في أعمال السعي بين الصفا والمروة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ١٠١١

الصنـف: فتاوى الحج - العمرة

في أعمال السعي بين الصفا والمروة

السـؤال:

ما هي أعمال السعي بين الصفا والمروة؟ وهل يُشرَعُ ختم السعي بركعتين كختم الطواف، كما قرأتُه في بعض كتب الأحناف؟

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فتظهر أعمال السعي بين الصفا والمروة فيما يأتي:

·  أولا: إذا فَرَغَ المُحْرِمُ مِنْ طوافه خَرَج إلى المسعى، فإذا دَنَا مِنَ الصفا قَرَأ قولَه تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٥٨]، ويقول: «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ»، ولا يكرِّرها في غيرِ هذا الموضع، ثمَّ يرتقي على الصفا حتَّى يرى الكعبة، فيستقبلها فيرفع يدَيْه مِنْ غيرِ إرسالٍ فيوحِّد اللهَ ويُكبِّره، فيقول: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ؛ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، [يُحْيِي وَيُمِيتُ]، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ»، يكرِّر ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، ويدعو بين التهليلات بما شاء مِنَ الأدعية، والأفضلُ أَنْ يكون مأثورًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو السلف الصالح.

ويدلُّ عليه حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: «فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا، فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى البَيْتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ»(١)، وفي حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما: «ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ ، «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ»، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، [يُحْيِي وَيُمِيتُ]، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ»، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»(٢).

·  ثانيا: ثمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصفا إلى المروة ليسعى بينهما، فإذا وَصَل إلى العمود الأخضر الأوَّلِ هَرْوَلَ، أي: أَسرعَ بقَدْرِ ما يستطيع مِنْ غيرِ أَذِيَّةٍ إلى العمود الأخضر الثاني، وهما عَلَمَان معروفان بالميلين الأخضرين، وكان في عهده صلى الله عليه وسلم واديًا أبطحَ فيه دِقَاقُ الحصى، ويقول بينهما: «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ»(٣)، فقَدْ ثَبَت عن جمعٍ مِنَ السلف.

ويدلُّ على ذلك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ»(٤)، ويقول: «لَا يُقْطَعُ الأَبْطَحُ إِلَّا شَدًّا»(٥).

·  ثالثًا: ثمَّ يسير على عادته إلى المروة فيرتقي عليها ويستقبِلُ القِبلةَ ويقول مِثلَ ما قاله في «الصفا» مِنْ تكبيرٍ وتوحيدٍ ودعاءٍ.

·  رابعا: ثمَّ ينزل مِنَ المروة إلى الصفا ويُهَرْوِل في موضعِ إسراعه، ويرتقي على الصفا ويستقبل القِبلةَ ويقول مِثلَ ما قاله أوَّلَ مرَّةٍ.

ويُعَدُّ السعيُ مِنَ الصفا إلى المروة شوطًا، ومِنَ المروة إلى الصفا شوطًا ثانيًا، ويُتِمُّ سعيَه بسبعةِ أشواطٍ، يبتدئ الشوطُ الأوَّل بالصفا وينتهي الشوطُ السابع بالمروة.

ويدلُّ عليه حديثُ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما، وفيه: «ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى المَرْوَةِ»(٦).

تنبيه على أخطاء يقع فيها بعض الساعين، منها:

ليس للسعي ذِكرٌ مخصوصٌ إلَّا ما تقدَّم، وله أَنْ يأتيَ في سعيه بما شاء مِنَ الأدعية والأذكار المسنونة وقراءةِ القرآن.

مِنَ السنَّة: الهرولةُ، أي: السعي الشديد بين العَلَمين الأخضرين في جميع أشواط السعي، بينما في الطواف لا يَرْمُل إلَّا في الثلاثة الأولى فقط، ويمشي بين الركنين، وهما الركن اليمانيُّ والحَجَر الأسود.

وليس مِنَ السُّنَّة الاضطباعُ في السعي، وإنما سُنِّيَّتُه عند طواف القدوم؛ إذ لم يَثْبُتْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اضطبع في غير الطواف، قال ابنُ قدامة رحمه الله: «وقال الشافعيُّ: يَضْطَبِعُ فيه؛ لأنه أحَدُ الطَّوَافَيْنِ، فأَشبهَ الطوافَ بالبيت، ولنا: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَضطبِعْ فيه، والسُّنَّةُ في الاقتداء به، قال أحمد: ما سَمِعْنا فيه شيئًا، والقياسُ لا يصحُّ إلَّا فيما عُقِل معناه، وهذا تعبُّدٌ محضٌ»(٧).

ليس مِنَ السُّنَّة الصلاةُ بعد السعي، وقال بعضُ الحنفية باستحباب ركعتين بعده(٨)، استنادًا إلى ما روى المطَّلِب بنُ أبي وداعة قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ حَتَّى إِذَا حَاذَى الرُّكْنَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ المَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ»، والحديث ضعيفٌ(٩)، وعلى فرض التسليم بصحَّته فليس فيه دليلٌ على أنَّ الركعتين مِنْ سنن السعي لجواز مُطلَق النفل، فهي واقعةُ عينٍ مُحتمِلةٌ فلا دليلَ فيها.

