاده الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (٤٢٥).

(٥٩) المصدر السابق (٣/ ١١٥).

(٦٠) هو أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عليٍّ الرازيُّ الحنفيُّ البغداديُّ، الإمامُ المعروفُ بالجصَّاص، كان إمامَ أصحابِ أبي حنيفة في وقته، له مُصنَّفاتٌ كثيرةٌ منها: «أحكامُ القرآن»، «شرحُ الأسماء الحُسْنَى»، وشرحُ «الجامع» لمحمَّد بنِ الحسن، و«شرحُ مختصر الكرخي» وغيرُها. تُوُفِّيَ ببغداد سنة: (٣٧٠ﻫ).

انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب (٥/ ٧٢)، «الجواهر المضيئة» للقُرَشي (١/ ٨٤)، «طبقات المفسِّرين» للداودي (١/ ٥٦)، «الفوائد البهيَّة» للَّكنوي (٢٧)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٧١)، «الأعلام» للزركلي (١/ ١٧١)، ومؤلَّفي: «الإعلام» (٣٢).

(٦١) «شرح مختصر الطحاوي» لأبي بكر الجصَّاص (٢/ ٤١٣).

(٦٢) هو أبو عمر يُوسفُ بنُ عبد الله بنِ محمَّد بنِ عبد البرِّ بنِ عاصمٍ النَّمَريُّ الأندلسيُّ؛ وهو مِنْ كِبارِ عُلَماءِ عصره، قال الباجيُّ: «لم يكن بالأندلس مِثْلُ أبي عمر بنِ عبد البَرِّ في الحديث، وهو أَحْفَظُ أهل المغرب»، ولابن عبد البَرِّ آثارٌ علميةٌ نافعةٌ منها: «التمهيدُ لِمَا في المُوطَّإ مِنَ المَعاني والأسانيد»، و«جامِعُ بيانِ العلم وفضله»، و«الاستيعابُ في معرفة الأصحاب»، و«الدُّرَرُ في اختصار المَغازي والسِّيَر»، و«الاستذكار». هكذا بَقِيَ في التدريس والتأليف والتدوين حتَّى تُوُفِّيَ بشاطبة سنة: (٤٦٣ﻫ) بعد أَنْ طالَ عُمُرُه وعَلَا سَنَدُه.

انظر ترجمته في: «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (٣٠٢)، «جذوة المقتبس» للحميدي (٣٦٧)، «ترتيب المَدارِك» للقاضي عياض (٢/ ٨٠٨)، «فهرست ابنِ خيِّر» (٢١٤)، «الصِّلَة» لابن بشكوال (٢/ ٦٧٧)، «اللباب» لابن الأثير (٣/ ٣٢٦)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٧/ ٦٦)، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» (١٨/ ١٥٣) و«تذكرة الحُفَّاظ» (٣/ ١١٢٨) و«دُوَل الإسلام» (١/ ٢٧٣) كُلُّها للذهبي، «مرآة الجنان» لليافعي (٣/ ٨٩)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ١٠٤)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (٣٥٧)، «طبقات الحُفَّاظ» للسيوطي (٤٣١)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٣١٤)، «الرسالة المُسْتَطْرَفة» للكتَّاني (١٥)، «شجرة النور» لمحمَّد مخلوف (١/ ١١٩)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٢١٣)، ومؤلَّفي: «الإعلام» (٤٠٥).

(٦٣) كذا في «التمهيد»، وفي «الاستذكار»: [عليه]، وهو تصحيفٌ ظاهر .

(٦٤) «الاستذكار» (٣/ ٣٥٥) و«التمهيد» (١٢/ ٧٢) كلاهما لابن عبد البرِّ، وانظر: «الفواكه الدواني» للنفراوي (١/ ٣٦٣).

