في حكم التعامل مع المرابين | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



الفتوى رقم:٤٤٠

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - القرض والصرف

في حكم التعامل مع المرابين

السؤال:

أنا رجلٌ أعمل عند أخٍ له محلٌّ للموادِّ الغذائية العامَّة، وفي بعض الأحيان نبيع سلعًا لبعض البنوك المُجاوِرة للمَحَلِّ، وفي أخرى نُضطرُّ لأَنْ نُقْرِضَ لهم بعضَ السلع بدونِ عقدٍ على أيِّ وثيقةٍ، فما حكمُ هذه المُعامَلة؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فإنَّ ما تُمْلِيهِ القواعدُ الشرعية العامَّة: أنَّ حيازة الأموال بلا سببٍ مشروعٍ معدودٌ مِن أكلِ أموال الناس بالباطل، فإنْ تحقَّقَ العلمُ بأنَّ الكسب حرامٌ وَجَبَ اجتنابُه، قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ما في الوجود مِن الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقودٍ لا تُباحُ بالقبض إِنْ عَرَفَهُ المسلمُ اجتنبه»(١)، والمُعامِل يستوي مع آخِذِ المال الحرام؛ ذلك لأنَّ المكتسِبَ سبب الحرام وسيلة الكسب المحرَّم، والمعامل سبب الحرام التعامل في ملك الغير بغير إذنه، ذلك لأنَّ الله إذا حرم شيئا حرَّم ثمنه، والتعامل معه إقرار على الكسب الحرام وإعانة له وتشجيع على فعل المنهي عنه، الأمر الذي يجعل المتعامل شريكًا في الإثم والمؤاخذة، لأنَّ الإعانة على المعصية معصية، وهذا القول شامل للمرابي والغاصب والسارق وغيرهم، بعد حصول العلم ووقوعه بالكسب المحرم -كما تقدم- ويدل على ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ»(٢)، فالنهي الوارد في الحديث غير قاصر على الآخذ بل يشمل الأخذ ابتداءً والإبقاء انتهاءً، فهو حرام على حائزه فيمتنع الانتفاع به، وحرام على من عامله به لعموم العلة واتحادها، وهي حرمة المال المكتسب، وعليه فهو كسب خبيث يجب التصدق به، ولا يُرد إلى الدافع لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض لا يمكِّن صاحب العوض استرجاعه، وهو اختيار ابن القيم رحمه الله تعالى، وقد أخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلاَّ أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ. فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيءٍ فِي بَطْنِهِ»(٣) قال ابن حجر: "والذي يظهر أنّ أبا بكر إنّما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن"[٤]، هذا، وأمّا ما اكتسبه عن طريق تعامله قبل حصوله العلم فإنه ينتفع به لقوله تعالى: ﴿فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥]

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

الجزائر في: ٢ جمادى الأولى ١٤٢٧ﻫ
المــوافق ﻟ: ٢٩ مـاي ٢٠٠٦م


(١) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٣٢٣).

(٢) أخرجه البخاري في البيوع (٢٢٣٧)، ومسلم في المساقاة (٤٠٩٢)، وأبو داود في الإجارة (٣٤٣٠)، والترمذي في النكاح (١١٦٢)، والنسائي في الصيد والذبائح (٤٣٠٩)، وابن ماجه في التجارات (٢٢٤٣)، ومالك في الموطإ (١٣٥٩)، وأحمد (١٧٥٣٥)، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

(٣) أخرجه البخاري في فضائل الأنصار (٣٨٤٢)، والبيهقي (١١٨٦٠)، من حديث عائشة رضي الله عنه.

(٤) فتح الباري لابن حجر: ٧/ ١٥٤.