في حكمِ غيابِ الطَّبيبِ عن عملِه دونَ مقابلٍ ماليٍّ | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 18 شوال 1445 هـ الموافق لـ 27 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٣٦١

الصنف: فتاوى طبِّيَّة

في حكمِ غيابِ الطَّبيبِ عن عملِه دونَ مقابلٍ ماليٍّ

السؤال:

هل يجوزُ لطبيبٍ أو ممرِّضٍ بمُستشفًى عموميٍّ أَنْ يغيبَ عنِ العملِ دون أَنْ يتقاضى على غيابِه أجرًا، إذا لم يَجِدْ شُغْلًا يقومُ به داخِلَ دائرةِ عملِه بالمستشفى، بسببِ تعطُّلِ الآلاتِ الطِّبِّيَّةِ ـ مثلًا ـ أو عدمِ وجودِ موادَّ طبِّيَّةٍ أساسيَّةٍ ونحوِهما مِنَ الأسباب لأنَّ عنده مَصالِحَ وأشغالًا أخرى؟ أفيدونا مشكورين.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فجريًا على مقتضى المبادئ الأوَّليَّةِ للطِّبِّ وأخلاقيَّاتِ الطَّبيبِ، فإنَّه ينبغي على الطَّبيبِ الحفاظُ على شرفِ مهنتِه، واجتنابُ الإخلالِ بالأمانةِ والنَّزاهةِ، وإلزامُ نفسِه مراقبةَ الله تعالى في جميع الأمورِ، والابتعادُ عن كُلِّ ما يُسيءُ إلى سُمعةِ الطِّبِّ ومِهنتِه الشَّريفةِ الَّتي يُمارِسُها داخِلَ المؤسَّسةِ الاستشفائيَّةِ.

والمعلومُ أنَّ الطَّبيبَ كسائرِ الموظَّفين يجبُ أَنْ يُتقِنَ عملَه الوظيفيَّ؛ ويلتزمَ الأمانةَ في أدائهِ كاملًا على الوجهِ المطلوبِ منه في عقدِه مع المؤسَّسةِ المُشغِّلةِ له في مواقيتِ العمل المُبَرْمَجةِ له، عملًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّواْ ٱلأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهلِهَا[النساء: ٥٨]؛ إذ ليسَ مِنَ الأمانةِ في شيءٍ أَنْ يقصِّر الطَّبيبُ أو غيرُه في أداءِ عملِه بالتَّسيُّب واللَّامبالاةِ والإهمالِ والتَّغيُّبِ، أو عدمُ المحافظةِ على ما استُؤمِنَ عليه مِنَ الآلاتِ الطِّبِّيَّةِ وأدواتِها، وخاصَّةً في مثلِ هذا المرفقِ الاستشفائيِّ العموميِّ، مع سوءِ القصدِ والكذبِ واختلاقِ الأعذارِ، لِيَجِدَ لنفسه مسوِّغًا أو حُجَّةً في تركِ عمله، والهروبِ عن واجبِه، ومغادرةِ مَهامِّه المَنوطةِ به في الوقت المُبَرْمَجِ له؛ فهذه الصُّوَرُ السالفةُ الذِّكرِ لا تجوز مُطلَقًا سواءٌ بدون أخذِ المقابلِ المادِّيِّ على وقتِ غيابِه، أو بأخذِه وذلك أقبحُ الأمرينِ وأشدُّهما سوءًا ومُنكَرًا؛ لأنَّ كُلَّ ذلك يُعَدُّ مِنَ الخيانةِ المحرَّمة.

أمَّا إذا كانت الأسبابُ المذكورةُ سابقًا غيرَ ناشئةٍ مِنْ تقصيرٍ، بلِ الطَّبيبُ يتفانى في أداءِ عملِه؛ وتعطُّلُ الآلاتِ الطَّبِّيَّةِ حصلت بسببٍ لا دَخْلَ له فيه، وكان كُلُّ عملِه الأصليِّ لا يستغني عن تلك الآلاتِ ولا يمكنُ القيامُ به دونها، ولم يَجد شُغلًا آخَرَ يمكنه أَنْ يقوم به داخِلَ دائرةِ عملِه بالمستشفى، فإنَّه يستأذنُ المديرَ المسؤولَ عنه والمخوَّلَ له التَّصرُّفُ في مثلِ هذه الحالاتِ، إِنْ رأى أَنْ يأذنَ له في التَّغيُّبِ لبعضِ الأيَّامِ إلى حينِ إصلاحِ العطلِ، لعدم الحاجةِ إليه في مَصالِحَ أو أقسامٍ أخرى مِنَ المستشفى، فلا حرَجَ على الطبيب ـ والحالُ هذه ـ أَنْ يتغيَّب بالإذنِ لهذا السَّببِ القاهرِ لقضاءِ مصالحه الأخرى، وله أَنْ يأخذ على غيابِه مرتَّبَه، بَلْهَ إِنْ تنازلَ عنه؛ لأنَّ غيابَه كان مأذونًا له فيه، بتقديرِ الجهةِ المسؤولة عن الوضع الوظيفيِّ، وحصولِ الكفايةِ بغيره عنه.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٥ﻫ
المُوافـق ﻟ: ٠٥ ديـسـمـبر ٢٠٢٣م