(٦٥) هو أبو الوليد محمَّدُ بنُ أحمد بنِ أبي الوليد بنِ رشدٍ المالكيُّ، الشهيرُ بالحفيد الغرناطيِّ، يُلقَّبُ بقاضي الجماعة، كان عالِمًا جليلًا، أصوليًّا فقيهًا، حافظًا مُتْقِنًا، مُجْتَهِدًا حكيمًا، له تصانيفُ في فنونٍ متنوِّعةٍ منها: «بدايةُ المجتهدِ ونهايةُ المقتصد»، و«منهاجُ الأَدِلَّةِ في الأصول»، و«الكُلِّيةُ في الطبِّ»، و«جوامعُ كُتُبِ أرسطو في الطبيعيات والإلهيات». تُوُفِّيَ سنة: (٥٩٥ﻫ) بمرَّاكش، ونُقِلَتْ جُثَّتُه إلى قرطبة.

انظر ترجمته في: «سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذهبي (٢١/ ٣٠٧)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (٢٨٤)، «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي (٦/ ١٥٤)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٤/ ٣٢٠)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ٣٨)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٢٢٨)، «شجرة النور» لمخلوف (١/ ١٤٦)، ومؤلَّفي: «الإعلام» (٢٨٠).

(٦٦) «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٣١١).

(٦٧) «موطَّأ مالك» بشرح «تنوير الحوالك» (١/ ٢٧٥)؛ ويُندَب القضاءُ في التطوُّع فإنَّ التطوُّع «استحسانٌ لأنه مأمورٌ بالإمساك بعد الإفساد، وواجبٌ إذا أفسد لغير عذرٍ عند مالكٍ» [«الذخيرة» للقرافي (٢/ ٥٢٨)].

(٦٨) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٤٧).

(٦٩) انظر: «المبسوط» للسرخسي (٢/ ٦١)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٥)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٤٤)، «الاختيار لتعليل المختار» لابن مودود (١/ ١٣٣).

(٧٠) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ١١٦)، «الفروع» لابن مُفلِح (٣/ ٣٩)، «شرح الزركشي» على «مختصر الخِرَقي» (٢/ ٥٨٤)، «العدَّة شرح العمدة» للبهاء المقدسي (١٥٤)، «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٥٦).

(٧١) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٣٢٤)، «مغني المحتاج» للشربيني (١/ ٤٣٠)، «نهاية المحتاج» للرملي (٣/ ١٧٢).

(٧٢) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٦/ ٢٠٤).

(٧٣) انظر: «الإشراف على نُكَت مسائل الخلاف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ٤٣٥)، «التمهيد» (٧/ ١٧٩) و«الاستذكار» (٣/ ٣٤٨) و«الكافي» (١٢٤) كُلُّها لابن عبد البرِّ، «التفريع» لابن الجُلَّاب (١/ ٣٠٥)، «المسالك» لابن العربي (٤/ ٢٢٣)، «المنتقى» للباجي (٢/ ٦٥)، «رياض الأفهام» للفاكهاني (٣/ ٤٠٠).

(٧٤) تقدَّمت #المسألة.

(٧٦) انظر: «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد ومعه: «العدَّة» للصنعاني (٣/ ١٦٨)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦).

(٧٧) «شرح صحيح البخاري» لابن بطَّال (٤/ ٦٠).

(٧٨) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٥٨).

(٧٩) تقدَّم بيانُه #قريبًا.

(٨٠) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٩).

(٨١) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٥٧).

(٨٢) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٤٩).

(٨٣) أخرجه سعيد بنُ منصورٍ، ومِنْ طريقه العُقَيْليُّ في «الضعفاء» (٤/ ١١)، ومحمَّد بنُ الحسن في «الحجَّة على أهل المدينة» (١/ ٣٩٣)، مِنْ رواية كريمٍ عن الحارث عن عليٍّ رضي الله عنه؛ قال عبد العزيز الطريفي في «التحجيل في تخريجِ ما لم يُخرَّج في إرواء الغليل» (١١٦): «وإسنادُه ضعيفٌ، وكريمٌ مجهولٌ، والحارث هو الأعور: معروفُ الحال».