السعي لا يكون إلَّا بعد الطواف ، أي: أَنْ يتقدَّم السعيَ طوافٌ صحيحٌ لتبعية السعي له(١٠)؛ ويُشترَط أَنْ يجعل سعيَه مرتَّبًا وَفْقَ السنَّة: يبدأ بالصَّفَا ويختم بالمروة ـ كما تقدَّم ـ فإِنْ بَدَأ بالمروة لم يَعْتَدَّ بذلك الشوط، فإذا وَصَل الصفا كان هذا أَوَّلَ سعيه، وأَنْ يستوعب ـ في سعيه ـ ما بين الصفا والمروة، فإذا لم يصعد على الصفا والمروة لَزِمه أَنْ يُلصِق قَدَمَه بالابتداء والانتهاء، ولا يصحُّ أَنْ يترك ممَّا بينهما شيئًا، وأَنْ يكون السعيُ في موضع السعي، ولا يصحُّ سعيٌ بمحاذاة المسعى، سواءٌ مِنْ داخِل المسجد أو مِنْ خارجه.

·  خامسا: يجوز الطواف والسعي راكبًا، والمشيُ أفضلُ لغير العاجز؛ لحديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال: «طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ»(١١)، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ»(١٢).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٢ جمادى الأولى ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٧ أبريل ٢٠٠٩م



(١) أخرجه مسلمٌ في «الجهاد والسِّيَر» (١٧٨٠) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٨) من حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما الطويل. وأخرجه أبو داود في «المناسك» بابُ صفة حجَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم (١٩٠٥) وغيرُه بلفظِ: «نبدأ». وأمَّا لفظةُ: «ابدؤوا» فشاذَّةٌ، قال ابنُ حجرٍ في «التلخيص الحبير» (٢/ ٥٠٩) بعد أَنْ ذَكَر مَنْ رواها: «قال أبو الفتح القُشَيْريُّ [وهو ابنُ دقيق العيد]: مَخْرَجُ الحديث ـ عندهم ـ واحدٌ، وقد اجتمع مالكٌ، وسفيانٌ، ويحيى بنُ سعيدٍ القطَّان على روايةِ: «نبدأ» بالنون التي للجمع، قلت: وهُمْ أحفظُ مِنَ الباقين»، وانظر: «الإرواء» للألباني (٤/ ٣١٧)، وما بين المعكوفتين مِنْ زيادةِ أصحاب السنن: أبي داود والنسائيِّ وابنِ ماجه.

(٣) وَرَد عن عمر وابنِه عبد الله وعبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنهم، انظر: «المصنَّف» لابن أبي شيبة (٣/ ٤٢٠، ٦/ ٨٣)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (٩٣٥١، ٩٣٥٢)، ورُوِيَ مرفوعًا، ولا يصحُّ إلَّا موقوفًا، انظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن (٦/ ٢١٦)، «تخريج أحاديث الإحياء» للعراقي (١/ ٢٧٨)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ٥١٠)، «حجَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم» للألباني (١١٩).

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ ما جاء في السعي بين الصفا والمروة (١٦٤٤)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٦١)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٥) أخرجه ابنُ ماجه في «المناسك» باب السعي بين الصفا والمروة (٢٩٨٧)، وأحمد (٢٧٢٨١)، مِنْ حديثِ أمِّ ولدٍ لشيبةَ بنِ عثمان رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٥/ ٥٦٤).

(٦) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٨) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما الطويل.

(٧) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٣٧٣).

(٨) قال ابنُ الهُمام الحنفيُّ رحمه الله في «فتح القدير» (٢/ ٤٧١): «إذا فَرَغ مِنَ السعي يُستحَبُّ له أَنْ يدخل فيصلِّيَ ركعتين؛ ليكون ختمُ السعي كختم الطواف، كما ثَبَت أنَّ مبدأه بالاستلام كمبدئه عنه عليه السلام؛ ولا حاجةَ إلى هذا القياس؛ إذ فيه نصٌّ، وهو ما روى المُطَّلِب بنُ أبي وَدَاعة...».

(٩) هذا اللفظُ إنما أَوْرَده ابنُ الهُمام؛ وقد أَخرجَ الحديثَ النسائيُّ في «مناسك الحجِّ» باب: أين يصلِّي ركعتَيِ الطواف؟ (٢٩٥٩)، وابنُ ماجه في «المناسك» باب الركعتين بعد الطواف (٢٩٥٨)، وليس في شيءٍ مِنْ ألفاظه وطُرُقه الأخرى أنه كان بعد السعي، بل في بعضها التصريحُ بأنه بعد الطواف، وهو ـ مع ذلك ـ ضعيفٌ كما في «السلسلة الضعيفة» (٢/ ٣٢٦ ـ ٣٢٧) برقم: (٩٢٨) و«تمام المِنَّة» (٣٠٣) كلاهما للألباني.

(١٠) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٣٩٠).

(١١) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٧٣) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(١٢) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٦٤) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.