في حكم التعدِّي بالإجهاض على الجنين | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٥٣١

الصنف: فتاوى الأسرة ـ عقد الزواج ـ الحقوق الزوجية ـ الحقوق المنفردة

في حكم التعدِّي بالإجهاض على الجنين

السؤال:

أنا امرأةٌ عجوزٌ قُمْتُ أيَّامَ شبابي بإسقاطِ جنيني تعدِّيًا عليه بعد مرورِ مدَّةٍ، ولا أذكر: ثلاثة أو أربعة أشهرٍ، وبقي هذا الأمرُ يعذِّبني ليلًا ونهارًا؛ فهل يَسَعُكم مِنْ حَلٍّ أو توجيهٍ يرفع عنِّي همِّي وغمِّي؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصل في الإجهاضِ الحَظْرُ والمنعُ لأنه جنايةٌ على موجودٍ حاصلٍ، وتكون الجنايةُ عليه مِنْ أَوَّلِ مَراحلِ الوجود، وتزداد الجنايةُ تفاحُشًا إِنْ نُفِخَ فيه الرُّوحُ واسْتَوَتِ الخِلْقةُ؛ فإِنْ وقعَتِ الجنايةُ عليه بعد تمامِ أربعةِ أشهرٍ ـ أي: بعد مرورِ مِائةٍ وعشرين يومًا ـ وتُيُقِّنَتْ حركتُهُ ـ سواءٌ عمدًا أو خطأً ـ فإنه يَسْتَوْجِبُ التعدِّي عليه الكفَّارةَ كحقٍّ لله وَدِيَةً كحقٍّ للعبد، وتُؤَدَّى الكفَّارةُ بعِتْقِ رقبةٍ مؤمنةٍ، فمَنْ لم يجد رقبةً يُعْتِقُها فصيامُ شهرين مُتتابِعَيْن، فمَنْ لم يَسْتَطِعِ الصيامَ بَقِيَ في ذِمَّتِه على قولٍ لبعضِ أهل العلم، أو يتحوَّل إلى إطعامِ ستِّين مسكينًا على رأيٍ آخَرَ، فإِنْ لم يَسْتَطِعْ بَقِيَ في ذِمَّتِه إلى أَنْ يَسْتَطِيعَهُ، والحيضُ لا يقطع تَتابُعَ صومِ المرأةِ في الكفَّارة، أمَّا الدِّيَةُ فتجب في مالِ أُمِّهِ، وهي مُقَدَّرَةٌ بنصفِ عُشْرِ الدِّيَة(١)، والدِّيَةُ يَرِثُها وَرَثَةُ الجنينِ كما لو قُتِلَ بعد الولادة، ولا تَرِثُ منه أمُّه لجِنايتها عليه، فإِنْ تَنازَلُوا عنها فلا شيءَ عليها لقوله تعالى: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَ‍ٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْ[النساء: ٩٢].

أمَّا إذا كان الجنينُ المَجْنِيُّ عليه دون أربعةِ أشهرٍ فلا كفَّارةَ على مَنْ أَجْهَضَهُ؛ لأنه لم يُنْفَخِ الروحُ فيه بَعْدُ، والكفَّارةُ تجب في القتلِ الخطإ، ولا يكون إلَّا مِنَ الجنايةِ على ذي روحٍ، لكنَّه إذا كان مُضْغَةً بحيث تظهر فيه صورةُ الآدميِّ أو بعضُ أعضائه فيُعطى حُكْمَ الجنينِ مِنْ جهةِ وجوب الدِّيَة.

وعلى الجانية أَنْ تتوب إلى الله وتُكْثِرَ مِنَ الحسنات والطاعات؛ فقَدْ ثَبَتَ أنَّ «النَّدَمَ تَوْبَةٌ»(٢)، وأنَّ «التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»(٣)؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣[الزُّمَر].

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٧ جمادى الأولى١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٣ جوان ٢٠٠٦م

 



(١) وهو خمسٌ مِنَ الإبل، أو خمسون دينارًا ذهبيًّا، أو ستُّمائةِ درهمٍ مِنَ الفضَّة، فهذه المقاديرُ هي عُشْرُ دِيَةِ المرأةِ المسلمةِ أو نصفُ عشرِ دِيَةِ المسلم.

(٢) أخرجه ابنُ ماجه في «الزهد» بابُ ذِكْرِ التوبة (٤٢٥٢) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وحسَّنه ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (١٣/ ٤٧١)، وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٥/ ١٩٤)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٨٠٢).

(٣) أخرجه ابنُ ماجه في «الزهد» بابُ ذِكرِ التوبة (٤٢٥٠) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه. قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (١٣/ ٤٧١): «سنده حسنٌ»، وحَسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٠٠٨).