(٨٤) «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٦).

(٨٥) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٦١).

(٨٦) انظر: «الإشراف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ٤٣٥)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٥)، «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٢٣).

(٨٧) أخرجه الترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ٩٧) بابُ ما جاء في الصائم يَذْرَعه القيءُ، قال الترمذيُّ: «حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ حديثٌ غيرُ محفوظٍ»، ورواه الدارقطنيُّ في «سننه» (٢/ ١٦٢) مِنْ حديثِ هشام بنِ سعدٍ مِثلَه، وضعَّفه في «العِلَل» (١١/ ٢٦٧ ـ ٢٦٨)، انظر: «صحيحَ ابنِ خزيمة» (٣/ ٢٣٥)، «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٩٤)، «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٠١)، «البدر المنير» لابن الملقِّن (٥/ ٦٧٤).

(٨٨) أخرجه أبو داود في «الصوم» (٢/ ٧٨٨ ـ ٧٨٩) باب التغليظ في مَنْ أفطر عمدًا، والترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ١٠١) بابُ ما جاء في الإفطار متعمِّدًا، وابنُ ماجه في «الصيام» (١/ ٥٣٥) بابُ ما جاء في كفَّارةِ مَنْ أَفطرَ يومًا مِنْ رمضان، والدارميُّ في «الصوم» (٢/ ١٠) بابُ مَنْ أفطرَ يومًا مِنْ رمضان متعمِّدًا. وعلَّقه البخاريُّ بصيغة التمريض في «الصوم» (٤/ ١٦٠) باب: إذا جامَعَ في رمضان. وضعَّفه الألبانيُّ في «ضعيف الترمذي» (٩٠ ـ ٩١)، والأرناؤوط في «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٩٠).

(٨٩) انظر: «شرح البخاري» لابن بطَّال (٤/ ٦٨).

(٩٠) انظر: «المسالك» (٤/ ٢٢٣) و«عارضة الأحوذي» (٣/ ٢٤٧) كلاهما لابن العربي.

(٩١) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦) نقلًا عن ابنِ العربيِّ المالكيِّ، وانظر: «عارضة الأحوذي» لابن العربي (٣/ ٢٤٧ ـ ٢٤٨).

(٩٢) أخرجه أبو داود في «الصوم» (٢/ ٨٧٦) بابُ كفَّارةِ مَنْ أتى أهلَه في رمضان، ومِنْ طريقه أخرجه الدارقطنيُّ (٢/ ١٧٠) مِنْ حديثِ هشام بنِ سعدٍ عن الزهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ، وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللهَ»، وأَعلَّه ابنُ حزمٍ في «المحلَّى» (٦/ ١٨١) وقال: «هشام بنُ سعدٍ: ضعَّفه أحمد بنُ حنبلٍ وابنُ مَعينٍ وغيرُهما، ولم يستجِزِ الروايةَ عنه يحيى بنُ سعيدٍ القطَّان»، وقد تابعه إبراهيم بنُ سعدٍ كما رواه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٢٠٦) والبيهقيُّ في «الكبرى» (٤/ ٢٢٦)، وأخرجه الطحاويُّ في «شرح مُشكِل الآثار» (٤/ ١٧٦) وغيرهم، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن أبي داود» (٢/ ٦٧) و«إرواء الغليل» (٤/ ٩١)، وله طُرُقٌ أخرى مُرسَلةٌ منها: ما أخرجه سعيد بنُ منصورٍ بسنده كما في «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ٢٠٧)، ومسدَّد بنُ مُسرهَدٍ كما في «المطالب العالية» لابن حجر (١/ ٢٨٠ ـ ٢٨١) بألفاظٍ مُتقارِبةٍ منها: «تُبْ إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرْهُ، وَتَصَدَّقْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» [انظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ٢٠٧)، «البدر المنير» لابن الملقِّن (٥/ ٧٢٦)، «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ٩١)].

(٩٣) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٣٠٤)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٧٥).

(٩٤) انظر القاعدةَ في: «المنخول» للغزَّالي (١٥٠)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (١٨٦)، «البرهان» للجويني (١/ ٣٤٥)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (١/ ٢٨٩)، «تيسير التحرير» لبادشاه (١/ ٢٦٤)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٣/ ١٧١)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (١٣٢).

(٩٥) هو أبو محمَّدٍ عبدُ الوهَّاب بنُ عليِّ بنِ نصر بنِ أحمد التغلبيُّ البغداديُّ المالكيُّ، الفقيه الأصوليُّ، الشاعر الأديبُ العابد الزاهد، أخَذَ عن أبي بكرٍ الأَبْهَرِيِّ وحدَّث عنه، وتَفقَّهَ على كِبارِ أصحابه كابنِ الجلَّاب والباقِلَّانيِّ وغيرِهم، تولَّى القضاءَ بالعراق ومصر، وله مُصنَّفاتٌ عديدةٌ منها: «النصرةُ لمذهب مالكٍ» في مائة جزءٍ، و«المعونةُ في شرح الرسالة»، و«الإشرافُ في مَسائِلِ الخلاف»، و«عيونُ المسائل»، و«أوائلُ الأَدِلَّة»، و«الإفادةُ». تُوُفِّيَ سنة: (٤٢٢ﻫ).

انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (١١/ ٣٢)، «طبقات الفقهاء» للشيرازي (١٦٨)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (٢/ ٦٩١)، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ٢١٩)، «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (٩/ ٤٢٢)، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذهبي (١٧/ ٤٢٩)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ٣٢)، «فوات الوفيات» للكتبي (٢/ ٤١٩)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (١٥٩)، «مرآة الجنان» لليافعي (٣/ ٤١)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٢٢٢)، «وفيات ابن قنفذ» (٥٣)، ومؤلَّفي: «الإعلام» (٢٣٥).

(٩٦) «الإشراف على نُكَت مسائل الخلاف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ٤٣٥ ـ ٤٣٦).

(٩٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٣٥)، «العناية شرح الهداية» للبابرتي (٢/ ٣٢٧).

(٩٨) انظر: «الفواكه الدواني» للنفراوي (١/ ٣٥٦).

(٩٩) انظر: «رياض الأفهام» للفاكهاني (٣/ ٤٠١)، «المسالك» لابن العربي (٤/ ٢٢٣)، «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٢٣)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٧)، «شرح صحيح البخاري» لابن بطَّال (٤/ ٦١).

(١٠٠) «المسالك» لابن العربي (٤/ ٢٢٣).

(١٠١) كذا استدلَّ بعضُ المالكية بعدمِ ورود الأمر بالقضاء في مُعظَمِ أحاديث الأعرابيِّ المُجامِع لأهله؛ ولعلَّه خَفِيَ عليه حديثُ هشام بنِ سعدٍ ومتابعةُ إبراهيم بنِ سعدٍ له في الأمر بالقضاء كما تقدَّم، انظر: (#الهامش ٩٢).

(١٠٣) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ١١).

(١٠٤) «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٢٣).

(١٠٥) انظر: «المسالك» لابن العربي (٤/ ٢٢٣)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦).

(١٠٦) «إحكام الأحكام» لابن دقيق ومعه: «العدَّة» للصنعاني (٣/ ١٦٨).

(١٠٧) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٦).

(١٠٨) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٥٨).

(١٠٩) «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٧٥)، وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٧).

(١١٠) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٨٧).

(١١١) «سنن الترمذي» (٣/ ٩٧).

(١١٢) «العِلَل» للدارقطني (١١/ ٢٦٧ ـ ٢٦٨).

(١١٣) انظر: «صحيحَ ابنِ خزيمة» (٣/ ٢٣٥)، «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٩٤)، «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٠١)، «البدر المنير» لابن الملقِّن (٥/ ٦٧٤)، «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٤٦ ـ ٤٤٨).

(١١٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٨٨).

(١١٥) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٧).

(١١٦) «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٣٠٤).

(١١٧) هو أبو عبد الله محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ محمَّدٍ الشوكانيُّ، ثمَّ الصنعانيُّ اليمنيُّ، الفقيهُ المُحدِّثُ الأصوليُّ النَّظَّار، عُرِفَ بالإمام المجتهد، وُلِدَ بهجرةِ شوكانَ سنة: (١١٧٢ﻫ)، ونَشَأَ بصنعاء، كان فريدَ عَصْرِه ونادِرَ دَهْرِه، له مُؤلَّفاتٌ كثيرةٌ ومُفيدةٌ منها: «فتحُ القدير» في التفسير، و«نيلُ الأوطار» في الحديث، «إرشادُ الفحول» في الأصول. تُوُفِّيَ سنة: (١٢٥٠ﻫ).

انظر ترجمته في: «البدر الطالع» للشوكاني (٢/ ٢١٤)، «الفتح المُبين» للمراغي (٣/ ١٤٤)، «الرسالة المُسْتَطْرَفة» للكتَّاني (١١٤)، «الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٩٨)، «معجم المُؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٥٤١)، «الإمام الشوكاني، حياتُه وفِكْرُه» د. عبد الغنيِّ قاسم غالب الشرجبي، «الإمام الشوكاني مُفسِّرًا» لمحمَّد حسن بن أحمد الغماري، ومؤلَّفي: «الإعلام» (٣٧١).

(١١٨) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٩٢).

(١١٩) «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٧٥ ـ ٢٧٦).

(١٢٠) تقدَّم تخريجه، انظر: (#الهامش ٤٧).

(١٢١) «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٣٠٤).

(١٢٣) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ (١/ ٤٥٧).

(١٢٥) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٣٠٣).

(١٢٧) قال الباجيُّ في «إحكام الفصول» (٦٦٦) ما نصُّه: «فقال أكثرُ أصحابنا: القياس مقدَّمٌ على خبر الآحاد»، وقال القرافيُّ في «شرح تنقيح الفصول» (٣٨٧): «وهو ـ أي: القياس ـ مقدَّمٌ على خبر الواحد عند مالكٍ ـ رحمه الله ـ؛ لأنَّ الخبر إنَّما وَرَد لتحصيل الحكم، والقياسَ متضمِّنٌ للحكمة؛ فيُقدَّم على الخبر»؛ غير أنَّ بعض المالكية رجَّح أنَّ الخبر مقدَّمٌ على القياس، ويَبْطُل الاحتجاجُ به عند التعارض، [وانظر: «نشر البنود» للعلوي (٢/ ٤٠، ٣١٤)، «مذكِّرة الشنقيطي» (١٤٧)].

(١٣٠) «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٢/ ٥٩).

(١٣١) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية ـ كتاب الصيام ـ(١/ ٤٥٨).

(١٣٢) قال ابنُ تيمية في «شرح العمدة» (١/ ٤٦٢): «وقد يُستثنى منه مواضعُ تُغلَّظ، مثل الحلق والتقليم وقتلِ الصيد في الإحرام لأنه مِنْ باب الإِتلاف؛ ومثل الكلام في الصلاة ـ على روايةٍ ـ لأنه بغيرِ هيئة الصلاة، ولا يُفرَّق في [مُبطِلاتها] بين العمد والسهو، ومثل الجماع في الصيام والإِحرام لتغلُّظِ جنسه، ولأنه يُشبِه الإِتلاف، ولأنه لا يكاد يقع فيه النسيان لكونه غيرَ معتادٍ، وغير ذلك مِنَ الأحكام والأسباب؛ وإلَّا فالأصلُ ما قدَّمْناه».

(١٣٣) «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٧٦).

(١٣٤) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٥٧).

(١٣٥) «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٧٥).